العدد 20 - أردني
 

على وقع روائح وغازات الشركات والمصانع المنتشرة حول خاصرة محافظة الزرقاء، يرزح أكثر من 900 ألف مواطن في بقعة بيئية تعد الاسخن في البلاد. الا أن وزارة البيئة تؤكد أن المشكلة في طريقها الى الحل.

المدينة التي استقطبت أبناء الفلاحين ورجالات البدو والجيش من مختلف مناطق الاردن وفلسطين مطلع القرن الماضي، تحولت إلى «طاردة للسكان» حسب المسوح الميدانية لدائرة الإحصاءات العامة 2005، إذ انخفض عدد قاطني المحافظة إلى نحو 900 إلف نسمة هبوطا عن أكثر من مليون نسمة عام 1996.

«أمراض الجهاز التنفسي، والقصبات الهوائية، وتحسس العيون»، ابرز الإمراض التي يعانيها أبناء الزرقاء، بحسب سجلات وزارة الصحة، فيما تشير أرقام غرفة صناعة الزرقاء إلى انتشار أكثر من 400 مصنع في المحافظة والمناطق المجاورة لها بالإضافة إلى محطة تنقية الخربة السمراء ومكب نفايات الرصيفة ومصفاة البترول الأردنية ومحطة الحسين الحرارية ومناجم الفوسفات.

المهندس عبد الكريم عقيل الذي امضى (20) عاما في العمل البيئي يصف مدينة الزرقاء « بالمنطقة «الساخنة بيئيا» حيث تساهم مصفاة البترول ومحطة الحسين الحرارية في بث الغازات السامة في أجواء المدينة يومياً».

مصفاة البترول التي أُنشئت عام 1956 وباشرت إنتاجها عام 1960 ، تحرق (200)ألف طن من الوقود الثقيل سنويا، وتطرح (33) ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكبريت يومياً ، إضافة الى أكاسيد النيتروجين والكربون والهيدروكربونات المتطايرة، فضلا عن المياه العادمة الناتجة عن تحلية المياه المستخدمة في إنتاج مشتقات البترول.

تشرح دراسات بيئية لجهات غير حكومية ان «محطة الحسين الحرارية التي أنشئت عام 1974 وتعتمد على زيت الوقود الثقيل والمياه كمواد أساسية في توليد الطاقة الكهربائية تزود المملكة بحوالي(95بالمائة)من الطاقة الكهربائية، وتحرق(600) ألف طن من الوقود الثقيل سنويا يحتوي على ما نسبته(53بالمائة)من الكبريت، وينتج عنه طرح (96)طنا من غاز ثاني أكسيد الكبريت يوميا في الهواء المحيط بالمنشأة، فضلا عن كميات من أكاسيد النيتروجين والكربون.

وتشير إحصائيات رسمية أن معظم مراجعي المركز الصحي الأولي في الهاشمية يعانون من مشاكل في القصبات الهوائية أو تحسس في الجلد أو في العيون.

تجمل دراسة للجمعية العلمية الملكية استغرقت عاما وأنجزت عام 1995 ان «المنطقة ملوثة بمعدلات مرتفعة من غازي ثاني اكسيد الكبريت وكبريتيد الهيدروجين اللذين يتجاوز وجودهما المواصفات الصحية الدولية في بيئة مصفاة البترول ومحطة الحسين الحرارية ومحطة تنقية الخربة السمراء».

"محطة الخربة السمرا" تعتبر واحدة من أكبر (4)محطات في العالم تعمل بطريقة التنقية الطبيعية من خلال الأحواض المائية حيث تبلغ مساحة الأحواض المخصصة للتنقية الطبيعية بحدود (2000)دونم وبأعماق متفاوتة.

تمكنت وزارة المياه من خلال تحويل عمل المحطة من طبيعية الى ميكانيكية، من تطوير عمل المحطة لتقوم بمعالجة المياه وفقا للمواصفات الاردنية، لتكون مطابقة 100 بالمائة لتلك المواصفة ، مما ساهم في التخفيف من نسب التلوث السابقة.

خبير التربة الدكتور سيد الحضاري يستذكر أن «عدم قدرة المحطة في السابق على التعامل مع كميات المياه العادمة القادمة لها من مناطق عمان والزرقاء والتي تفوق قدرتها الاستيعابية اثر على نوعية المياه»، أما الان، وبعد التحديث الذي طال المحطة يعتقد الحضاري «ان جودة المياه في حال كانت مطابقة للمواصفة الاردنية ستكون جيدة جدا».

«ليست لدينا عصا سحرية، والحلول البيئية تحتاج الى وقت طويل، لكننا بدأنا بالحل. يلخص وزير البيئة خالد الايراني، الجهود المبذولة لحل مشاكل الزرقاء التي اعلنتها الحكومة قبل ثلاث سنوات بؤرة بيئية ساخنة».

من وجهة نظر حكومية يبدو الملف البيئي في الزرقاء «ثقيل جدا»، فهناك 52 بالمئة من مصانع الاردن الثقيلة والمتوسطة والصغيرة، واكبر محطة تنقية، و3 محطات لرفع المياه العادمة الى سيل الزرقاء.

يقول الوزير: «وضعنا خطة طويلة المدى المواجهة الثلوث البيئي في المحافظة بكلفة تتراوح بين 250-300 مليون دينار». ويؤكد أن 20 بالمئة من حل المشكلة يكمن في توسعة محطة تنقية الخربة السمراء «.

الايراني يرى ان «مأسسة عملية إعادة التاهيل مهمة، لكي لا تكون عرضة لتغير السياسات والاكتفاء بالفزعات»، ولهذا السبب، يضيف الايراني، انشانا في الوزارة وحدة اسمها «اعادة تأهيل سيل الزرقاء» هدفها ادامة وضع المشكلة على اعلى سلم الاولويات وضمان استمرار الزخم في التعامل معها».

ويرى أن لإعادة التأهيل فائدة اقتصادية واجتماعية «فهذه المناطق الخلابة التي تحيط بسيل الزرقاء سيعاد اكتشافها في حال وجود مياه نظيفة، ويمكن أن تنشأ فيها مراكز سياحية ومنتجعات جاذبة للاستثمارات توفر فرص عمل لأبناء المنطقة». يوضح الايراني أن «توسعة مصفاة البترول والزامها وفق قرار لمجلس الوزراء، بتركيب وحدة لاستخلاص الكبريت التي طرح عطائها قبل نحو شهرين، جزء هام من خطة اعادة تأهيل المحافظة».

وفيما يتعلق بمحطة الحسين الحرارية يلفت الى أن «انبعاث الغازات منها سيخف كثيرا حال استبدال الوقود الثقيل المستخدم في توليد الطاقة الكهربائية بالغاز الطبيعي. في حين ان الجهد ينصب حاليا على تحويل منطقة الفوسفات في الرصيفة من مشكلة الى فرصة، عبر تحويل المنطقة المقدرة مساحتها باربعة الاف دونم الى حدائق ومتنزهات».

ويوضح الايراني أن» شركة الفوسفات ابدت استعدادها لنقل الركام من المنطقة في غضون 3 - 5 سنوات».

الزرقاء نصف قرن من التلوث
 
03-Apr-2008
 
العدد 20