العدد 20 - ثقافي
 

علي بدر

صدور طبعة جديدة من أعمال آسيا جبار عن دار غاليمار الفرنسية، هو حدث العام بلا منازع. ولدت آسيا جبار الاسم المستعار لـ(فاطمة زهرة) في الجزائر في العام 1936، وقد صنعت من كتاباتها ميداناً واسعاً للكشف عن تاريخ المجتمع الجزائري ودور المرأة فيه، واتصفت كتاباتها بالقوة السجالية التي دافعت من خلالها عن وجود المرأة، وكيانها، وحقها بالكلام، واتصفت بالحساسية الفكرية العالية لانشباكها بتيارات فكرية عالمية حيوية وخصبة، وشيدت معمار نصوصها في نقطة تقع تقابلياً مع الصمت الخانق الذي عاشته المرأة في مرحلتي الاستعمار والاستقلال، فالكتابة نسبة لها هي الفسحة الدفاعية عن الحق بالوجود والمصير، وهي إطلاق سراح الحقيقة المعتقلة في أفواه النساء (على حد تعبير جان ديجو)، وهكذا وفي غمرة الصراع السياسي أطلقت آسيا جبار مفهوم التمرد الناعم، أو التمرد الأنثوي عبر الكتابة، ذلك لأنها كانت مقتنعة بأن الخطاب الجمالي الذي تعتمده الرواية قادر على إحداث التغيير في الحياة وفي المجتمع، ومن خصائص كتابتها الصحفية والروائية والتاريخية والسينمائية هو الاهتمام بمصير المرأة في المجتمع الجزائري، العنف المتولد من مرحلتي الاستعمار والاستقلال، ثنائية اللغة وثنائية الثقافة والإزدواجية التي خلفها الماضي الاستعماري، وتصفية إرث الثقافات المحلية، الكشف عن التراتبيات الزائفة والقراءات الخاطئة وأشكال الإسكات silenciuse في الدولة القومية، والنوازع اللاتاريخية ahisoricism للقوة الإمبراطورية العالمية، وأثرها على المجتمعات ما بعد كولنيالية. إن سيرة آسيا جبار الذاتية مكنتها من إنجاز عملها الروائي ببراعة، ذلك أن نشأتها المبكرة في عائلة متوسطة لأب كان مدرساً ومثقفاً ومتنوراً، مكنها من الالتحاق بالمدرسة الابتدائية الفرنسية، وقد أسهم هذا التعليم في تنشئتها تنشئة مغايرة لجيلها، إذ باشرت آسيا جبار دراسة التاريخ في مدرسة سيفر العليا في العام 1955، وقد تم طردها من هناك بعد سنتين لمشاركتها في إضراب سياسي للطلبة الجزائريين الذين كانوا يناضلون من أجل استقلال الجزائر عن فرنسا. فأصدرت آسيا جبار في العام 1956 رواية العـطش (La Soif) ، وهي أول رواية لها، وبالرغم من انخراط آسيا جبار في العمل السياسي المباشر إلا أن روايتها كانت بعيدة نوعاً ما عن العمل السياسي المباشر. وبالرغم من أن تأليفها للرواية جاء في غضون الإضرابات الطلابية في الجامعات الفرنسية احتجاجاً على استمرار الاستعمار، إلا أنها لم تشر إلى وضع الجزائر السياسي أبداً، مما عرضها هي وروايتها إلى نقد شديد من قبل القوى الثقافية الثورية والتجمعات السياسية الجزائرية المناضلة التي كانت منخرطة في القتال السياسي تحت القصائد اللاهبة لمالك حداد، وخصوصاً في ديوانه «الشقاء في خطر»، فقورنت رواية «العطش La soif" في فرنسا أو آنذاك برواية فرانسوا ساغان "صباح الخير أيها الحزن" من الناحية الفنية. كما إن صدور طبعة جديدة من أعمالها يؤكد الاهتمام العالمي بهذه الكاتبة الجزائرية.

عملت آسيا جبار بوصفها ناشطة سياسية في أثناء حرب التحرير، ومراسلة صحيفة لصحيفة المجاهد التي كانت تصدر عن جبهة التحرير الوطنية المناهضة للاستعمار، وأجرت حوارات مع لاجئين جزائريين في المغرب، وواصلت هذا العمل عندما اشتغلت في جامعة الرباط، فنشطت هناك في العديد من المبادرات الثقافية الجزائرية، حتى أصدرت روايتها الثانية «نافدو الصبر Les Impatients» في العام 1958، فزاوجت هذه المرة بين نضال المرأة في سبيل حريتها واستقلالها وبين النضال السياسي في سبيل الاستقلال، فدارت أحداث الرواية حول البطلة الشابة دليلة التي تضيق ذرعا بتسلط الرجال وإحباط النساء الدائم في عائلتها، وعلى خلفية الصراع الدائر من أجل الاستقلال.

في العام 1962 أصدرت رواية "أطفال العالم الجديد Les Enfants du Nouveau Monde"، وهي قصة نساء جزائريات يطالبن بحقوقهن الاجتماعية والثقافية والسياسية، إذ تشارك البطلة في فعاليات جماعية من أجل التغيير السياسي، ونشهد حلقة جديدة من حلقات التاريخ الجزائري من خلال ما يوقعه هذا التاريخ على حياة الأفراد وأجسادهم. وتُبرز روايتها الرابعة "القبرات الساذجات Les Alouettes Naives" التي أصدرتها في العام (1967) قضايا الحب والحرب والماضي والحاضر، فهنا أيضاً تثور امرأة شابة على السلطة الأبوية، وتحاول أن تنال استقلالها بالتوازي مع استقلال الأمة عن الاستعمار، وفي العام 1969 أصدرت ديوانها الأول "قصائد من أجل الجزائر السعيدة Poems pour l>Algerie heureuse".

انقطعت آسيا جبار عن الكتابة طوال السبعينيات، فقد انتابها شك عميق هزها بقوة وعنف وجعلها تصمت لفترة طويلة، وطوال هذه السنوات العشر لم تصدر كتاباً على الإطلاق، غير أنها تمكنت في أثناء تلك الفترة من التجول في الجزائر لإجراء الحوارات والمقابلات وتصوير الأفلام، وقد مكنها هذا الموقع الجديد التحدث مع الفلاحات والقرويات في مناطق مختلفة من الجزائر، وفي أقاليم ذات تقاليد مختلفة، وقد تمكنت من زيارة عشيرة أمها البربرية في جبل شنوة، فأخرجت فيلمها الشهير «نوبة نساء جبل شنوة La Nouba des femmes du Mont Chenoua" في العام 1979، وقد فاز بالجائزة الدولية في مهرجان البندقية. أما فيلمها الثاني "زردا أو أغاني النسيان La Zerda ou les chants de l>oubli" (1982)، وهو عبارة عن توثيق لطبيعة الحياة في المغرب العربي في النصف الأول من القرن العشرين، فقد فاز هذا الفيلم في العام 1982 بجائزة أفضل فيلم تاريخي لمهرجان برلين السينمائي...وانخرطت آسيا جبار منذ ذلك الوقت في العديد من الأنشطة السينمائية باعتبارها مخرجة مساعدة، ومخرجة، ومسرحية أيضاً، إذ أخرجت مسرحية توم أينس عن مارلين مونرو "العاهرة البيضاء والممثل الصغير". وباشرت آسيا جبار تدريس السينما والمسرح بعد عودتها إلى جامعة الجزائر بعد فترة الصمت التي استغرقت عشر سنوات.

طبعة جديدة من أعمال آسيا جبار في دار غاليمار الفرنسية: الفانتازيا والمرأة والصولجان
 
03-Apr-2008
 
العدد 20