العدد 18 - أردني
 

وليد شنيكات

وزارات تتشكل وتلغى فجأة، وعدد منها يرى النور في ساعات متأخرة من مساء التشكيل الحكومي، لتحقيق توازنات في الفريق المشكل، إما للتخفيف من الهجوم على الحكومة أو وفقاً للمزاج السياسي بصرف النظر عن المهام التي شكلت من أجلها على ما يرى وزراء سابقون.

يقول وزير دولة لشؤون الاقتصاد الوطني في حكومة أثير حولها جدل واسع «دخلت الوزارة وخرجت منها من غير أن يوضع لحقيبتي نظام أو قانون، ولا أعرف لماذا أنشئت أصلاً. فقط كانت مسؤولة عن الدائرة الاقتصادية في رئاسة الوزراء ولجنة التنمية الوزارية».

نائب رئيس الوزراء، ووزير الاقتصاد الوطني الأسبق، محمد الحلايقه يؤكد أيضاً أن «وزارته شكلت من دون قانون أو نظام يحدد مهامها».

مسؤول أحد الملفات في وزارة «الاقتصاد الوطني» السابقة يجزم «أن الاقتصاد الوطني كانت فائضة عن الحاجة وفصّلت على عجل ترضية لنائب رئيس وزراء أسبق كان يحمل حقيبة الصناعة والتجارة في وقت سابق». وحين ألغي منصب نائب رئيس الوزراء سعى ذلك الوزير لحمل حقيبة الصناعة والتجارة التي أسندت إلى واصف عازر، بحسب المسؤول السابق. وهكذا عيّن «وزير اقتصاد وطني» لمنصب كان يفترض أن يكون «وزير دولة لشؤون الاقتصاد الوطني» يتخذ مكتباً داخل مقر الحكومة.

سعى ذلك الوزير لإقامة مقر وزارة وبناء هيكلية، لكنه خرج من التشكيلة مبكراً وألغيت الحقيبة لاحقاً. تعاقب على تلك الحقيبة محمد الحلايقة، وسامر الطويل.

تولى وزير الاقتصاد الوطني 15 ملفاً بالإنابة عن رئيس الحكومة من بينها البيئة، التنمية الوزارية، تعويضات حرب الخليج الأولى (1990 - 1991) والحرب الأخيرة على العراق.

غالبية تلك الملفات أنجزت، كما أن ملف البيئة تحول إلى وزارة قائمة بعد أن سنت حقيبة الاقتصاد الوطني تشريعاً لها.

بحسب مسؤول اقتصادي، فإن «وزارة الاقتصاد تفككت مباشرة بعد تشكيل وزارة للبيئة وإغلاق ملف التعويضات بعد أن وصل الخزينة 150 مليون دولار من أصل أربعة مليارات دولار كان طالب بها الأردن».

وزير تطوير القطاع العام، سالم خزاعلة، يرجع ظهور وزارات واختفاءها فجأة إلى «غياب القناعة في التطوير الحديث، وعدم وضوح رؤية الدولة في أذهان صناع القرار».

وزارة «القطاع العام» جاءت وريثاً شرعياً لوزارة التنمية الإدارية وتحمل المهام نفسها تقريباً. هذا الانتقال المفاجئ، بحسب خزاعلة، سببه «فقدان برنامج حقيقي عابر للحكومات يجعل من التطوير أولوية»، لكن خزاعلة يدافع عن وزارته، ويقول: «أهداف الوزارة تحتاج إلى زمن طويل لتلمس النجاحات».

مسؤول رفيع سابق يستذكر كيف أنشئت حقيبة «تطوير الأداء الحكومي» لمتابعة تطبيق الأجندة الوطنية - التي صاغت قبل ثلاث سنوات رؤية استراتيجية لمفاصل الدولة لعشر سنوات مقبلة- إصلاح القطاع الحكومي، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.

لكن ثبت أنه لم يكن «ثمّة نيّة لتطبيق الأجندة الوطنية»، بحسب المسؤول السابق، وبالتالي «لم يعد هناك مبرر لبقاء تلك الوزارة».

«المحزن»، برأي ذلك المسؤول، أنه «عوضاً عن التركيز على أهداف إلغاء حقيبة الإعلام مثلا قبل خمس سنوات وتأسيس وزارة تطوير الأداء الحكومي، تركز الجدال لدى البعض حول التأكد من أن أهداف القرارين لن تتحقق. ولدى الانتهاء من ضمان ذلك، فإنهم يشرعون بمهاجمة القرارات».

وزير سابق، يرى أن الكثير من الحقائب: «وزارات أنشئت وفق رؤى تراعي مصالح شخصية وجهوية وليس عبر قوانين». ويشير الوزير الى حقائب «الإعلام، التنمية الإدارية، تطوير القطاع العام، وزارة الدولة لشؤون الاتصال والإعلام، التنمية السياسية».

كتاب تكليف حكومة فيصل الفايز ركّز على موضوع التنمية السياسية. وجاء التشكيل الوزاري مشتملاً على حقيبة وزارية لهذه المهمة قبل أن يوضع لها قانون أو نظام، بيد أن "التنمية السياسية ما زالت تراوح مكانها مما يطرح تساؤلات حول جدوى انشاء وزارة أصلاً بحسب وزير تنمية سياسية سابق ".

المادة الرابعة من الدستور تنص "يؤلف مجلس الوزراء من رئيس الوزراء رئيساً ومن عدد من الوزراء حسب الحاجة والمصلحة العامة".

الخبير الاقتصادي، إبراهيم سيف، لا يكتفي بالقول إن "كثرة وزارات الاقتصاد على سبيل المثال، هي تخريجة سياسية واسترضاء لفئات معينة". بل يردف قائلاً: "كان يجب تفعيل مؤسسات دولة أخرى لتولي مهام الوزارة الجديدة للتعامل مع المستجدات". إلى ذلك يؤكد أن "توالد الوزارات يؤشر إلى غياب المؤسسية في العمل الحكومي".

مدير الدائرة الاقتصادية، في جريدة "العرب اليوم"، سلامة الدرعاوي، يرى أن الأردن، الذي يقدر عدد سكانه بخمسة ملايين و800 ألف نسمة، "لا يمتلك ترف تشكيل حكومات مترهلة بين 25 و30 وزيراً".

"كثرة الحقائب تشكل عبئاً كبيراً على موازنة الدولة التي يوجد بها أكثر من 500 وزير متقاعد ما يفرض دمجاً حقيقياً للوزارات المتشابهة في أعمالها، وحفز القطاع الخاص على زيادة إنتاجيته حتى يكون قادراً على امتصاص الحمولة الزائدة في القطاع العام".

النائب ممدوح العبادي "لا يرى عيباً في التشريعات الدستورية إنما في رجالات الإدارة وتخبط في القرار السياسي الذي يبيح تعيين وزراء لغايات خاصة وشخصية". ويضيف العبادي أن "إلغاء الوزارات أو تشكيلها بسرعة، أمر يعطي دلالة على القرارات المرتجلة بعيدا عن الدراسات الجادة فمثلاً وزارة تطوير القطاع العام أو مراقبة الأداء الحكومي نشأت فجأة بدون سابق إنذار".

سياسي آخر يرجع تلك الظاهرة الى "استحقاقات مناطقية أو سياسية، غير أن تلك الاجراءات تدلل على مدى ابتعاد الأردن عن تحقيق استقرار ورسوخ في مؤسسات الدولة المركزية".

المحامي هاني الدحلة، يرى أن "الوضع الحالي لا يشكل مخالفة دستورية في تشكيل الوزارات" لكنه يعتقد ان "المحسوبية والوساطة تلعب دوراً كبيراً في استيلاد هكذا حقائب".

خبير في القانون الدستوري، فضل عدم ذكر اسمه، يختلف مع الدحلة، ويقول "إن بعض الدوائر الحكومية تنشأ بقانون نظراً للمهمة التي تقوم بها، كما هو الحال في دائرة الآثار العامة، فيما هناك وزارات يتم استحداثها وفق نظام وليس قانون "وزارات الدولة مثال" وبالرغم من دستورية الأمر، إلا أن هذا يثير تساؤلات حول مهنية العمل بهذا النص".

المادة 45 من الدستور تقول: «يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي تشريع آخر الى أي شخص أو هيئة أخرى، كما تعين صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء بأنظمة يضعها مجلس الوزراء ويصدق عليها الملك".

وتشكيل وزارات كهذه إضافة إلى ما حدث من صخب رافق تشكيل حكومة عدنان بدران أدى، في نهاية المطاف، إلى سقوط سريع نال من سمعتها، جعل وزير التنمية الإدارية الأسبق بسام العموش ينتقد بشدة ما سماه «ولادة الوزارات». ويقول أيضاً: «هناك خلل إداري واضح يتمثل في الكم الهائل في عدد الحكومات التي يتم تشكيلها، إذ أصبح معدل عمر الحكومة في الأردن حوالي تسعة أشهر، وهو أشبه بأعمار المواليد، وهذه الفترة القصيرة لا تمكّن أي حكومة من الوفاء ببيانها الذي نالت الثقة على أساسه من مجلس النواب».

ويؤكد العموش «استمرار الحكومة لمدة أربع سنوات كاملة بالتزامن مع الفترة التي يقضيها مجلس النواب الحل الأكيد لهذه الظاهرة».

ويرى العموش أن الخروج من هذا المأزق يكمن في «فرز مجلس نواب حقيقي يعبر عن إرادة الناس ويكلف الملك رئيس أكبر كتلة حزبية أو برلمانية بتشكيل الحكومة مع المحافظة على فصل النواب عن السلطة التنفيذية بحيث يستطيع الاتجاه السياسي الموجود في المجلس أن يكون في السلطة».

بالتناغم مع المصالح الحكومية، وفي غياب إصلاح سياسي ملموس، ثمة توقعات باستمرار ظهور «وزارات الدعسة الفجائية» تلك وسط انتقادات واسعة في الأوساط السياسية. بيد أن سلسلة «مبادرات» سياسية لوضع حد لهذا النوع من الحقائب ظلت مصحوبة بحملات تسويق كبرى يبدو أنها لن تلقى تجاوباً في الأعوام المقبلة.

فوضى استنباط الحقائب تثير شكوكاً حول جدوى الإصلاح السياسي
 
20-Mar-2008
 
العدد 18