العدد 20 - أردني
 

السجل- خاص

الإعلان قبل عشرة أيام، عن انتحار نزيل شاب في سجن معان في ظروف غامضة، يثير تساؤلات حول ملابسات حالات انتحار النزلاء أو وفاتهم خلف القضبان.

في بيان مقتضب، أعلن الناطق الرسمي باسم مديرية الأمن العام الرائد محمد الخطيب عن "انتحار" نزيل من مواليد 1982 بعد إسعافه إلى مستشفى معان الحكومي. لم يوضح البيان طريقة الانتحار، ولم يكشف هوية "المنتحر"، بل اكتفى بالإشارة إلى أنه "محكوم خمس سنوات ونصف السنة"، مؤكداً أن الأمن العام شكل لجنة تحقيق للوقوف على ملابسات الوفاة.

كغالبية الحالات السابقة، أقدم أنور على الانتحار فجراً. وهو محجوز في قضية «هتك عرض» كما أن سجله يضم 24 أسبقية من السرقة الى الايذاء البليغ بحسب مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل العقيد شريف العمري.

الشاب الفلسطيني، البالغ من العمر 26 عاماً احيل الى القضاء أول مرة في قضية سرقة عام 1991 حين كان في العاشرة من عمره. منذ ذلك الحين أخذ يتنقل بين السجن ومنزل ذويه في حي الشلالة بالعقبة، كما يخضع لاقامات جبرية متكررة.

تحبط مرتبات أمن السجون عدة محاولات وشروع بالانتحار شهرياً بين النزلاء. ويؤكد العقيد العمري ان اشارات الانذار يلحظها مأمورو المهاجع او يرصدها بعض النزلاء، ويبلغون ادارة السجون عنها.

فجر 11 آذار/مارس، وفي التوقيت نفسه تقريباً، وجد "إبراهيم منتحرا" في مديرية شرطة إربد. عثر على جثة إبراهيم "بينما كان عناصر الشرطة يتفقدون الموقوفين"، بحسب الرواية الرسمية، التي اطلع عليها المركز الوطني لحقوق الإنسان.

في العام الماضي، سجل انتحار ثلاثة نزلاء، ما يجعل القضية تبدو أبعد من أن تكون حادثة انتحار فردية.

المحامية نسرين زريقات، من المركز الوطني لحقوق الإنسان، تدعو إدارات السجون إلى ملاحظة التغيرات لدى النزلاء وصولا إلى بناء نظام إنذار مبكر يرتكز إلى رصد الميول الانتحارية لدى بعض النزلاء. وتحدثت زريقات عن أجراس مبكرة يعلن عبرها النزيل عن "إصابته بالاكتئاب" أو يرفض التمتع بفترة "التشمس" اليومية في فناء السجن، وينزوي داخل المهجع. مدير المركز الوطني للطب الشرعي مؤمن الحديدي، يؤكد أن هذه الحالات «يجب أن لا تمر بسهولة، بل تستلزم دراسة بالعمق- من زاوية الطب الشرعي والنفسي- لمعرفة دوافع انتحار شباب في ريعان الشباب». لا يشكّك الحديدي برواية الانتحار الرسمية، لافتاً إلى أن التشريح يبعد شبهة الجناية، الانتحار ينفذ عادة، «شنقاً بربط قطعة قماش أو شرشف السرير بسقف المهجع». إلا أن كبير أطباء الطب الشرعي يطالب بدراسة الظروف التي تدفع شباباً «بين 18 و 25 عاماً، في مرحلة تغير هرموني، لوضع حد لحياتهم وسط نظرة سوداوية للحياة».

العقيد العمري يؤكد سعي إدارة السجون لبناء منظومة «إنذار مبكر» عبر متابعة الحالات المشتبه بميولها الانتحارية من خلال أطباء نفسيين وعلماء اجتماع. إلا أن مدير إدارة السجون يقر بوجود نقص كوادر.

ظاهرة خطيرة

المحامي عبد الكريم الشريدة، رئيس لجنة السجون والمعتقلين في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ينبه إلى تفاقم "ظاهرة انتحار النزلاء" معتبرا أنها أضحت "خطيرة ومقلقة".

دوافع الانتحار متعددة، بحسب الشريدة الذي يتساءل: "لماذا لا تطلعنا (سلطات السجون) على التقارير الطبية للنزلاء المنتحرين والمتوفين؟ من المهم لنا أن نعرف طريقة الوفاة". ثم يطرح عدداً من الأسئلة في هذا الشأن: "كيف ينتحر النزيل بوجود زملاء معه في العنبر نفسه؟ وكيف تصل له الأدوات التي يستخدمها في عملية الانتحار؟"

يستذكر الشريدة بسخرية، حادثة وفاة نزيل، حين كان المحامي وعدد من زملائه يزورون أحد السجون. "قبل نقل النزيل وتشريح جثته، أعلن أن الوفاة ناجمة عن جلطة في القلب".

كما يتحدث عن "نقص كبير في الأطباء النفسيين الذين يزورون السجون" معتبراً أن عددهم لا يمكن أن يغطي المراكز كلها". وبينما يلفت إلى وجود حالات نفسية بين النزلاء"، يرى الشريدة أن توفير استشارات نفسية في الوقت المناسب سيخّفض وتيرة التفكير بالانتحار."

مدير المركز الوطني للصحة النفسية محمد عصفور، يؤكد أن كادره يغطي جميع السجون بـ"معدل زيارة واحدة كل أسبوعين، أو حين تطلب إدارة مركز إصلاح وتأهيل أي طبيب بصورة عاجلة وطارئة".

لكن من النادر أن تحيل الشرطة أي نزيل إلى مستشفى الطب النفسي بوصف ذلك إجراءً احترازياً. عصفور، الذي تسلم موقعه منذ عامين، يؤكد أنه "لم يحول أي نزيل في أي من مراكز الإصلاح والتأهيل بسبب ظهور ميول انتحارية عليه". يعمل في وزارة الصحة 35 طبيبا نفسياً، في بلد به عشرة سجون تعمل فوق طاقتها الاستيعابية، إذ تفيد أرقام إدارة السجون بوجود زهاء 1500 محكوم وسجين. يدخل السجون يومياً بين 180 و210 محكوم وموقوف، بحسب التقديرات نفسها.

ويؤكد عصفور أن أطباء الصّحة يتابعون الحالات النفسية التي تعرض عليهم، لافتاً مع ذلك إلى أن العديد من النزلاء يثبت أنهم "يدعون المرض". ثمّة عيادة وطبيب عام في كل سجن، إلا أن بين كل 20 مراجعاً هناك أربعة إلى خمسة مرضى نفسيين، بينما يسعى البقية- غالبيتهم لهم أسبقيات في تعاطي المخدرات أو المنبهات- للحصول على منبهات عن طريق التمارض.

مؤشرات النزوع للانتحار تتولد عادة لدى "طالب توجيهي يخفق في الامتحان أو شخص يقع تحت ضغط نفسي نتيجة نكسة اقتصادية شديدة تهدد حياة الشخص العملية أو بسبب الشعور بالظلم". المتخصص في علم النفس، محمد الحباشنة، يرى أن تسعة من كل عشرة يتخذون قرار الانتحار بسبب "الاكتئاب أو مرض نفسي مرافق له مثل الاضطراب الوجداني ثنائي القطب والفصام".

بعض الشخوص، يضيف الحباشنة، ينزعون "للإساءة للذات، إذ ينقلون الألم النفسي إلى ألم جسدي عن طريق إيذاء أنفسهم (تشطيب شفرات أو طعن) وقد يصل الأمر إلى الموت مع أن نية الانتحار لا تكون موجودة".

في الإجمال، يؤكد الحباشنة أن حالات الانتحار في الأردن أقل بكثير من المعدلات العالمية، مع أنه "لا يعتد بالإحصاءات كثيراً، لأن العديد من حالات الانتحار يبلغ عنها كوفاة طبيعية خوفاً من وصمة المجتمع".

معدل الانتحار يراوح بين نصف وواحد بالمئة لكل 100 ألف أردني مقابل 20 لكل 100 ألف في دول متقدمة.

يلاحظ المركز الوطني لحقوق الإنسان انخفاض عدد الزيارات القضائية للسجون، رغم الصلاحيات التي منحتها للقضاء المادة (8) من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل رقم 9 لسنة 2004، من حيث الرقابة على السجون، ومناهضة التعذيب، وتفقد السجلات.فبرغم وجود النص القانوني فإن "هذا الإشراف ما زال يفتقد لآلية واضحة للتحول إلى إشراف دوري".

الشريدة لا يستبعد وجود حالات شذوذ جنسي بين السجناء، معتبراً أنها قد تكون سبباً في الإقدام على الانتحار. "أبلغنا عن حدوث حالة تحرش تعرض لها نزيل في سجن سواقة في الخمسين من العمر، إذ تمت محاولة لهتك عرضه، وأثناء زيارة لنا سابقا كانت حالته النفسية سيئة جدا من هذا الأمر"، يشرح المحامي المختص بحقوق الإنسان.

تتسق هذه الأقوال مع معلومات مستقاة من ملفات الأبحاث الاجتماعية، وتقارير جهات أمنية. إذ لا تنكر هذه الجهات وجود حالات شذوذ جنسي متزايدة في السجون. يقر مسؤولون حكوميون بوجود «حالات شذوذ جنسي بين السجناء، لكنهم يؤكدون أنها «محدودة» في الأردن، ولا ترقى لمستوى الظاهرة.

صالح العرموطي يرجع: حالات الوفاة داخل السجون عموما، إلى التقدم بالعمر، الإهمال الصحي، أو إلى عدم الجدية في التعامل مع الوضع الصحي للسجين من حيث عدم إسعافه بالصورة المطلوبة وفي الوقت المناسب، أو بسبب التعذيب".

ويقول العرموطي: "نحن طبعا لا نؤيد الانتحار من الناحية الدينية، لأنه حرام وفي الوقت نفسه لا نريد أن تظهر في سجوننا وفيات، إذ تعود أسباب الانتحار أحياناً إلى ممارسة الضغط عليهم أو تعذيبهم." على أن مدير إدارة السجون يرفض الاتهامات بوقوع حالات تعذيب معتبراً أنها منعزلة وتخضع للتحقيق في حال ضبطها. لكنه يدعو للتمييز بين التعذيب واستخدام القوة المبررة والمضبوطة الواردة في قانون مراكز الاصلاح والتأهيل بهدف إجهاض نوبات شغب، أو مواجهات بين السجناء.

شبهة تعذيب أفضى إلى موت

غير أن تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان للعام الماضي رصد وفاة 17 نزيلا داخل مراكز الإصلاح في المملكة، من ضمنها حالتا انتحار في سجن قفقفا، على طريق إربد. يؤكد التقرير أن حالات الوفاة طبيعية، بحسب تقرير الطب الشرعي، وقرارات لجان التحقيق، باستثناء نزيل واحد بسجن العقبة، اشتبه بتعرضه للتعذيب أفضى إلى موته. لذا قرّرت هيئة التحقيق إحالة المشتكى عليهم من مرتبات السجن للمحاكمة أمام محكمة الشرطة بتهمة الضرب المفضي للموت وإساءة استعمال السلطة.

شغب

في العام الماضي، شهد سجن بيرين أحداث شغب استخدم خلالها زهاء 50 نزيلا قطع بلاط السيراميك لتشطيب أنفسهم بسبب "المعاملة السيئة التي يلقونها والتشدد في تطبيق التعليمات من حيث عدم السماح للنزلاء بارتداء بدلات الرياضة وعدم التشمس لوقت كاف وبسبب عدم جودة الطعام"، بحسب التقرير. نتج عن ذلك إصابة ما يزيد على 35 نزيلا قدمت لهم الرعاية الطبية في المستشفيات الحكومية في حينه.

شكلت هيئة تحقيق في تلك الأحداث، وكلّف مدير السجن باتخاذ "إجراءات قانونية وإدارية بحق الضباط والأفراد المتهمين بالتقصير في أداء الواجب ومحاكمة النزلاء بتهم التمرد والعصيان وإلحاق الأذى بأنفسهم.» 

بحسب المركز الوطني لحقوق الإنسان، فإن "شغب السجون من الموضوعات التي يجب أن تلقى اهتماماً لدى المسؤولين والمتخصصين في هذا المجال. فمن الملاحظ أن شغب السجون "هياج النزلاء وإيذاء أنفسهم أو حتى قيامهم بالإضراب عن الطعام، هو نتيجة حتمية لردود أفعال على الأوضاع القائمة داخل السجون، وذلك عندما لا تصغي الجهات المعنية لشكواهم، أو عندما لا يجد النزلاء طريقة لإيصال تلك التظلمات إلى المعنيين خارج أسوار السجن .»

وأخيراً تؤكد إدارة السجون أنها وضعت مشروعاً لفرز السجناء، ضمن نظام نقاط، بمعايير جديدة تبعاً للأعمار، المستويات العلمية والثقافية، معدل تكرار الجنحة أو الجريمة ونوعها، البنية الجسمية، وذلك من أجل إحداث تجانس بين النزلاء.

انتحار السجناء.. “وقائع موت معلن”
 
03-Apr-2008
 
العدد 20