العدد 20 - اعلامي
 

السّجل - خاص

رغم التحديات البيئية التي يواجهها الأردن، وبإقرار مسؤولين عن وجود بؤر «بيئية ساخنة» في مختلف مناطق المملكة، فإن الأداء الإعلامي في مجال البيئة ما يزال معتمدا على أسلوب «الفزعات» البعيدة عن الاستراتيجيات الممنهجة.

خبراء بيئة وإعلاميون يعتقدون أن المؤسسات الإعلامية، ما تزال تفتقر إلى إعلام بيئي متخصص، ويرجعون ذلك إلى عدم اعتبار البيئة أولوية لدى صاحب القرار الإعلامي، إضافة إلى أن من يغطّي قضايا البيئة في وسائل الإعلام يعتبر وضعه الوظيفي المعنوي متدنياً بالمقارنة مع أقرانه ممن يغطون السياسة والاقتصاد.

يقيّم بيئيون أداء الإعلام البيئي بـ«الضعيف»، دون أن ينفون بروز جهود فردية لإعلاميين يسعون للتخصص في قضايا البيئة، مدفوعين بهاجس خلق وعي بيئي لدى المواطن ينتهي برسم توجهات وأنماط سلوك جديدة تساهم في التقليل من الهدر البيئي- الناجم عن استنزاف موارد وتلوث- والمقدر ب 200 مليون دينار سنوياً، أي 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب دراسة للبنك الدولي. تكشف الدراسة أيضا أن قيمة الهدر البيئي المرتبطة بمعالجة الأمراض والأعراض الناتجة عن تلوث الهواء هي 45 مليون دينار سنوياً.

اختصاصي سياسات التأييد في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة خالد المصري، يؤكد "عدم وجود إعلام بيئي متخصص حتى الآن»، لكنّه يرى أن «هذا لا ينفي وجود اهتمام متفاوت لدى الصحافيين بالقضايا البيئية.

ويذّكر المصري بحملات أطلقتها منظمات مجتمع مدني معنية بالبيئة، وكان للإعلام مساهمة كبيرة باتجاه الانتصار للعديد من القضايا البيئية. مثال ذلك «الحشد الإعلامي ضد استخراج النحاس من محمية ضانا، إضافة إلى رفض إقرار قانون الزراعة بتعديلات كان يرى البيئيون أنها ستضر بالأراضي الحرجية في بلد يعتبر من الدول الفقيرة بموارده الحرجية قياساً بالنسب العالمية التي تتراوح بين 15 - 25بالمئة، مقابل 1 بالمئة فقط من مساحة الأردن البالغة نحو 89 ألف كيلومتر مربع».

ويلفت المصري إلى أن وجود إعلام بيئي متخصص يفيد في تسليط الضوء على قضايا بيئية محددة، ويساهم في خلق وعي وطني بالهم البيئي، وبالمحصلة النهائية التقليل من الهدر البيئي.

من جانبه، يدعو مسؤول الإعلام في الجمعية العربية لحماية الطبيعة زياد المغربي إلى الابتعاد عن ردّات الفعل في التعامل مع القضايا البيئية على أن يشغل الهم البيئي وسائل الإعلام كافة لانعكاسه على مجمل مناحي الحياة.

ويشير المغربي إلى أن «الإعلام يلعب دوراً جوهرياً في تسليط الضوء على قضية بيئية بعينها خاصة إذا كانت تقابل بلا مبالاة وعدم جدية في حلها من قبل الجهات الرسمية، ومثال على ذلك قضية التلوث البيئي الناجم عن مصانع الإسمنت في الفحيص والرشادية».

ويعتقد المغربي أن «المنظمات التي تعنى بالبيئة، كغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، بحاجة ماسة الى الدعم الإعلامي، انطلاقاً من أن تحقيق أي من منجزاتها سيبقى بلا أهمية إذا لم يتم الإعلان عنه».

تلك المنظمات تحتاج إلى الإعلام «كوسيلة للتوعية وتسليط الضوء على السلوكيات السلبية أو تعزيز الإيجابية، وهو ما يسمى في عرف المنظمات غير الحكومية بحشد التأييد وجماعات الضغط. فالإعلام يلعب دوراً شبه رئيسي في عملية الضغط على صانعي القرار، ويساهم في تعزيز التوعية البيئية»، حسبما يشرح.

كذلك تحتاج المنظمات البيئية إلى الإعلام، بحسب المغربي، «لجذب انتباه الممولين والجهات الداعمة، إذ تراقب الأمم المتحدة ما يكتب في الإعلام يومياً عن عمل المنظمات غير الحكومية، الأمر الذي يساهم في إعطاء مصداقية أكثر لعمل هذه الجمعيات».

ويرى المستشار الإعلامي في وزارة البيئة عيسى الشبول أن «الصحافي هو إكسير العمل البيئي». وإن كان من سبق الشبول يقولون بعدم وجود إعلام بيئي متخصص فهو يؤكد أن هناك إعلاميين متخصصين بالشأن البيئي.

«عدم وجود إعلام بيئي بالمستوى المطلوب»، يرجعه الشبول مع ذلك إلى «ضعف اهتمام المسؤول وصاحب القرار الإعلامي في المؤسسات الإعلامية بالبيئة، وعدم اعتبارها أولوية إعلامية استنادا إلى قناعات شخصية أو آراء تسويقية».

ويقول إن العمل البيئي جهد تشاركي يبدأ بالمنزل وينتهي بوزارة البيئة مرورا بالمنشآت الصناعية، مؤكداً أن «الدور الأكبر يقع على الإعلام في خلق توعية بالشأن البيئي وإحداث تغيير بأنماط الحياة والعادات المؤذية بيئياً، إضافة إلى خلق نوع من التعامل بإحساس من المسؤولية الفردية والجماعية تجاه البيئة وتطبيق مبادئ التنمية المستدامة».

ولا يلقي المصري بمسؤولية ضعف أداء الإعلام البيئي على المؤسسات الإعلامية فقط أو الصحافيين ذاتهم، وإنما يلقي بجزء منها على المنظمات والجمعيات البيئية التي تقصر في وضعها لبرامج تؤسس لأداء إعلامي بيئي فعال.

ويؤشر صحافيون إلى مجموعة نقاط تحول دون وجود إعلام بيئي متخصص، أبرزها ضعف الإعداد التقني والعلمي للإعلاميين البيئيين، وعدم وجود دورات تدريبية فعلية، إضافة إلى عدم بناء قاعدة رئيسية للإعلاميين البيئيين لا سيما مع عدم وجود حالة ثبات في الإعلاميين المكلفين بتغطية الشأن البيئي.

ومن التحديات التي تواجه المنظمات البيئية مع الإعلام يقول المغربي إن هناك صحافيين ممن يغطون شؤون البيئة في الصحف المحلية هم من غير المهتمين بالبيئة أصلاً، بل ويعتبرونها مجرد وظيفة يقومون بأدائها. ولكن بحسبه، هذا لا يلغي وجود صحفيين يلعبون درواً مهماً في مساعدة الجمعيات البيئية في عملها باتجاه المحافظة على البيئة.

من بين مشاكل الإعلام البيئي، بحسب المغربي، «صعوبة وجود إعلاميين متخصصين وملمين بقضايا البيئة وأطرها العلمية. ويقابله نقص في البيئيين من أصحاب المهارات الاتصالية والإعلامية».

ويعتقد المغربي أن الصحافي يجب أن يكون مهتماً ومثقفاً بيئياً حتى يتمكن من كتابة أخباره ومقالاته، ولا يبقى مجرد متلقٍ للمعلومة بل يقوم بصناعتها إذا جاز التعبير.

ويشير في هذا الإطار إلى أن المسؤولية هنا لا تقع على عاتق الصحافي فقط بل يجب أن تلعب الجمعيات دوراً في التثقيف البيئي للإعلاميين.

وأمام هذه التحديات يقع على المؤسسات الإعلامية والمنظمات المعنية بالشأن البيئي مسؤولية التأسيس لإعلام بيئي متخصص قادر على خلق وعي بيئي محفز للحفاظ على مكنونات البيئة والتنوع الحيوي في بلد وقع على العديد من الاتفاقيات الدولية المتصلة بحماية البيئة.

الإعلام البيئي.. صحافة غير معنية وخبراء يفتقرون لمهارات الاتصال
 
03-Apr-2008
 
العدد 20