العدد 20 - كتاب
 

اذا استبعدنا العروض المسرحية البسيطة، التي كانت تقدمها الأندية والمدارس والكنائس والجمعيات الخيرية منذ مطلع القرن الماضي، فإن عمر الحركة المسرحية في الأردن، ابتداءً من تأسيس «أسرة المسرح الأردني» على يد المخرج هاني صنوبر وزملائه، قد بلغ اليوم نحو أربعة عقود ونصف العقد، وهو عمر يؤهل هذه الحركة، من وجهة نظري، لتأسيس تقاليد مسرحية راسخة، في مقدمتها إيجاد برنامج لموسم مسرحي تُقدّم فيه مجموعة عروض لفرق مختلفة تستمر أسابيع أو أشهراً. إضافة إلى استحداث ما يعرف بـ «لريبرتوار»، أي إعادة تقديم بعض عروض ذلك الموسم من وقت لآخر في المواسم اللاحقة، بدلاً من الاكتفاء بتقديمها يوماً واحداً أو يومين في المهرجانات المسرحية والثقافية السنوية، مثل: مهرجان المسرح الأردني، وأيام عمان المسرحية، ومهرجان مسرح الشباب، ومهرجان جرش... إلخ. ذلك أن مشاركة تلك العروض في هذه المهرجانات، رغم أهميتها، لا ترسّخ الظاهرة المسرحية في الحياة الثقافية، ولا تخلق تراكماً يؤدي إلى تطورها وازدهارها.

أننا اليوم في عصر يصعب فيه توهج مسرح اي بلد ما لم يكن مؤثراً وذا انتشار وتواصل واستمرارية، إن لم نقل يشكّل تياراً نابضاً بالحيوية في المجتمع. ولعل خير مثال على ذلك في محيطنا العربي هو المسرح في مصر منذ الستينات حتى الآن، وإلى حدٍّ ما المسرح في العراق خلال عقدي السبعينات والثمانينات. في القاهرة وحدها تنتج الفرق المسرحية الرسمية والأهلية أكثر من مائة عرض سنوياً في إطار مواسم مسرحية متواصلة دون انقطاع، ويجري انتخاب عدد غير قليل من هذه العروض لتقديمها في المهرجانات المسرحية (مهرجان المسرح التجريبي، ومهرجان المسرح القومي، ومهرجان المسرح العربي، ومهرجان المخرجة المسرحية... إلخ)، ومن يزور القاهرة لابد أن تعلق في ذاكرته الاعلانات المسرحية الكبيرة المنتشرة في عشرات الميادين والشوارع على مدار السنة، والتي لا تنافسها إلاّ إعلانات الأفلام والموضة (وهي جزء من التكوين السيميائي للمدن المعاصرة). وتشكّل العروض الجادة للمسرح القومي، والمسرح التجريبي، وهيئة قصور الثقافة، والبيت الفني للمسرح، ومسرح الطليعة، ومركز الهناجر جزءاً كبيراً من العروض التي تشير إليها تلك الإعلانات، ويستمر تقديم بعضها أشهراً، وأحياناً سنوات، كما هو الحال مثلاً مع عرض «أهلاً يا بكوات»، في مطلع التسعينات، تأليف لينين الرملي، وتمثيل عزت العلا يلي وحسين فهمي، وإخراج عصام السيد، الذي استمر أربع سنوات، وعرض «الشبكة»، العام الماضي، المأخوذ عن نص بريشت «صعود وسقوط مدينة ماهاجوني»، وإخراج سعد اردش، وتمثيل سميحة ايوب ومحمود حميده، الذي استمر أشهراً طويلة.

إن المتابع للمسرح في الأردن يشعر بالحزن، حقاً، للغبن الذي يصيب العشرات من مبدعيه من ممثلين ومخرجين وكتاب وتقنيين، وضياع جهودهم، بسبب غياب المواسم المسرحية التي تتيح لهم الاستمرار في تقديم تجاربهم، مدة أسابيع على الأقل، لشرائح مختلفة من المجتمع بعد انتهاء المهرجانات المسرحية، التي غالباً ما يقتصر جمهورها على المسرحيين أنفسهم إلى جانب عدد قليل من المشتغلين في الحقل الثقافي والإعلامي . إن مسؤولية رفع هذا الغبن تقع، أولاً وأخيراً، على عاتق وزارة الثقافة ومؤسسات أخرى في البلد مثل: أمانة عمان الكبرى، ونقابة الفنانين، كونها قادرة على احتضان عروض الفرق المسرحية، ليس فقط بتقديم الدعم المادي لإنتاجها، وهو ما تفعله الآن، بل من خلال وضع برنامج لموسم مسرحي يتيح لكل عرض فرصة الاستمرار في تقديمه على مسارح عمان والمحافظات بعد انتهاء المهرجانات. من دون هذا الإجراء ستظل الحركة المسرحية في الأردن أقرب إلى الهواية منها إلى الاحتراف، ولن يترسخ المسرح في المشهد الثقافي، ولن يكون له امتداد في الحياة الاجتماعية على الإطلاق.

عواد علي: المسرح الأردني تحت رحمة المهرجانات!
 
03-Apr-2008
 
العدد 20