العدد 19 - حريات
 

يشهد المجتمع الأردني، مع كل موجة تنتشر فيها قصة شعر جديدة، أو نوع لباس جديد، ظهور انتقادات للشبان الذين يتبعون تلك "الموضات"، تصل عادة حد التهكم. تتزايد تلك الانتقادات في البيئات الاجتماعية غير المنفتحة على الثقافات الأجنبية، وذات المستوى الاقتصادي المنخفض، كونها لا تُبدي، في العادة، تسامحاً مع الخروج على المظهر والسلوك المحافظ. في الوقت نفسه، يبدو اتجاه الشباب لاتباع الموضات الجديدة، أكثر لفتاً لانتباه المجتمع في تلك البيئات غير المنفتحة، منه في البيئات المنفتحة، وهو ما لاحظته "ے"، في حديثها مع عائلات وشبان يسكنون مناطق عمّان الشرقية، حول انتشار ظاهرتي السراويل منخفضة الخصر، وقصة شعر "سبايكي".

"خصر ساحل"

يطلب إبراهيم عبد صالح (35 عاماً) من ابن أخيه صالح (19 عاماً) أن لا يرافقه ولا يمشي معه أمام الناس، وأن يقصر علاقته به على الاتصالات الهاتفية، ما دام يصر على لبس بنطال بـ "خصر ساحل"، وتسريح شعره على طريقة "سبايكي". شقيق صالح الأكبر، يذهب بالاتجاه نفسه أيضاً، فيطلب من أخيه أن يغير هيئته، وبرغم أن "صالح"، وهو فني تكييف وتبريد، ويسكن في منطقة النصر، يعتقد أن لباسه ومظهره مناسبان، فإنه يستجيب لأخيه، ويغير ملابسه وتسريحة شعره في الجلسات العائلية، وبخاصة عندما يزورهم ضيوف، اتقاءً لتعليقات ساخرة قد تُلقى على مسامعه.

أما أمه، فتؤكد خشيتها على ولدها بعد أن ترددت شائعات تقول إن الشرطة أوقفت عدداً من شبان الحي، يلبسون ذلك النوع من البنطلونات، لأن أجزاء من أجسادهم ظهرت بشكل مثّل خدشاً للحياء العام، وهو ما أكدته لها أيضاً جارتها "أم زيد" التي قالت إنها شاهدت تقريراً حول ذلك الموضوع على شاشة التلفزيون!.

أما محمود رباح (22 عاماً)، الذي يتبع شكل اللباس والمظهر الخارجي نفسه، فلا يبدي اهتماماً بتعليقات المجتمع الساخرة، ولا النظرة الاستخفافية التي يراها في عيون كثيرين، ويقول إنه فخور باتباع ما اعتبره "الموضة"، وتقليد الفنانين، وبخاصة المغني المصري "عمرو دياب"، ويؤكد أن كثيراً من الشباب في سنه يتنافسون في اتباع هذه "الموضة"، لأنها تساعدهم في كسب إعجاب الفتيات وإقامة الصداقات معهن، بحسب ما يقول، بل إن الفتيات تتبعن تلك الموضة أيضاً، وتلبسن بنطلونات لا تختلف كثيراً عن تلك التي يلبسها هو، ما يجعل من المستحيل عليه التواصل مع مجتمعه من الأصدقاء والصديقات، دون أن يلبس مثلهم. ويضيف محمود، وهو طالب يسكن في الهاشمي الشمالي، أنه يرى لباسه أجمل كثيراً من اللباس الذي يعده المجتمع محتشماً، بل أنه يبعث في نفسه شعوراً بالثقة، ولا يجد لذلك أي داع لتغييره أياً كانت الانتقادات والتعليقات التي توجه له. ويشير إلى أن حجم التعليقات كان أكبر حين اتبع تلك "الموضة" أول الأمر، لكن معارفه وأصدقاءه وأهله تقبلوا مظهره الجديد مع مرور الوقت، ما يؤكد، برأيه، أن على المرء التمسك بما يراه صواباً، وبخاصة في المسائل الشخصية، كحرية اللباس والمظهر، وسيقتنع المجتمع بذلك عاجلاً أو آجلاً.

شعور بالتميز

تختلف أهداف ياسر أبوعطية (22 عاماً)، وهو سائق تكسي يسكن في حي المرقب، من اتباع ذلك اللباس وتلك الهيئة، فهي بالنسبة له "تقليد للأجانب" بحسب ما يقول، وتعبير عن رغبته الكبيرة في الهجرة إلى أميركا التي لم يتمكن من تحقيقها حتى الآن. لذلك فهو لا يهتم لتعليقات الناس وسخريتهم من مظهره، التي يقول إنه يتعرض لها طوال اليوم، فهيئته تشعره بالتميز، وتبعث فيه الرضى عن الذات.

الشباب الثلاثة، يُجمعون على أن المجتمع لا يمنح الأفراد حرية اتخاذ المظهر الذي يعجب الشخص ويشعره بالارتياح، أو يعبر عن شخصيته، وينتقدون ذلك السعي لتنميط الناس، وفرض مسلكية واحدة عليهم. ويؤكد ياسر أبوعطية أنه لن يخضع أبداً لرغبات المجتمع، فكل واحد "ينام على الجنب الذي يريحه" كما يقول، ولا يجوز لأحد أن يتدخل في خصوصيات الآخرين.

جدير بالذكر أن المجتمع الأردني شهد مثل هذه الظواهر، والجدل المرافق لها، في مراحل مختلفة، ففي سبعينيات القرن العشرين ظهرت "موضة" الشعر الطويل للشباب، وانتشرت معه شائعة تقول إن أفراد الجيش يقومون بقص شعر من يمشي في الشارع مطلقاً شعره. وبعدها بسنوات انتشرت ظاهرة سراويل "شارلستون"، التي رافقتها تهكمات وانتقادات اجتماعية، انتهت بانتهاء الظاهرة.

الشبان: إرضاء المجتمع أم إرضاء الذات؟
 
27-Mar-2008
 
العدد 19