العدد 20 - كتاب
 

لا نأتي بجديد عندما نشير إلى حقيقة كون الاستثمار وزيادته يحتل مركزاً رئيساً في النشاط الاقتصادي، والى انه ركن ضروري للتطوير والنمو وتعظيم التشكيل والتكوين الرأسمالي، وإذا كان للاستثمار أهميته الواضحة في الاقتصاديات المتطورة، فهو أكثر أهمية وأكثر إلحاحاً في الاقتصاديات التي تسير وتتشكل في بداية طريق نموها وتطورها، أو ما أصطلح على تسميتها بالنامية.

الاستثمار الجديد ممكن إذا زاد الإنتاج عن الاستهلاك لخلق مدخرات ايجابية توجه إلى استثمارات في مشاريع جديدة أو في توسيع وتطوير مشاريع قائمة على أساس معادلة كون الإنتاج يساوي الاستهلاك مضافا إليه الادخار الذي يتناقص كون الاستهلاك أقل من الإنتاج.

هذا وذاك ليس موضع خلاف بين الاقتصاديين وحتى بين غيرهم، والأساس أن يتم توفير تمويل الاستثمار من المصادر المحلية، فيما يمكن اللجوء إلى التمويل الخارجي وبأفضل الشروط عندما يواجه البلد «فجوة تمويلية» لاستثمارات جديدة لا يتوفر لها التمويل المحلي. لتعظيم الفائدة وزيادة التكوين الرأسمالي والنمو المستدام يفترض أن يتم تخصيص وتوجيه المدخرات الوطنية والخارجية لتمويل وإقامة المشاريع تنموية إنتاجية متكاملة ومترابطة وقادرة على توليد ثروات ومدخرات إضافية تساهم في استمرار وتوسيع دوران عجلة الإنتاج وإشباع الحاجة إلى استهلاك السلع واستخدام الخدمات وتوفير وخلق مدخرات جديدة وأن يرافق ذلك مشاريع خدمية لا بد منها للاستثمار الإنتاجي ولكن دون إمعان في الاستثمار الخدمي باعتباره أسهل وأكثر قدرة على تحقيق ربحية أكبر وأسرع.

حتى لا يحدث فائض في بعض أشكال الاستثمار والمنتجات، ونقص في استثمارات ومنتجات أخرى، لا بد أن يكون النهج الاستثماري مرتكزاً دائماً على دراسات وخطط آنية ومستقبلية تضمن النمو المتوازن بين مختلف فروع الإنتاج السلعي وفروع القطاع الخاص وبين واقع ونمو القطاعات الإنتاجية والقطاعات الخدمية وتلك المساندة لها، في نطاق التعاون والتكامل بين جهود وتوجهات مؤسسات القطاع العام والخاص التنموية لتجنب أزمات فوضى الإنتاج والاختلالات في هيكلية الاقتصاد والتداعيات السلبية الناجمة عنها.

الاستثمار والتنمية لا يتحققان بالتمنيات أو بمجرد تكرار رفع شعارات «تحفيز الاستثمار والمستثمرين»، وخلق «البيئة الحاضنة للاستثمار» وإيجاد المناخ الملائم له، واستمرار المطالبة بمنحه إعفاءات ضريبية وجمركية واسعة، كما أن التنمية المتكاملة المستدامة لا تعني الترحيب بأي استثمار.

بدلاً من الإفراط في منح الإعفاءات الجمركية والضريبية، فإن تحفيز الاستثمار والمستثمر، وتوفير المناخ الملائم والحاضن لهما يمكن أن يتم بسلسلة من التسهيلات الإجرائية التي تتضمن سن تشريعات وأنظمة متقدمة ومحفزة للنشاط الاقتصادي، تطوير خدمات البيئة التحتية واللوجستية، حرية إدخال الأموال الاستثمارية وخروجها، تطوير كفاءات وقدرات الكوادر الإدارية ذات الصلة بالعملية الاستثمارية، تأهيل وتدريب العمالة المؤهلة وسلامة توزيعها على فروع النشاط الاقتصادي المختلفة، وشفافية وصدقية البيانات بحيث تظهر مؤشرات ما تم تنفيذه فعلاً من مراحل الاستثمارات الجديدة .

أهمية الحصول على الموافقات الإدارية لإقامة المشاريع الاستثمارية الجديدة، أو توسيعها بدون مماطلة لا يعني أن يكون التسهيل والتسريع مظلة تتخذ لتبرير سلق الموافقات والمتابعات وتجاوز شروط وتحفظات وممانعات بيئية أو صحية أو اجتماعية وقائية.

أحمد النمري: الاستثمار المطلوب
 
03-Apr-2008
 
العدد 20