العدد 20 - أردني
 

ليندا المعايعة

الموت يأتي على غفلة، لكنه بالنسبة لنفر صدرت بحقهم أحكام بالإعدام، يكمن على بعد خطوة أو ربما دهر، في المنحنى المعتم خلف ممر الزنازين.

اثنان وأربعون محكوماً بالإعدام، بينهم ثلاث نسوة، يعيشون الموت يوماً بعد يوم، منهم ينتظر دوره منذ 30 عاماً. هم رهن لموعد تنفيذ لا يأتي، يمضون صباحات تلي فجراً مكرساً لانتظار المنفذّين مع أول استشعار لحركة في أول الممر أو آخره، وهم يستعيدون خيالات حياة تتسرب من بين جوانبهم. الموت داخل السجن أخرج اثنين من طابور الانتظار. كان الاثنان أدينا في قضايا تجسّس. داهمهم الحتف بسبب كبر العمر قبل أن ينفّذ الحكم، بحسب معلومات المركز الوطني لحقوق الإنسان.

رئيسة وحدة شؤون مراكز الإصلاح والتأهيل في المركز الوطني لحقوق الإنسان المحامية نسرين زريقات تؤكد اهتمام المركز «بأوضاع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل عملاً بأحكام المادة 10 من قانون المركز رقم 51 لسنة 2006 لافتة الى أن جزءاً من الزيارات تخصص للحوار مع المحكومات بالإعدام».

خلال عام 2007، صدر 15 حكماً بالإعدام شنقاً في قضايا قتل عمد واغتصاب مصحوباً بالقتل، دون أن ينفذ خلاله أي قرار ونفذ حكمان عام 2006 بحق أردني وليبي أدينا باغتيال دبلوماسي أميركي في خريف عام 2002.

"التباطؤ في التنفيذ يجيء استجابة لتوجيهات الملك عبد الله الثاني للحكومة، فلربما ظهرت أي أدلة جديدة في القضايا التي أدينوا بها"، يشرح رئيس المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور مؤمن الحديدي. وينفي وجود أي ضغوط لمنظمات حقوقية أو إنسانية على الأردن في هذا الشأن، وكل ما في الأمر عدم وجود داع للاستعجال بالتنفيذ".

تنص المادة 31 من الدستور على أن حكم الإعدام "لا ينفذ إلا بعد تصديق الملك وكل حكم من هذا القبيل يعرضه عليه مجلس الوزراء مشفوعاً ببيان رأيه فيه، وللملك أن يخفف الأحكام، وأن يتجاوز عنها بعفو خاص ويعلن العفو العام بموافقة المجلس" .

يجادل الحديدي بأن "بعض المحكومين بالإعدام في الولايات المتحدة الأميركية ينتظرون أحياناً 25 سنة ليتم تنفيذ الحكم بهم، والأردن نفذ 50 قرار حكم بالإعدام شنقاً حتى الموت منذ العام 2000 وحتى العام 2006".

وفيما تنقسم الآراء بشأن إبقاء عقوبة الإعدام أو إلغائها، يؤيد الحديدي "إبقاءها في قضايا القتل العمد، لأن الحياة لا يمكن أن تستقيم بدون عقوبات ورادع"، مع إقراره "بأن انتظار حكم الإعدام عقوبة قاسية بحد ذاته".

ورغم قسوة أساليب تنفيذ الإعدام التي تعتبر جميعها قاسية، إلا أن الأردن يستخدم أسلوب الشنق حتى الموت بحبل، بشكل غير علني، مع أنه شهد قبل عقود عمليات شنق علنية في ساحة المسجد الحسيني لمدانين في قضايا أمن دولة واغتيالات.

قضية بلال موسى المشهورة باسم قضية "بلال وسوزان" الذي نفذ به حكم الإعدام لارتكابه جرائم قتل راح ضحيتها 12 شخصاً، بينهم طفل، أثارت شكوكاً حول إحدى التهم ، بعد اعتراف متهم آخر بارتكابها. من بين المحكومين بالإعدام العراقية ساجدة الريشاوي، إحدى أدوات إرهاب تنظيم القاعدة، كانت عضواً في فريق مكون من أربعة انتحاريين عراقيين نجح ثلاثة منهم أواخر العام 2005 في تفجير فنادق «حياة عمان، والراديسون ساس، والديز- إن»، فيما فشلت الريشاوي بالضغط على صاعق حزامها الناسف. وهي تنتظر التنفيذ منذ العام 2007، بعد أن صادقت محكمة التمييز على قرار محكمة أمن الدولة القاضي بإعدامها.

الريشاوي كانت أول امرأة تحاكم أمام محكمة امن الدولة بتهمة الإرهاب.

..في زنزانتها الصغيرة بمركز إصلاح وتأهيل جويدة، تمضي الريشاوي، أوقاتها بانتظار لحظة قطع "الميل الأخضر" بحسب الفيلم الشهير.

"وضع الريشاوي النفسي والجسدي جيدان، لا تشتكي من أي عارض"، بحسب وصف المحامية نسرين زريقات التي التقت بها الشهر الفائت. "لم تسألني عن موعد تنفيذ حكم الإعدام بها، ولم تكن لديها أي شكوى تزودنا بها".

وينتظر الى جانب الريشاوي عدد آخر من المحكومين في قضايا إرهابية منهم : الأردني نبيل الجاعورة الذي قتل سائحاً بريطانياً ضمن مجموعة سياح أطلق النار باتجاههم في الساحة الهاشمية. وأيضاً السعودي فهد نومان الفهيقي الذي فشل في تفجير سيارته المفخخة في نقطة حدود «الكرامة» بين الأردن والعراق، والسوري محمد حسن السحلي 54 عاماً المحكوم عليه بالإعدام شنقا على خلفية اعتداءات العقبة في آب/أغسطس 2005 عدد من المحكومين بالاعدام ينتظرون منذ ثلاثة عقود، بعضهم متهم بقضايا تجسس لمصلحة إسرائيل.

رئيس وحدة الشكاوى والخدمات القانونية، في المركز الوطني لحقوق الانسان، المحامي علي الدباس، يرى أن عقوبة الإعدام "يجب أن تقتصر على أكثر الجنايات جسامة أو أشدها خطورة، وضمن ضوابط تشريعية وإدارية وقضائية تكفل الحد منها وتطبيقها بصورة سليمة» .

لكنه، أي الدباس، يقر بأن العقوبة "تتنافى مع إنسانية الإنسان وتختلف مع مبدأ الحق في الحياة الذي هو منحة إلهية لا يجوز للبشر الاعتداء عليها" .

ميز قانون مراكز الإصلاح والتأهيل بين الأشخاص المحكومين بعقوبة الإعدام عن المحكومين بالأشغال الشاقة والحبس، من حيث المعاملة، وأجاز القانون لإدارة المركز وضعهم بغرف انفرادية ، " المشكلة بتقديري لا تتعلق بالنصوص لكنها تتعلق بوجود محكومين بالإعدام صدرت بحقهم أحكام منذ فترات طويلة، بعضها منذ عقد السبعينات من القرن الماضي، وأمضوا أكثر من 30 عاماً رهن التنفيذ، ومع ذلك لم ينفذ الحكم بحقهم، الأمر الذي يخلق لهم مشاكل نفسية و صحية ، فضلاً عن تقدمهم في العمر وتراجع مستواهم الصحي" .يجمل الدباس الصورة.

42 محكوماً بالإعدام من بينهم ثلاث نسوة: الموت مرتين بانتظار حبل المشنقة
 
03-Apr-2008
 
العدد 20