العدد 19 - كتاب
 

مع قرب انعقاد قمة دمشق تقوم الرياض التي ترأست القمة السابقة بتسليم الرئاسة للدولة المضيفة وهي سوريا. وليس في محلّه مؤاخذة السعودية على الحصاد المتواضع، ما دام الحال العربي يدلّل على عجز وانكشاف مهول أمام رياح التدخلات ورهانات القوى العظمى واستشراس تل ابيب واستخفافها بكل العرب . يُعاين المرء ذلك، وفي البال أن السعودية دولة مركزية وقياديّة ، وصاحبة مكانة ، ما يعني أن رئاستها القمة خلال عام كان معطى مُضافا،. ولا يغيب التأشير أن هذا الجهد لن يقوى في أي حال على المعطيات الشديدة الحدّة في أزمات غير قليلة، وليس في وسعه اجتراح المعجزات، لا سيما أن للسعودية خياراتها الخاصة، التي تحتكم إليها .

في مايو الماضي رعت الرياض اتفاقاً بين السودان وتشاد، بحضور الرئيسين البشير وديبي.الاتفاق المذكور جاء تأكيداً لاتفاق وقعه الرئيسان في طرابلس الغرب في فبراير 2006. الاتفاقان الموقعان لم ينفعا في شيء، ما استلزم توقيع اتفاق ثالث في 12 آذار الجاري في السنغال على هامش أعمال مؤتمر القمة الإسلامية .الملاحظ أن الملك عبد الله بن عبد العزيز شارك في اجتماع عقد في أثناء قمة الرياض تعلق بهذه المسألة. وتم التوافق على أن تنسق الحكومة السودانية مع السعودية اتصالاتها وتعاملاتها مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي . وكان العاهل السعودي قال "إن التراخي العربي أدى إلى التدخل الخارجي في شؤون السودان".

وفي سبتمبر الماضي استضافت جدة توقيع اتفاقية المصالحة في الصومال ، وحضره الرئيس الصومالي عبد الله يوسف ورئيس الوزراء (السابق) علي محمد جيدي ورئيس البرلمان آدم محمد نور ورؤساء قبائل صومالية . وكان تم التوصل إلى الاتفاقية المذكورة في مؤتمر انتظم في مقديشو. غير أن غياب قوى صوماليّة ينبغي أن تتم المصالحة الوطنية معها أساسا، زاد من اشتعال التوترات في البلد المنكوب .

النية السعودية الصادقة كانت حاضرة بشأن مصالحة صومالية ، وتوقيع اتفاق سوداني تشادي لم يَفلح في انتشال أجواء البلدين من التأزمات المتكررة بينهما .. وفي البال أيضاً أن سقوط اتفاق مكة الذي رعته الرياض قبل انعقاد القمة فيها، بين رئاسة السلطة وحركة فتح و بين قيادة حماس كان مدويّا، حين مضت الأخيرة للحسم العسكري في الانقلاب . بهذا جرى تعاكس مقصود مع الجهد السعودي.

في الموضوع اللبناني، ظلت الرياض حذرة في الاستجابة لدعوات باستضافة الأطراف والقوى اللبنانية ، وحجتها أنها لن تغامر دون ضمانات كافية بنجاح اللقاء، وهي التي لها فضل النجاح في التوصل لاتفاق الطائف قبل عقدين . وظلّت الأزمة اللبنانية تزداد استعصاء، وتتضاعف التأثيرات السورية والإيرانية والأمريكية والفرنسية، وبدت التأثيرات السعودية مواكبة لها لكن دون إحداث اختراق وتعززت قناعة الرياض بأن دمشق فاعل رئيسي في توتير الأزمة، وافتعال وقائع تحول دون انتظام المؤسسات الدستورية اللبنانية.

تذهب السعودية إلى دمشق، وكأنها غير راغبة، وهي على خلاف واضح مع الدولة المضيفة التي طالما كانت الرياض الداعم الأول لها .تذهب لتسليم رئاسة قمة لم تفدها بشيء، ولم تمكنها من إنجاز مصالحات في العراق الذي زاره نجاد، في رسالة شديدة الوضوح للسعودية ولكل العرب بأن لبلاده النفوذ الأوضح في البلد المحتل .

معن البياري: عام على قمة الرياض
 
27-Mar-2008
 
العدد 19