العدد 20 - أردني
 

باتر وردم

بالرغم من تحقيق نجاحات نسبية في العديد من المجالات البيئية، لم يستطع الأردن حتى الآن تطوير نظام فعال ومتكامل لإعادة تدوير المخلفات، بطريقة تضمن الإستدامة الاقتصادية والتأثير الحقيقي من خلال تقليل كمية ونسبة المخلفات.

تشكل عملية إعادة التدوير جزءا من نظام متكامل لإدارة المخلفات يتضمن خفض حجم المخلفات وإعادة استخدامها في المكان نفسه أو إعادة تدويرها إلى منتج آخر ومن ثم إسترجاعها في دائرة الإنتاج الاقتصادي.

نقطة الضعف في إدارة المخلفات في الأردن هي في مرحلة الفرز عند المصدر للمخلفات ومن ثم إعادة التدوير، لأن هذه العملية تحتاج إلى جهد بشري وإلى تقنيات حديثة توفر الفرصة لتقسيم المخلفات وتحديد النسبة القابلة لإعادة التدوير منها.

تشكّل الموادّ العضويّة نحو 60% من المخلفات الصلبة في الأردن، ويعتبر الطمر الطريقة المفضّلة للتخلّص من النفايات في الأردن مقارنة بالبلدان الأكثر تقدّماً. تجمع البلديّات ومجالس الخدمات المشتركة 1,670 ألف طن من النفايات الصلبة في السنة وتنقلها إلى المكبات في كل أنحاء الأردن. بشكل عام لا يتمّ تبطين المكبات في الأردن ولا تجميع العصارة المترشّحة واستخدام أمثل للغاز الحيويّ ما يؤثّر على الصحّة والبيئة، باستثناء موقع الغباوي حيث تستخدم هذه التقنيّات. ويوجد حاليّاً 21 مكبا في الأردن حيث يتمّ التخلّص من النفايات الصلبة وغيرها من النفايات الخطرة.

من الناحية الاقتصادية، تقدّر التكلفة الإجمالية لإدارة النفايات في أمانة عمّان الكبرى بنحو 12 مليون دينار، فيما تبلغ الخسائر الإجماليّة 7 ملايين دينار سنوياً. بينما تحقّق أمانة عمّان الكبرى عوائد احتياطيّة من أنشطة إعادة معالجة الكرتون والورق الأبيض ومنتجات البلاستيك والحديد والألمنيوم ـ رغم أنّها محدودة جدّاً، وتعتبر مشاركة القطاع الخاصّ في إدارة النفايات الصلبة متواضعة نسبيّاّ في الأردن.

وتطالب الأجندة الوطنية في مجال إعادة التدوير وإدارة المخلفات الصلبة بوضع وتطبيق برامج للفرز الفعّال لأنواع النفايات الصلبة المختلفة في مرحلة الإنتاج لتسهيل معالجتها واستخدامها وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع عملية إعادة التدوير. أما المؤشرات الرقمية التي وضعتها الأجندة الوطنية والتي تمثل حاليا برنامج عمل الحكومة فهي ضرورة رفع فاعلية تدوير النفايات الصلبة التي يصل حجمها في الأردن إلى 1,5 مليون طن سنويا، بحيث تصل الى 15 في المائة عام 2012، والى 25 في المائة بحلول عام 2015

وزارة البيئة وضعت بعض البرامج والمشاريع المستندة إلى الأجندة الوطنية في مجال فرز النفايات حيث سيتم انشاء وحدة لاعادة الفرز في مكبي الغباوي والأكيدر، وتوزيع حاويات خاصة على مناطق محددة لجمع النفايات التي يمكن تدويرها وتخصيص مركبات لجمع تلك النفايات.

أهم مبادرات إعادة التدوير في الأردن حدثت من قبل المجتمع المدني، وبعد ذلك بدأ القطاع الخاص بالمغامرة في سوق إعادة التدوير ولكن بشكل خجول. أول مشروع لإعادة التدوير بدأ تنفيذه من قبل جمعية البيئة الأردنية عام 1994، وما زالت الجمعية حتى الآن هي المنظمة الأهلية الأكثر نشاطا في هذا المجال. وقد تم خلال المشروع جمع الورق المستخدم من المؤسسات الحكومية والمدارس والهيئات الدبلوماسية وإرساله إلى مصنع الورق والكرتون الذي يعمل على إعادة تدويره وبيعه في الأسواق المحلية والعربية المجاورة. وبحسب الإحصاءات المتوفرة لدى الجمعية فإن نحو 300 أسرة تعتمد في دخلها على جمع الورق المستعمل. وبالرغم من عدم وجود أرقام حقيقية تعكس واقع الفرز والتدوير للنفايات، فإن تقديرات أوليه تبين أنه يتم جمع ما بين 35-40% من نفايات البلاستيك، 15% من نفايات الكرتون، وحوالي 10% من مخلفات المعادن كالحديد والألمنيوم. كما يتم جمع حوالي 20% من المخلفات الزجاجية، وهناك الكثير من مخلفات المسالخ التي تدخل في صناعة الاعلاف أو يتم استخدامها بشكل مباشر في زيادة خصوبة التربة، وهناك بعض المواد التي يعاد استخدامها مباشرة مثل عبوات المشروبات الغازيه الزجاجية.

وفي العام 2004 بدأت جمعية أصدقاء البيئة ومع العديد من المؤسسات العامة والأكاديمية والسياحية في جمع المخلفات الصلبة وإعادة تدويرها ضمن مجموعة من الاتفاقيات الثنائية. وتركز جمعية أصدقاء البيئة في عملها على جمع وفرز وتدوير المخلفات الورقية إذ تشير لمى طلال منسقة مشروع إعادة التدوير في الجمعية إلى أن أفضل نظام متوفر حاليا لإعادة تدوير المخلفات هو المتعلق بالمخلفات الورقية، حيث يتم جمع الورق من قبل شركة متخصصة تقوم بتسليم الكميات التي يتم جمعها إلى مصنع الورق والكرتون مقابل عائد مالي معين. وتقول لمى إن أكبر المعوقات تجاه هذا العمل هو عدم وجود حوافز للناس ليبذلوا جهدا في فرز المخلفات الورقية على مستوى المنزل أو المدرسة، ولو كان هناك نظام اقتصادي يقدم للمساهمين عائدا ماليا مقابل مشاركتهم في الفرز لوفر ذلك كميات أكبر من الورق، ما يجعل العملية ذات جدوى اقتصادية أكبر.

ويؤكد المهندس أحمد الكوفحي المدير التنفيذي لجمعية البيئة الأردنية أنه لا يوجد في الأردن نظام متكامل لإعادة التدوير، بل محاولات مختلفة من منظمات مدنية، وكذلك من القطاع الخاص. وكانت هذه المحاولات على مستوى جغرافي ضيق بسبب عدم وجود إمكانيات مادية وخاصة توفر حاويات الفرز والجمع والمعدات والسيارات. وقال الكوفحي إن الجمعية تعمل منذ العام 1994 على تنفيذ برنامج توعية متكامل حول إعادة التدوير مع بعض المبادرات التطبيقية الريادية، وبرنامج فرز من المصدر في بعض المواقع السكنية، خاصة في حال وجود دعم باستخدام المعدات والكابسات من أمانة عمان، وهو دعم لا يستمر دائما بسبب وجود طلب عال على هذه المعدات للعمل في مناطق أخرى من العاصمة، ما يجعلها غير متفرغة لجهود إعادة التدوير. لكن الكوفحي أشار إلى أن المشروع الريادي الذي تم تنفيذه كان ناجحا وحاز على جوائز دولية مثل جائزة بلدية دبي وفورد وتقدير من الديوان الملكي، ولكنه يؤكد أن المطلوب هو برنامج شامل على مستوى مدينة عمان على الأقل، وهذا ما يتم العمل على تنفيذه حاليا من خلال لجنة وطنية مشتركة تضم وزارة البيئة وأمانة عمان وجمعية البيئة، لاستثمار موارد مالية تم تخصيصها من قبل الحكومة لتنفيذ برامج الأجندة الوطنية لتطوير وتنفيذ نظام متكامل لفزر وإعادة التدوير النفايات في عمان.

وبالنسبة لدور القطاع الخاص أشار الكوفحي إلى أن المستثمرين يعانون من تضارب في المعلومات والسياسات المتعلقة بحوافز وتشجيع وتنظيم قطاع إدارة المخلفات وإعادة التدوير لأن هذا القطاع واعد، حيث أكد الكوفحي أن هناك شركات لإعادة تدوير البلاستيك تنافس بقوة في السوق الإقليمي، كما أن الجدوى الاقتصادية لإنشاء شركات ومصانع لإنتاج الورق الأبيض المعاد تدويره في الأردن كبيرة جدا في حال كانت هناك حوافز ضريبية ونظام فعال لجمع وفرز الورق.

ومن أهم مبادرات إعادة التدوير التي ظهرت في الأردن مؤخرا من قبل القطاع الخاص قيام الشركة الدولية للبطاريات السائلة (هوبيكة) بافتتاح مصنع لإعادة تدوير البطاريات التالفة برأس مال يقدر بحوالي 1.5 مليون دينار ويتم جمع البطاريات التالفة وتوريدها للمصنع حيث تخزن لحين الاستخدام ومن ثم إفراغ الأسيد منها تمهيدا للمعالجة، وبعدها يفصل الرصاص عن البلاستيك ويتم صهر الرصاص ومعالجته وتنقيته ليطابق المواصفات العالمية. أما البلاستيك فيتم تحويله لحبيبات صغيرة مغسولة يتم استخدامها في صناعات غير متعلقة بالاستخدام البشري.

وقد افتتحت في العام 2006 أربعة مصانع لتدوير النفايات في المنطقة الحرة في الزرقاء برأسمال «اردني تركي لبناني كويتي سعودي» يقدر بـنحو 6 ملايين دينار. وتتخصص المصانع الأربعة في إعادة تدوير الإطارات المستهلكة والحديد «الخردة» والبلاستيك المستهلك والزيوت الصناعية. وتعيد تلك المصانع تدوير نحو 120 طنا من النفايات الصلبة والسائلة يوميا.

وفي مجال دعم الإستهلاك المناسب بدأ متجر كارفور في الأردن بتجربة ريادية في إنتاج أكياس ورقية تباع للمستهلك مرة واحدة بقيمة 60 قرشا، ويمكن استبدالها بعد ذلك عدة مرات في حال تعرض للتمزق أو التلف، ويتم تقديمه للمتسوق عند صندوق الدفع إذا رغب بذلك. وبحسب المنشورات الدعائية الصادرة عن المتجر فإن استعمال الكيس أربع مرات يخفض نسبة استخدام وحرق البلاستيك بنسبة 18% وكذلك انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 20%، وتتزايد نسبة التقليل إلى 82% من استخدام البلاستيك وإلى حوالي 80% من إنبعاثات غازات الدفيئة.

لماذا لم ينجح الأردن في إنشاء نظام متكامل لإعادة التدوير؟
 
03-Apr-2008
 
العدد 20