العدد 19 - اقليمي
 

سليمان البزور

تعاقب القمم العربية على مدى أكثر من نصف قرن دون أن تقترب من هموم المواطن العربي، أو تعبر عن نبضه، والاكتفاء بإصدار بيانات حفظها المواطن عن ظهر قلب، ترك انطباعاً سلبياً لدى الشارع العربي ترجم إحجاماً عن متابعة القمم العربية التي سيعقد آخرها في دمشق بعد أيام.

يعزز هذا الإنطباع بقاء أزمات عربية على حالها دون أن تساهم القمم في حلها أو الخروج منها بقرارات بحجم التحديات. ويشير استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية إلى أن الشارع العربي يستند في موقفه من القمم الى قاعدة "المجّرب لا يجّرب.

وتبين نتائج الاستطلاع الذي اشتملت عينته على سبع ساحات؛ لبنان، اليمن، الجزائر، سورية، المغرب، الأردن، الكويت وفلسطين أن 79 بالمئة من المستطلعين في لبنان يرون أن الجامعة لم تكن ناجحة في أداء دورها، و 69 بالمئة من الكويت، و 64 بالمئة في الجزائر، و61 بالمئة في فلسطين، و58 في اليمن، و 55 بالمئة في المغرب، و 50 بالمئة في الأردن.

وقد أجرى كاتب هذه السطور مقابلات ميدانية مع مواطنين من مختلف الفئات الاجتماعية في هذا الشأن، وهو ما قد لا يتسق مع مالنهجً العلمي،ً لكن تبين لنا أن أهداف القمم العربية في واد والقادة في واد آخر.

"منذ أن وقعت نكسة 1967، وأنا أتابع القمم العربية لعلّي أسمع يوماً ما قراراً تخرج به قمة تعيدنا إلى جنين، لكن للأسف يبدو أن ذلك صار حلماً غير قابل للتحقق." يقول المتقاعد الخمسيني خالد إسماعيل الذي يشاهد ويستمع للأخبار والبرامج السياسية بين 10الى 12 ساعة يومياً. يواصل "أعرف أن الواقع العربي لن يتغير، ولن تعود لنا أرضنا، لكن أتابع من باب العادة؛ قمة دمشق لن تكون أفضل من سابقاتها، والقادة العرب لن يغيروا التاريخ بجرّة قلم أو قرار."

"القمم العربية مكانك سر، وأحياناً إلى الخلف در" يعلق المحرر في موقع "الغد" الإلكتروني حسان طعامنة، 26 عاما"ً الحاصل على بكالوريوس صحافة وإعلام. ويضيف طعامنة: "ليست هناك قمة عربية تأتي بجديد. في معظم القمم تتكرر نفس القرارات وتصدر بيانات الشجب والتنديد والاستنكار الجاهزة".

يرى وليد نصير، مهندس الاتصالات37 عاما" أن القمم العربية باتت "مفرغة من مضامينها، تدعو إلى تحقيق السلام، لكن إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل القرارات." يستذكر نصير الاجتياح الإسرائيلي الدموي للضفة الغربية ردا على المبادرة العربية في قمة بيروت 2002.

ويعتقد إياد علاونة، بائع ألبسة، بأن على القمم العربية أن تتبنى حل النزاعات والخلافات الداخلية قبل أن تبحث في الشأن العربي العام. ويقول علاونة الحاصل على ثانوية عامة: "لبنان لغاية الآن ما زال بلا رئيس، السودان يعيش أزمة دارفور، العراق تمر عليه الذكرى الخامسة للاحتلال الأميركي وما زالت تعصف به دوامة الحرب والقتل والتهجير، فلسطين أصبحت ثلاث دويلات. فكيف للعرب أن يتخذوا قراراَ يكتسب طابع الجدية ويأخذ طريقه للتنفيذ إذا كانوا اصلا منقسمين داخليا؟"

منذر حسين 43 الذي يعمل موظفا في القطاع الخاص يجادل: "بأننا تعلمنا من جدّاتنا وأمهاتنا منذ زمن طويل المثل الذي يعبر عن واقع الحال لو بدها تشتي كان رشرشت. ولو كانت القمم العربية ستخرج علينا بحلول لما يعانيه العرب لخرجت علينا بها منذ منتصف القرن الماضي حين عصفت أزمات وكوارث كبرى بالأمة العربية. إذن القمة باتت مجرد مراسم بروتوكولية ومجاملات على مستوى الزعامات العربية."

ويتوقع حسين "ألا تكون القمة القادمة أفضل حالاً من سابقاتها".

يبدي المحاسب عصام التميمي، 25 عاما، استياءه البالغ من القمم العربية. ويقول إن: "الدور الوحيد الذي تقوم به القمة هو إلقاء الخطابات الحماسية، بعد ذلك يذهب كل إلى شأنه الخاص، وتبقى المشاكل تتراكم الواحدة تلو الأخرى حتى ينفجر الوضع."

يتساءل التميمي " ألم يكن القادة العرب يدركون أن ثمة مشكلة كبرى في لبنان عندما عقدوا قمتهم في بيروت 2002؟ ألم يكونوا يدركون أن الاحتلال الأميركي قادم للعراق؟ ولماذا تجاهلوا القضية الفلسطينية؟"

يستبق العامل في معرض للسيارات يزن أيوب، 20 عاماً، الأحداث ويقول: "أنا على استعداد لأن ألخص لكم ما سينتج عن قمة دمشق؛ سيعيد القادة التأكيد على التعاون العربي المشترك، والحديث عن الأرض مقابل السلام، وإدانة واستنكار الإعتداءات الإسرائيلية على غزة، وربما توجيه رسائل إلى الأخوة الأعداء، فتح وحماس، وتشكيل وفد لزيارة لبنان واجراء محادثات مع الاطراف كافة هناك."

يرى بائع الكتب في وسط المدينة خلدون مبارك أن القمم العربية باتت تسير على قاعدة تحصيل الحاصل. ويتساءل: "هل يمكن لنا أن نتذكر قرارا غير اعتيادي اتخذته أي من القمم العربية وساهم في تغيير الوضع العربي؟ هل أزالت قرارات القمة العربية الاحتلال الإسرائيلي؟ هل تحققت الوحدة العربية التي أشبعونا كلاماً عنها؟ أين المعركة التي جعنا وتعرينا وأخرست أفواهنا باسمها على مدى سنوات طويلة؟"

يستغرب مبارك من حجم ومستوى التمثيل العربي في مختلف القمم، "الوضع العربي تردى إلى أرذل مستوياته عندما بدأ العديد من القادة العرب، يستكثرون علينا حضورهم للقمم." يضيف مبارك بسخرية.

مدرسة اللغة الإنجليزية، ميس العنتري، لا ترى في القمم العربية ما هو جديد. وتقول: "كل قمة تعيد نفس الكلام. وهي مجرد أوراق ومحاضر اجتماعات، لاتسمن ولا تغني من جوع. حتى سورية نفسها التي ستعقد فيها القمة، والتي تعيش شبه عزلة وتضييق من جانب أميركا، ما زالت تلوك كلاما لا طائل من ورائه". وتخلص المدرسة للقول: "أعتقد أن القمة لن تتخذ موقفاً حاسماً حتى بشأن المسالة السورية، أو حتى تدافع عنها تجاه المؤامرة التي تحاك ضدها".

لا تتوقع ربة المنزل سحر عودة أن تضيف القمة العربية القادمة جديداً. وتضيف: "منذ عشرات السنين، فقدت الشعوب العربية ثقتها بمؤتمرات القمة التي لم تقدم أو تؤخر شيئاً".

وترى عودة أن على القمة التي تريد التعبير عن الواقع العربي "بحث الملفات الشائكة بكل جدية وواقعية، وأن يعترف العرب أولاً بالتقصير، ومن ثم يتم بحث جميع الخيارات المتاحة. ولا بد من اتخاذ قرارات على مستوى المشاكل الجسام التي تجتاح الواقع العربي".

يبدي صاحب مقهى الإنترنت بلال سلامة استغرابه: "كيف يقبل العرب عقد قمم ومؤتمرات وهم يعرفون انها لا يمكن أن تخرج بنتائج ومقررات قابلة للتنفيذ"؟ ويزيد سلامة: "ثم ما الفائدة من القمة؟ لو كانت هناك فائدة فعلية من هذه القمم لما تأخر إنعقادها حتى هذا الموعد. ولماذا لم تنعقد عندما كانت غزة تشتعل في أبشع المجازر في أحدث محرقة في التاريخ المعاصر".

في النهاية، تشير هذه الآراء، ومعظمها من عمان، إلى أن هناك إعتقادا جازما مسبقا بعدم جدوى القمم العربية، وهو ماتؤكده استطلاعات الرأي سالفة الذكر، ولا يحتاج تأكيدها إلى أكثر من جولات مشابهة في شوارع عربية أخرى.

ويبقى السؤال: هل هناك فجوة بين القادة والشارع؟ أم أن القادة يذهبون إلى مؤتمر القمة مع علمهم المسبق بعدم إمكان الخروج منها بنتائج ذات جدوى؟

القاعدة في واد والقمة في واد
 
27-Mar-2008
 
العدد 19