العدد 19 - حتى باب الدار
 

شد الهمّة في الطريق الى القمّة

التغارش العربي المشترك

عندما تسلم عمرو موسى منصب الأمين للجامعة العربية تعهد في واحد من اول تصريحاته بأن كلمة شجب ستلتغي من قاموس الجامعة، لأن الناس ملوا هذه الكلمة وصاروا يتهكمون بأن الجامعة لا عمل لها سوى «نشجب ونستنكر».الرجل اوفى بوعده فعلاً، ولم تعد بيانات الجامعة وقراراتها تحمل الشجب والاستنكار، لكنها استعاضت عن ذلك بـ"الغَرْش" على القضايا المطروحة.

في السنوات الأخيرة، يلاحظ انه كلما اختلف المجتمعون في الجامعة حول أية قضية يبادرون الى «التغارش» عليها، أي صياغتها بما يمكّن كل طرف من الشعور بالرضى لأنه يستطيع تفسير النص كما يشاء.

اللغة العربية تخدم على هذا الصعيد جيداً، وقد آن الأوان لكي يجري مأسسة التغارش الرسمي العربي، وصياغة ميثاق لـ"التغارش العربي المشترك".

ناقدون بلا حدود

بالنسبة للشعوب يعتبر انعقاد القمة موسما للنقد الواسع للأنظمة والحكام، وتنشط وسائل الاعلام من فضائيات وصحف للهجوم على القمة ونتائجها حتى قبل أن تنعقد. من يراقب الوضع عن بعد يستنتج أن الشعوب العربية من أكثر الشعوب نقداً لحكامها وأنظمتها، وأن هذه الأنظمة من أكثر الأنظمة سعةً للصدر وتحملاً للنقد.

بالتدقيق في صيغ النقد المعتمدة سنجد أن كل شعب يستثني ضمنياً نظامه الخاص من نقده، ويكون النقد المعلن هو نقد للأنظمة على العموم.

بالنتيجة فإن كل الأطراف تنال ما تريد. الفرد العربي يرتاح وهو يمارس حريته في نقد الأنظمة وفي الوقت نفسه يكون في منأى عن المساءلة. أما الأنظمة من جهتها فتتسامح مع هذا الصنف من النقد المتجاوز للذات لأنها تعرف أنها غير مقصودة من شعوبها، ويتوزع النقد الموجه لها من الشعوب الأخرى بالتساوي على الجميع.

الأبجدية لا تفهم سياسة

منذ أن اعتمد التسلسل حسب الحروف الأبجدية لتحديد مكان انعقاد القمة، تعممت فوائد القمم وتوزعت بالتساوي بين الشعوب.

حسب التسلسل يجري تزفيت شوارع العواصم العربية ،وتجديد دهان حاويات نفاياتها وترتيب أرصفتها وتلوين أحجارها.

لكن العدالة في توزيع فوائد القمم لا تقتصر على هذا المجال، فعلى الهامش يطال السائقين المرافقين لرؤساء الوفود «من الطيب نصيب» ،ويتنافس السائقون على الوفود من الدول الأغنى ولكن تعيس الحظ من يكون نصيبه وفداً من الدول العربية الفقيرة. الجديد في القمة المقبلة أن الأبجدية لعبت دوراً آخر، فهي أحرجت المعتدلين العرب لأنها لا تفهم أصول السياسة العربية، فللمكان هذه المرة بعد سياسي لم يعجب المعتدلين، لكن الأبجدية لم تفهم ذلك، فكلمة سوريا تلي أبجديا كلمة سودان. لقد فاتهم اعتماد صيغة «ابجد هوز حطي كلمن» التي كانت ستغير التسلسل.

**

جني نبات الفتنة

عند كل قمة لا تتوقف النداءات لعدم «زرع بذور الفتنة».

في الواقع إن ما هو أكثر أهمية من زرع بذور الفتنة هو جني محصول الفتنة، فمهما زرعنا من بذور، فإنها إذا لم تجد أولاً التربة الصالحة للنمو، ثم بعد ذلك تجد من يقوم بالحصاد، فإنه لا تكون لتلك الزراعة أية أهمية، هذا بالطبع دون اغفال شرط أن تكون البذور نفسها صالحة للزراعة.

المطلوب إذن أن يكون الاحتجاج على مجمل العمليات المتصلة بزراعة الفتنة ،وليس فقط على زرع البذور!.

شد الهمّة في الطريق الى القمّة
 
27-Mar-2008
 
العدد 19