العدد 18 - دولي
 

بعد أسبوع من مظاهرات قام بها سكان إقليم التيبت، رافقتها أعمال عنف شملت حرقا للسيارات ونهبا للمتاجر واعتدءات متبادلة بين رجال الشرطة والمواطنين الصينيين من جهة ومواطنين من ذوي الأصول التيبتية من جهة أخرى في مدينة لاسا عاصمة إقليم التيبت، تمكنت قوات الأمن الصينية من السيطرة على الموقف. في محاولة لاحتواء الأزمة وعدت السلطات الصينية من يسلم نفسه من المتظاهرين أو يرشد إلى المتسببين في التظاهرات بالتعامل معه بليونة، في حين وعدت من لا يسلم نفسه بمعاملة قاسية.

بدأت التظاهرات سلمية ومنظمة بقيادة الرهبان البوذيين ،الذين كانوا يحييون الذكرى التاسعة والأربعين ل»انتفاضة التيبت»، والتي ذهب ضحيتها آلاف التيبتيين وانتهت بهرب زعيمهم الروحي، الدلاي لاما. غير أن هذه التظاهرات ما لبثت أن اتخذت طابعا عنيفا وامتدت إلى مناطق مجاورة مثل سيخوان وكينغاي وغانزو، وحصدت أرواحا من الطرفين قدرتها أوساط محايدة بنحو 16 قتيلا، فيما قدرتها أوساط مناصري حركات التضامن مع التيبت في الخارج بنحو 100 قتيل، وعشرات الجرحى.

وكالة شينخوا الرسمية الصينية حملت «أقلية متطرفة» مسؤولية حدوث أعمال العنف التي وصفتها بالتخريبية، وبثت صورا لهذه الأعمال راح ضحيتها رجال شرطة ومواطنون صينيون لإثبات مصداقيتها، غير أن المتظاهرين ردوا بأن بثوا إلى العالم كله صورا التقطت بأجهزة الموبايل ومواد على شبكة الإنترنت /عكست صورة مناقضة لما قالته بكين التي وجدت نفسها تصارع عدوا خفيا هو كاميرا الموبايل.

كان التوقيت دقيقا، فالصين تستعد لاستقبال وفود رياضية من كل أنحاء العالم للمشاركة في الدورة المقبلة للألعاب الأوليمبية المقررة في آب المقبل، والاستعدادات لهذا الحدث سوف تبدأ قريبا بما في ذلك نقل الشعلة الأوليمبية عبر منطقة الاضطرابات، وهو حدث تعول عليه الصين كثيراً في محو صورتها كدولة قمعية.

الدلاي لاما، زعيم التيبت الروحي الذي اتهمته الصين بأنه محرك الأحداث من بعد، لم يعد يطالب باستقلال إقليم التيبت، واقتصرت مطالبه أخيراً على تحقيق نوع من الاستقلال الثقافي. من الواضح أن ما خلص إليه الدلاي لاما يعود إلى معرفة جيدة بتفاصيل المشهد السياسي العالمي، فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة اكتفت بالدعوة إلى ضبط النفس، في إعلان غير مباشر بأنها لن تتخذ موقفا متشددا مثل ذاك الذي اتخذته أميركا وأوروبا في العام 1980 حين قاطعت الألعاب الأوليمبية التي جرت في موسكو عقابا للنظام السوفييتي على غزوه أفغانستان قبل ذلك بعام.

في صورة ما فإن مسار قضية التيبت ارتبط، إلى حد كبير، بحياة الدلاي لاما الذي كان في الخامسة عشرة من عمره حين غزت الصين التيبت عام 1950، وذلك بعد أِشهر قليلة من تعيينه رئيسا لدولة التيبت، غير أن الصين اعتبرت الدولة التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1913، جزءا من أراضيها التاريخية منذ السلالة المغولية التي حكمت البلاد قبل 700 عام. وبقي الدلاي لاما يخوض غمار التفاوض مع السلطات الصينية حول وضع التيبت مع الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، لكنه لم يحقق نتيجة تذكر، ما مهد الأرضية لاندلاع ما عرف بانتفاضة التيبت عام 1959، التي هرب على إثرها الدلاي لاما إلى الهند وأقام في مدينة دارامسالا، حيث واصل العمل من أجل الحصول على حكم ذاتي حقيقي للإقليم. وفي العام 1965 اعترفت بكين بالتيبت منطقة حكم ذاتي، لكن محاولات سكانها للتظاهر لم تتوقف احتجاجا على ممارسات السلطات الصينية، وخاصة في العام 1966، مع إعلان الثورة الثقافية الصينية التي تضمنت الهجوم على دور العبادة في البلاد، بما في المعابد البوذية.

ويتهم سكان التيبت السلطات الصينية بالسعي إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في المنطقة بتسهيل إسكان الصينيين في الإقليم لزيادة عددهم فيه ونزع الطابع التيبتي عنه. وكانت الصين ترد بأن ما يحدث في الإقليم غير بعيد عن أصابع الدلاي لاما الذي تضاعفت سلطاته المعنوية بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام في العام 1989، أي بعد عام من المظاهرات العنيفة التي شهدها الإقليم حين كان يحكمه «هيو جينتاو» رئيس الصين حاليا.

وضع الصين التي تسعى إلى تقديم نفسها للعالم على أنها بلد مستقر، لا يسمح لها بقمع قاس لحركة سكان التيبت، على غرار ما فعلت في ميدان «تيان آن مين» قبل 19 عاما، والدلاي لاما يدرك بأن ظروف الإقليم لا تسمح له بأكثر من الحصول على استقلال ثقافي، لكن من الواضح أن لسكان التيبت موقفا آخر أعلنوه في صورة عنيفة سجلتها أجهزة الموبايل وبثت تفاصيلها على شبكة الإنترنت.

الصين: قمع ليّن لمتظاهرين يحاربونها بالموبايل
 
20-Mar-2008
 
العدد 18