العدد 18 - ثقافي
 

مراجعة: جون كالفرت*

في هذا الكتاب، يشرع منصور معدل في شرح انبعاث خطابات الحداثة الإسلامية والقومية والأصولية في تاريخ الشرق الأوسط وجنوب آسيا الحديث. يسأل معدل، ما هي العوامل التي دفعت الفاعليات التاريخية إلى صوغ هذه الخطابات الخاصة؟ ولماذا اختلفت هذه الخطابات من بلد إلى آخر. ولماذا تغلبت الأصولية الإسلامية على الأيديولوجيات الأخرى بوصفها خطاب المعارضة المهيمن في العالم الإسلامي الحديث؟ وفي بحثه عن أجوبة عن هذه الأسئلة، يضع معدل نموذجا اجتماعيا يهدف إلى ربط علاقة الأفكار بالتحول الاجتماعي الذي حدث في أرض الإسلام في العصور الحديثة. وهي مهمة طموحة وتتطلب من المؤلف رسم لوحة كبيرة على القماش. ومن حيث التسلسل الزمني، يغطي الكتاب الفترة الممتدة بين سقوط الإمبراطوريات الإسلامية في القرن الثامن عشر وصعود الأصولية الإسلامية خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وعلى المستوى الجغرافي، يتوقف معدل عند أمثلة من النتاج الأيديولوجي في شمال الهند وسوريا ومصر والجزائر والأردن وإيران.

ويركز نموذج معدل التوضيحي على المفهوم التوجيهي لـ"لحدث"، الذي يعرفه بوصفه فترة من الاستمرارية الأيديولوجية تتشكل في إطار السياق السياسي الاجتماعي للدولة الحديثة. وبحسب معدل فإن "الأحداث" تتميز عن بعضها بعضا من خلال الحوادث الحاسمة مثل الانقلابات العسكرية والتقلبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من نسق الانقطاع الأيديولوجي، فإن كل حدث يتصل بما أتى قبله طالما أنه تشكل في الإطار المفهومي السائد. وتقوم الجماعات المعارضة والمثقفون المنشقون بـِ"استهداف" خطاب النظام الاجتماعي أو السياسي الموجود. وفي أثناء ذلك، فإنهم يستوعبون كثيرا من ملامحه التكوينية. ويتضح نموذج معدل من خلال الديالكتيك الهيغلي، غير أنه بدلا من أن يعكس مركبا من الأفكار، فإن خطاب كل حدث جديد يجهد لأن يميز نفسه في صورة استطرادية عما قبله.

في هذا الإطار يضع معدل أربعة احتمالات، يعتمد كل منها، أولا، على ما إذا كان الحقل السائد للمعنى تعدديا أو كليا، وثانيا، على ما إذا كان الهدف هو المجتمع المدني أو الدولة. وبحسب معدل فإن الحداثة الإسلامية التي ظهرت في الهند ومصر وإيران خلال القرن التاسع عشر استهدفت التعددية المتحولة للمجتمع المدني الإسلامي التقليدي وشكلت بواسطتها. وبالطريقة نفسها، فإن الانفتاح النسبي للقومية الليبرالية في بدايات القرن العشرين عكست تعددية الملكيات الضعيفة المسيطر عليها من الخارج، ونخب الدولة في مصر وسوريا وإيران.

وفي المقابل، فإن الخطابات الشمولية داخل المجتمع المدني تميل إلى أن تكون مستهدفة من قبل الخطابات الواحدية للمجموعات الطائفية، مثل، حركة بابي المعارضة في القرن التاسع عشر في إيران، والتي تحدت المؤسسة الدينية الشيعية في حين أن الأيديولوجيات الشمولية التي تميز الدول البيروقراطية السلطوية أفرزت صورتها العاكسة في الخطاب الواحدي للأصولية الراديكالية. وبحسب معدل فإن منطق هذه الأصولية متضمن في تحدي النظام الجمهوري في مصر من قبل سيد قطب وتلامذته، وفي الخطاب السلطوي لجبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر والتي تشكل نسخة مؤسلمة غير مهادنة للقومية العلمانية لجبهة التحرير الجزائرية.

وفي كلتا الحالتين، فإن متحدي الأصولية حاولوا قلب ممارسة سيادة الدولة وأيديولوجيتها على رأسها. ويدرك معدل وجود تنويعات على نموذجه، فهو يشير إلى المملكة الأردنية الهاشمية حيث لم توفر أيديولوجيا الدولة المتنوعة نسبيا الشروط اللازمة لنهوض أصولية متطرفة، وإلى جمهورية إيران الإسلامية حيث ميزان القوة بين القائد الروحي والرئيس والبرلمان قد خفف من الشمولية وأدى إلى انبعاث تيار تعددي معارض يمثله، في أبرز صوره، عبد الكريم سورش.

خلال صوغه لمنهجه، يطرح معدل أسئلة حول نظريات ماركس وماكس فيبر ودوركهايم، والذين أثبت كل منهم، بطرق مختلفة، وجود تطابق بين الأيديولوجيا والتركيبة الاجتماعية. وبحسب معدل فإن هذه النظريات شديدة الاختزالية. فالنظرية الماركسية حول الطبقات، مثلا، لا يمكنها تفسير السبب في أن الأصولية في مصر كان رأس حربتها الطبقة الوسطة الحداثية، وفي إيران قادها العلماء وتجار البازار. وعلى أي حال، فإنه يرفض المنهج ما بعد الحداثي لفوكو وإدوارد سعيد. ورغم أنه يتفق مع سعيد على أن النصوص الدينية والأدبية تشكل إشارات ضئيلة الأهمية للسلوك الاجتماعي للمسلم، فإنه لا يعتقد، مثل سعيد، بأن الخطاب يشكل أساسا من قبل السلطة. وبدلا من ذلك يستوحي بعض أعمال روبرت ووثنو وراندل كولينز مجادلا بأن الأيديولوجيات تنتج في إطار بيئات تاريخية محددة. وهذا المنهج يحرره بحيث يدرس الموارد المتعددة وتأثيرات المثقفين والتكوينات الاقتصادية والمواجهات الاقتصادية الاجتماعية التي توفر لكل من "أحداثه" خصوصية تاريخية. قد يكون تبني هذا المنهج مثمرا لتقصي تغيرات أيديولوجية أخرى في المنطقة. ويتساءل المرء كيف يمكن تطبيقه، مثلا- لفهم انبعاث العولمة الأصولية الإسلامية أخيرا والتي تقصاها أوليفر روي.

إن معدل واضح فيما يتعلق بالمنهجية، ولكن الجزء الأساسي من كتابه يتكون من حالات دراسة تكتسي لحما من خلال التفاصيل. فهو يرجع إلى الأعمال الثانوية المهمة في هذا الحقل، وكذلك إلى كثير من المراجع الأولية. إن المدرسين وطلاب المراحل المتقدمة في تاريخ الشرق الأوسط سوف يقدرون الحرص الذي جمع به روايته الخاصة بالتغيير والثورة في قلب العالم الإسلامي ويستفيدون منه. وفي هذه الفصول الوسطى من الكتاب يوفر معدل شرعية تاريخية لدعواه المركزية بأنه "كلما كان تدخل الدولة بالثقافة أكبر، كلما زاد احتمال صعود الأيديولوجيات السياسية؛ وكلما قل تدخل الدولة في الثقافة، زاد صعود الأيديولوجيات الاجتماعية." (ص 17) لقد وضع منصور معدل عملا في علم الاجتماع التاريخي المقارن يوفر مثالا مقنعا لتطور الأيديولوجيات الإسلامية الحديثة.

* بالتعاون مع المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط 39 (2007)

International Journal of Middle East Studies

الحدث والخطاب: الحداثة الإسلامية والقومية والأصولية
 
20-Mar-2008
 
العدد 18