العدد 21 - رزنامه
 

السجل- خاص

في أعماله "صورة في القلب" التي تعدّ جزءاً من مشروعه "روايات مخمعال"، يأخذنا الفنان المصري محمود خالد في رحلة عبر الزمن تدعو للتأمل فيما مضى، وتقييم الحاضر وقراءة مدلولاته، ومحاولة التنبؤ بالمستقبل واستشراف آفاقه.

إذ يجد المتلقي نفسه وهو يطأ أرض جاليري مكان، في مواجهة تجسيم يحيل إلى الشبكة العنكبوتية وتأثيرها في إنسان هذا الكوكب، وذلك من خلال صورتين كبيرتين تعبّران عن رجُلين وجهاهما متقابلان كأنهما يتحاوران، بينما تغيب ملامحهما تماماً، حيث تتداخل الخطوط والألوان بشكل ضبابي أقرب ما يكون إلى شاشة مغبّشة.

على طرف هذه الصورة ثمة مجموعة كبيرة من كتيبات رُصفت كما لو كانت في كشك لبيع الكتب، وهي رغم تعددها تحمل شكلاً واحداً للغلاف المستوحى من سلسلة روايات "عبير» الرومانسية التي تتمتع بشعبية كبيرة لسهولة حملها وتداولها ورخص أسعارها.

كما يعرض الفنان غلافاً مكبّراً مستوحى من أجواء الروايات نفسها، لكنه لا يصور أي مشهد عاطفي لرجل وامرأة، كما هو معتاد، وإنما يصور رجلاً يقف ببلاهة على شاطئ البحر قبيل الغروب يرتدي طاقية أشبه بما يرتديه المهرج، ويحمل في يده علبة "بيبسي" حديدية، في إشارة إلى غزو العولمة لتفاصيل الحياة، وتهشيمها للمشاعر والأحاسيس في عصر رقمي لا يأبه بما هو إنساني.

و"مخمعال" هو الاسم المستعار للفنان -والمأخوذ من الأحرف الأولى لاسمه "السداسي" كاملاً- والذي كان يدخل به إلى غرف الدردشة الإلكترونية ويتحاور من خلاله مع الآخرين لساعات طويلة، وذلك، كما يوضح الفنان، بهدف الحصول على أرشيف موثق يعكس ما يحيط بهذا النمط من العلاقات على شبكة الإنترنت من غموض وأقنعة.

إذ تكشف الحوارات التي كانت تدور بين "مخمعال" والآخرين على الشبكة، عن حجم الأكاذيب المتداولة، والرغبات المكبوتة التي يصعب تفريغها إلا بهذه الطريقة التي تُشعر صاحبها بنوع من الأمان، حيث يمكنه الاختباء خلف حُجُب غير مرئية دون أن يضطر إلى كشف اسمه أو شكله أو تقديم أي تفاصيل حقيقية عنه.. وهي عملية تشبه ذلك التفريغ العاطفي والنفسي الذي يحدث عندما يقرأ المرء رواية من روايات "عبير"، ويتمثّل ما فيها، دون أن يعرف أحد شيئاً عمّا يجري له، وما يعتمل في داخله من هواجس.

وقد حافظ الفنان في روايات "مخمعال" على الخطوط العريضة التي تجمع روايات "عبير"، حيث البطل النموذج؛ الوسيم وكامل الصفات، الذي تتخذ شخصيته أبعاداً ميلودرامية نوعاً ما، تثير رغبة القارئ وتدفعه إلى عالم مزوَّر، لكنه مثير. إن هذا العمل الفني المتداخل ومتعدد الوسائط، لا يشير إلى ما يراه المشاهد مباشرة، وحسب، وإنما يحمل بين طياته مدلولات تجبرنا على التفكير وإعادة التفكير في مختلف الفرضيات التي تحكم مسار حياتنا ونضطر لقبولها أحياناً والتعايش معها.

ولد محمود خالد في الإسكندرية سنة 1982، نال بكالوريوس الفنون الجميلة في التصوير سنة 2004 من جامعة الإسكندريّة. تتميز أعماله بتقنياتها المتعددة وأساليبها المتنوعة، حيث يستخدم وسائط فنية عدة منها: الفيديو، التصوير الفوتوغرافي، النص والتجهيز الفراغي.. محاولاً استكشاف الوثيقة بأشكالها المتعددة: الرسمية والاجتماعية والتاريخية والشخصية، وتأثيرها في حياة الفرد اليومية، والبحث عن البساطة حتى وأن كانت من صنع الخيال.

“صورة في القلب” لمحمود خالد.. عالم مزوَّر لكنه مثير
 
10-Apr-2008
 
العدد 21