العدد 19 - كتاب
 

الاستفتاء الأخير حول أداء الحكومة في المائة يوم الاولى من توليها مهامها أظهر تعاطفا كبيرا معها من قبل الشارع الأردني، وتعاطفا وتفهما أكبر من قبل قادة الفكر، وكلاهما في محله. فهذه الحكومة لم تكن وراء ازمة الغلاء، التي نتجت عن أسباب خارجية ومستوردة في معظمها بينما تقع مسؤولية جزء لا يستهان به من الغلاء على السياسة النقدية. كما انها لم ترفع اسعار النفط في العالم، ولم تغير من السياسة المعلنة أو تحاول ترحيل عبء اللاسمؤولية على من سيليها.

لم تكن هذه الحكومة المسؤولة عن هبوط سعر صرف الدينار أمام العملات الرئيسية (باستثناء الدولار طبعا)، فهذا ما تعامل معه من سبقها كما أن البنك المركزي كمؤسسة مستقلة لديها أكثر من أربعين عام من الخبرة في هذا المجال ولهذا له الباع الأكبر في تحديد هذه السياسة وليس الحكومة.

الحكومة لم تولَد معدلات البطالة التي ورثتها أو معدلات الفقر. فقد أتت لترى سياسة نقدية ومالية مستمرة، لتحتمل للأسف وزر الآخرين وتحاول أن تتفاعل مع ما خلقوه من واقع غير محمود على الأرض.

نعم لم تأت هذه الحكومة بأي مما سبق ولكنها ستشهد ارتفاع الغلاء والبطالة والفقر، وسوف يلومها البعض ولكن هذه هي السياسة، ولهذا توجد الحكومات والوزارات، تأتي الواحدة وبسرعة خلف الأخرى وكأن الأردن بلد منج للسوبرمانات الذين سيحلون في أقل من عام ما راكمه الآخرون من الأضرار الاقتصادية.

ما لا يفهمه البعض، لا سيما بعض صانعي القرار، أن الاقتصاد يعمل كما يعمل الجسد، ينتقل فيه الخير والضرر من جزء واحد الى جميع أطراف الجسد ليؤثر على الجهاز الاقتصادي ككل. فسوق النقد يؤثر في سوق العمل الذي يؤثر بدوره في سوق الانتاج وسوق المال، ويتأذى الجهاز الاقتصادي من الممارسات السيئة وضعف الأدارة، حتى ولو لم تظهر هذه الآثار مباشرة، إلا أنها تظهر بعد حين، ربما لأن شعرة قصمت ظهر البعير، أو ربما لأن التراكم أضعف الجسد وأطلق العنان لفرسان الركود الاقتصادي والغلاء معا.

المهم هو أننا على الرغم من تعاطفنا، فلقد سكن بين وسطانينا شبح التوقعات السوداء وهو أخطر معيار لاستشراف المستقبل، ويؤدي بحد ذاته الى الاطاحة بالاقتصاديات القوية فما بالك بتلك التي تراكمت فيها المشاكل والتحديات. فهذا استطلاع شركة "ابسوس جوردان" يشير الى أن 64 بالمئة من المستطلعة آراؤهم يتوقعون بان تسوء الاوضاع بدرجة كبيرة او الى حد ما في الشهور المقبلة.

لأننا واقعيين، ولأننا نريد دائما أن يكون الصدق إطارنا، فإننا لا نتوقع أن تستطيــــع هذه الحكومة أو أي حكومة أن تحــــل هذه المشاكل معا. ولا نتوقع أن تحـــل يد السوق الخفية مشاكلنا في الــوقت الحالي. الحلول ستحتــــاج الى وقت واســـتراتيجية تفعّل على مدى سنوات.

* مدير شركة الرؤيا للاستشارات الاقتصادية

ymansur@enconsult.com

يوسف منصور: لا نملك عصاً سحرية
 
27-Mar-2008
 
العدد 19