العدد 19 - بورتريه
 

محمود الريماوي

حين يحار أحد في إطلاق وصف على أحمد اللوزي أو تصنيفه، فإن «أبو ناصر» لا يستغرب السؤال، ويسارع لتصنيف نفسه بغير تردد وبملء الفم إنه : رجل اعتدال وإصلاح. غير أن الانطباع السائد والثابت، أن اللوزي هو عميد المسؤولين الأردنيين وعميد رجال الدولة.وعلى مدى ستين عاما ظل لسان الدولة الذرب وخطيبها المفوه والناطق الفصيح باسمها، والحائز على ثقة المقامات العليا، بهذه المزايا تصدر عنه لا عن غيره عبارة أن الأردن "ولد في النار ولم يحترق».

دراسته للغة العربية في بغداد منتصف أربعينات القرن الماضي،وعمله مدرساً في مدرسة السلط التي تخرج منها، وتعلقه باللغة والأدب العربي طبعت شخصيته، فيغلب عليه استخدام الفصحى أكثر من العامية، والاستشهاد بأبيات الشعر، والتعويل على الأداء اللغوي في التقريب والإقناع.

ويتوافر على طباع المدرسين في الاستذكار و"حفظ الدروس " والانتباه لتسلسل الوقائع، رغم أنه ما زال يحتفظ لمساعده فاروق نوار بموقع الى جواره منذ ربع قرن، في دارته الكائنة في جبل عمان والقائمة منذ العام 1974.

لم يتقلد حقيبة وزارة الإعلام خلال خدمته الطويلة في أرفع المواقع، إلا أنه لعب على الدوام مثل هذا الدور عن قناعة وبموهبة ظاهرة. وما زال قائما به لدى استقباله المعارف والأصدقاء والصحفيين، ولدى الخوض في أي موضوع سياسي، أو حين يتم فتح صفحات التاريخ القريب والبعيد في المكتب -المكتبة- الزاخر بصور ملوك الأردن والهاشميين، وليس بصور صاحب البيت، وبمنافض سجائرأنيقة متعددة الأشكال والحجوم،دون إيذان باشتعال سيجارة للمضيف أو الضيوف.

يشدد اللوزي على نزعته الإصلاحية، ويقول في هذا الخصوص إنه يؤمن إيماناً تاماً بالمساواة بين المرأة والرجل. وقد مكن ابنته السيدة بسمة من التحصيل العلمي العالي في جامعة أميركية،بأكثر مما قدم لنجليه ناصر الوزير السابق والعازب الشهيروالمقيم في البيت العائلي، ومنصور رجل الأعمال الناجح.

لم يعرف عن أبي ناصر تقديمه لمشاريع إصلاحية في مجلس الأعيان أو النواب وكان نائبا في مطلع الستينات عن دائرة عمان التي كانت تضم محافظة الزرقاء، فالرجل من رعيل يتفادى بصورة شبه كلية أن يجهر بتباين او اجتهاد خارج خط الدولة المرعي التقيد به. قد يعمد الى ذلك أو يمتنع عنه مع زملاء ونظراء له من رجالات الدولة وراء غرف مغلقة، غير أنه من أصحاب الرأي ممن يستشارون ويستأنس بأفكارهم، وهو ما فعله على مدى عقود بمعية الحسين الراحل " رجل العصر " كما يصفه اللوزي،مستذكراً ومستمطراً شآبيب الرحمة على الراحل الكبير.في السياق يبادر أبو ناصر فيأخذ على الكاتب والمؤرخ السياسي محمد حسنين هيكل "ضعف مرويات الأخير عن المملكة وتاريخها الحديث وقيادتها". وحين يسترسل ويتباسط يقول كلاماً " أقسى " بحق الصحفي العربي الأشهر.ويستند في ذلك على الخصوص الى المؤرخ سليمان الموسى دون سواه. يذكر أن أحداً من الساسة الأردنيين، وبالذات من شهود الأحداث والوقائع موضع الجدل،لم يكتب ردوداً موثقة على بعض كتابات هيكل المتعلقة بالأردن،وتم إيكال الأمر لمعلقين وأحياناً لأكاديميين.

"الأقل إمكانيات والأعظم دوراً " هكذا يصف الأردن ويستذكر محطات واختبارات قاسية عاشها البلد والشعب ابتداء من نكبة العام 1948 وقيام اسرائيل الذي يصفه بأنه "مؤامرة العصر ". مروراً بهزيمة 1967 التي يراها بأنها كانت محتمة الوقوع، وليس انتهاء بمحنة أيلول 1970الذي لا يقرنه باللون الأسود كما جرت عادة كثيرين بل باللون الأبيض .. لماذا ؟ لأن الأردن لو سقط لا سمح الله،، فلن يستفيد من ذلك أحد كما يقول لاالفلسطينيون ولا غيرهم من العرب، بل الإسرائيليون الذين ما زالوا يرددون بأن لنهر الأردن ضفتين: الأولى لهم والثانية لهم كما يزعمون. يُذكر أن اللوزي ترأس حكومة وصفي التل بعد اغتياله في القاهرة خريف العام 1971 وحافظ على فريقها كما هو ومن وزرائها آنذاك :اميل الغوري، وعبدالله صلاح، وعدنان ابو عودة، وابراهيم الحباشنة، وأنيس المعشر، واسحق الفرحان، "إكراما وتقديراً لروح الشهيد والتزاماً بخياراته " كما يقول أبو ناصر الذي يستذكر هذه الأحداث وأخرى سابقة عليها، كما لو وقعت بالأمس وكمن يقرأ في كتاب مفتوح..حتى إنه يكمل ما يتلوه مدير مكتبه من كتاب ما، فيعقب بأن المعلومات الواردة صحيحة لكنها.. ناقصة. في حكومته الثانية بعد أقل من عام على سابقتها ضمت زهاء نصف عدد الوزراء السابقين، ومن يقرأ تشكيلتها هذه الايام يلحظ أنها ضمت مناصفة أردنيين من أصل فلسطيني وشرق أردنيين، كان ذلك بعد مضي عامين فقط على وقوع أحداث أليمة لا سابق لها. لا حدود على مر التاريخ بين الضفتين وبين الأهل.أصول العائلات تضرب جذورها هنا وهناك.

في المحطات السياسية المفصلية أيضاً يستعيد أبو ناصر "واقعة احتلال بلد عربي لبلد عربي آخر". ويشدد على سلامة الموقف الأردني آنذاك تجاه تلك الأزمة التي عرفت حينها ب"أزمة الخليج". لكنه لا يشير الى الأداء الإعلامي الرسمي مثلاً،الذي لم يبلور الموقف الأردني لجهة رفض احتلال بلد شقيق، ووجوب انسحاب الطرف المحتل، والتعاطف اللازم مع الشعب الكويتي الذي تعرض للاحتلال ولجأت قطاعات كبيرة منه الى دول مجاورة.

يحتفظ أبو ناصر بسمات ونبرة رجل الدولة القائم على مهامه في موقعه، حيث لا محل لمراجعة أو اعتراف بخطأ في تقدير أمر ما. معها يحتفظ ببشاشته ولطفه البالغ وترحيبه الودود بضيوفه،وهم الأكبر بينهم منزلة ومقاماً.أريحيته العفوية جعلته صديقاً لسائر السياسيين والمسؤولين فهو واسطة العقد بينهم،المصاهرة بينه وبين آل الكباريتي (عبدالكريم الكباريتي خال أبنائه)، توازيها مصاهرة روحية مع عائلات وذوات أخرى، وهو من يحفظ الود لسائر العائلات، كما يستحضر سلالاتها وأروماتها في مختلف جنبات الوطن ومناطقه ولسائرأعراقه وطوائفه.

عمر طويل لشيخ الشباب.

أحمد اللوزي: كتاب مفتوح وإصلاحي على طريقته
 
27-Mar-2008
 
العدد 19