العدد 21 - أردني
 

سليمان البزور

حين تشير قوى المعارضة الأردنية إلى "الخطيئة السياسية"، فإنها تعني قانون الاجتماعات العامة رقم 7 لعام 2004. وحين تتحدث عن "الفرمانات" فإنها تعني أوامر منع اجتماعات وأنشطة مختلفة تنظمها أحزاب، نقابات، منظمات مجتمع مدني أو جمعيات خيرية.

وبرغم اختلاف الحكومة والمعارضة في تقييم القانون، فإنهما تشتركان في النظر إليه بوصفه سلاحا استباقيا لحظر أي أنشطة تراها المعارضة قانونية ومشروعة، وتراها الحكومة غير مشروعة.

وبينما تنشط المعارضة في مطالبة الحكومة بالتراجع عن "الخطيئة السياسية" تستمر الحكومة في إصدار فرمانات المنع.

"استناداً للصلاحيات المخولة إلي بموجب قانون الاجتماعات العامة رقم 7 لعام 2004، أعلمكم بعدم الموافقة على إجابة الطلب"، هذه الجملة المقتضبة الصادرة عن محافظ العاصمة، أو الحكام الإداريين في سائر المحافظات كانت الرد الحاسم على مئات الأنشطة التي تقدمت جهات عدة بطلبات لإجرائها.

آخر قرارات المنع قبل أيام كان من نصيب "جمعية العفاف" الخيرية الإسلامية التي كانت تقدمت الأسبوع الماضي بطلب إقامة "حفل إفطار خيري" لقرابة 200 امرأة، ضمن جهود رفد خزائن وتدعيم أنشطة الجمعية. كان من المزمع رصد ريع الإفطار الخيري، بحسب المنظمين، لتمويل مشروع الزواج الجماعي الذي تحضر له الجمعية هذا الصيف.

"هذا ليس النشاط الأول الذي يحظر على الجمعية. منعنا قبل أشهر من عقد مؤتمر بعنوان الأسرة: حصن للقيم والهوية"، مفيد سرحان يستذكر مدير الجمعية التي تأسست عام 1993. وبينما لا يرى مبررا لقرارات المنع، يجادل سرحان: "في الوقت الذي يستفيد فيه الكثير من الدول المجاورة من تجاربنا في الجمعية، يجري التضييق علينا".

ويرى سرحان أن "قانون الاجتماعات العامة لا يحقق العدالة. ومن المفترض أن يكون دور محافظة العاصمة ووزارة الداخلية فقط العلم بالنشاطات وليس اتخاذ قرار المنع."

قانون معرقل للحريات

مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي الذي منع محافظ العاصمة طلبا له بعقد ورشة عمل حول "الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتحرير أسعار المشتقات النفطية" أواسط كانون الثاني الماضي، يرى أن الجميع تضرر من قانون الاجتماعات العامة؛ أكاديميون، حزبيون، نقابيون وسياسيون. "هذا القانون مرفوض وهو معرقل للحريات العامة"، يرى الرنتاوي.

رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن المحامي هاني الدحلة يؤكد أن نصوص قانون الاجتماعات العامة مخالفة للدستور، ويضيف: "نص الدستور على أن لكل إنسان الحق في الاجتماع، والاجتماع أساس العمل الديمقراطي، والتحاور لا يتم إلا بين مجموعات، وإذا أخضعنا هذه المجموعات لقانون إداري نكون قضينا على العملية السياسية في مهدها". بمعادلة رياضية، يقول الدحلة: "إذا قضينا على الاجتماعات الكبيرة قضينا على الاجتماعات الصغيرة".

وهو يرى أن القانون الذي كان سائداً في عهد (قائد الجيش الأردني حتى عام 1956) باغوت كلوب باشا أفضل من هذا القانون. فقانون "كلوب كان يوجب إشعار الحاكم برغبتك في الاجتماع فقط دون منحه حق المنع".

يصف أمين عام حزب البعث العربي التقدمي فؤاد دبور قانون الاجتماعات العامة بأنه "عرفي، وإن كان قد جاء بعد إلغاء الأحكام العرفية" عام 1989. ويستذكر دبور كيف كان قانون عام 1953 "متقدما على القانون الحالي. وكان الإخبار فقط للموضوع الأمني وعليك الإشعار بالفعالية لتأمين الأمن والحماية فقط."

ويرجع دبور توالي قرارات المنع الإدارية إلى أسباب "سياسية بالدرجة الأولى وليست أمنية". وبينما يؤكد عدم جواز خضوع "الحاكم الإداري القائم على تنفيذ القانون للمزاج، يؤكد دبور أن "المعايير والأسس التي تحكم إجازة نشاط وحظر آخر تتبع لقرار سياسي."

إلى ذلك يقر بأن "الأحزاب السياسية دفعت ثمن هذا القانون غالياً، لأنها باتت غير قادرة على نشر أفكارها ورسالتها".

مدير مركز الأردن الجديد هاني حوراني، الذي منعت له عدة أنشطة، يقول: "من غير المقبول أن يكون هناك إجراء استباقي. وهذه "الفرمانات" الصادرة عن الحاكم الإداري لا تطبق على الاجتماعات الاقتصادية والاجتماعات الخاصة بالاقتصاد، وكأن هذا القانون يقول ضمنياً أنتم مصدر التهديد الأمني، ولذلك لا تنطبق عليكم الشروط."

لا تقتصر الانتقادات على المتضررين، إذ توصي لجنة الأجندة الوطنية- التي خطّت عام 2005 مسيرة الأردن السياسية والإصلاحية لعشر سنوات، في محور التنمية السياسية والمشاركة، بضرورة "إعادة النظر في قانون الاجتماعات العامة وإلغاء الموافقة المسبقة على عقد الاجتماعات مع كفالة السلطة التنفيذية بوضع الإجراءات اللازمة للقيام بواجبها في ضمان الأمن والسكينة في المجتمع".

انتقادات محلية وخارجية

المركز الوطني لحقوق الإنسان انتقد في تقريره عام 2006 عدم حدوث أي تعديلات على قانون الاجتماعات العامة، معتبراً أنه يشكل مخالفة للاتفاقيات الدولية التي التزم بها الأردن، كونه يقيد حرية الحق في الاجتماع، وتتوقف عليه ممارسة حقوق سياسية أخرى كالحق في المشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير. كما يطالب المركز "باعتماد قانون جديد للاجتماعات العامة بما ينسجم مع الدستور نصاً وروحاً، ويتسق مع الاتفاقيات الدولية، ويعزز الحقوق السياسية، ويرفع القيود الثقيلة التي تمارسها السلطة التنفيذية على هذا الحق".

الأكاديمي والوزير الأسبق محمد الحموري يرى أن قانون الاجتماعات العامة "يشكل مخالفة دستورية، حين يطلب موافقة الحاكم الإداري على عقد الاجتماعات، ويفرغ الحق من مضمونه. إذ ينحدر الحق ليصبح أمل والآمال ليس لها قيمة في الدساتير".

أما منظمة هيومان رايتس، فقد أبرزت في تقريرها أواخر 2007 انتقادها الصريح لقانون الاجتماعات العامة وأوصت بضرورة تغييره.

وتقول سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "فيما تعد السلطات الأردنية برعاية المجتمع المدني، فإنها بدلاً من ذلك تُصعب الأمور على منظمات المجتمع المدني"، وتتابع قائلة: "تستخدم الحكومة قوانين وممارسات مُقيدة لمنع المواطنين من المشاركة السلمية في الحوار القائم حول السياسات العامة".

وتطالب هيومن رايتس ووتش أيضاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في تقريرها الذي حمل عنوان "إقصاء المنتقدين"، بربط منح جزء من التمويل المقدم للأردن بإحداث تغييرات في هذه القوانين، فيما اتهمت الحكومة الأردنية بأنها تطبق قانون الاجتماعات العامة بشكل انتقائي لمنع الانتقادات الموجهة إليها في التجمعات العامة.

الحكومة ردّت على تقرير المنظمة الدولية بالتذكير "بمبادرات أردنية متواصلة لتعزيز حقوق الإنسان"، كما أكدت عزمها تعديل قانون الاجتماعات العامة، وذكّرت بتعديل المادة 208 من قانون العقوبات بما يجّرم التعذيب والمعاملة السيئة للمحتجزين.

بين تعهدات الحكومة وانتقادات الهيئات المحلية والدولية، يقف القانون الحالي جدارا في وجه أي مجموعة تخطط للتجمهر أو التلاقي احتجاجا أو لجمع التبرعات.

“فرمانات” منع التجمع بسيف قانون الاجتماعات العامة
 
10-Apr-2008
 
العدد 21