العدد 18 - ثقافي
 

عرض: غراهام روب

ما زالت لدى ألكسندر دوما (الأب) (1902-1870) رواية جديدة يقدمها لقرائه هذا العام. إنها قصة الفارس الأخير (المنشورة بالفرنسية عام 2005 وبالإنجليزية عام 2008)، والتي تقدم نموذجا للأقدار الملتوية للمغامرين الذين يكتب عنهم دوما من أمثال الكونت دي مونتي كريستو والفرسان الثلاثة. وقد اكتشف الناقد المختص بأعمال دوما كلود شوب بقايا مخطوطة الكتاب بينما كان يتقصى حياة الروائي في الثمانينيات في المكتبة الوطنية في باريس. وقد عثر شوب بالمصادفة عليها بينما كان يبحث عن معلومات منسية حول دوما، وبدلا من ذلك وجد رسالة كتبها دوما ردا على نقد كتب عن قصة تجري أحداثها في عهد نابليون. وقاد مزيد من التقصي شوب إلى "الفارس الأخير"، وهي قصة ملحمية نموذجية لأدب دوما يقدمها على مدى 118 فصلا من دون أن يصل إلى أي خاتمة.

كتب دوما الرواية في نهاية حياته، ونشرها مسلسلة في شهري كانون الثاني وتشرين الأول من العام 1869 قبل أن يرحل عن عالمنا في العام 1970. ويتذكر شوب في مقدمته الرشيقة أنه بعثوره على رواية "نشرت مسلسلة على مدى ما يقرب من العام، بإمكاني أن أتخيل أنني لا بد كنت على درجة من السعادة وكأنني اكتشفت إلدورادو (أرض الذهب). ان دوما نفسه سيفعل بها حين كان يحول حلقات ملحمة أخرى إلى رواية. وقد وصلت المخطوطة في صيغتها الجديدة إلى محلات بيع الكتب الفرنسية قبل عامين لتلقى الثناء من جانب النقاد والقراء على حد سواء.

والآن تظهر المخطوطة التي اكتشفها شوب لأول مرة بالإنجليزية بمساعدة مترجمها لورين يودير، ولهم كلهم يعود الفضل في جعل "الفارس الأخير" تقرأ وكأنها إحدى كلاسيكيات دوما، ببطلها هكتور، كونت سانت هيرمين. وكما يلاحظ شوب فإن هكتور منتقم، مثل إدمون دانت في الكونت دي مونت كريستو، فكل منهما يعاني بوصفه لاعبا صغيرا في الصراعات السياسية – وهو يخسر كل شيء نتيجة لذلك؛ دانت يخسر حب حياته بسبب المؤامرات السياسة في "مونت كريستو"، أما هكتور، ففي يوم زواجه، يبر بوعد أقسم عليه لقائد متمرد أساء إليه نابليون، بدلا من الزواج من فتاة أحلامه. إنه يقاتل نابليون من دون ندم، وفي النهاية، فإن سلطة نابليون الصاعدة تكلف هكتور والده واثنين من أخوته بسبب تعاطفهم مع الملك البوربوني المخلوع. وبينما يتخلى دانت عن ماضي التشرد الذي يعيشه لصالح أجواء أرستقراطية وهو يتعقب انتقام حياته، فإن هكتور يحيد عن ماضيه بإسقاط لقبه المبجل وتحجيم خلفيته النبيلة.

تشترك الروايتان في تمتعهما بمزايا دوما الكلاسيكية بالقص من دون توقف الممزوج بالجرأة، وقد يكون جيمس بوند وإنديانا جونز وآخرون يدينون بفضل كبير إلى دوما الذي يملأ حكاياته بمغامرات مثيرة وأمكنة غرائبية.

يجوب هكتور الكرة الأرضية بحثا عن المغامرة، ويأمل بموت سريع، ولكنه يفشل في ذلك في صورة مدوية. وبفضل الله، ودوما كذلك، يأخذنا هكتور المتحفز للتجوال من باريس إلى أدغال بورما وما وراءها، ويقتل سمكة قرش بسكين وهو ينقذ بحارا في مياه المحيط. وفي جزر الهند الشرقية يقتل هكتور عددا من النمور ويقتل أفعى طولها أربعة أقدام ويدرب الفيلة لحمايته في أثناء رحلته. ولم تكن تلك سوى البداية، ففي كل منعطف يواجه هكتور المخاطر ولكنه يستمر. ويروي لنا دوما حكايته الطويلة بفرح وبغمزة محببة من عينه. يحاول هكتور أن يخفي أهميته بانتحال اسم رينيه العادي، ولكن مغامراته تفوق التصنيف، فنابليون يبقي على حياته بعد أن يفقد أثر الحكم السياسي بالسجن على هكتور، ولكنه يحكم على الكونت سانت هيرمين بالقيام بدور وضيع كجندي عادي. وعلى أي حال، فإن هكتور يتألق أينما ذهب مثل زيلغ (شخصية في فيلم لوودي آلن يحمل الاسم نفسه) متحمس وشجاع. وهو يصل في ذروة معركة الطرف الأغر ويقتل اللورد نلسون في لمحة إضاءة فريدة في يوم هزيمة البحرية الفرنسية.

تعاني رواية "الفارس الأخير" من الاستطراد والخطابية – وهي نقطة ضعف مشتركة في روايات دوما. ومن الجدير بالتذكر أن دوما كان يكتب بانتظام حلقات مسلسلة مليئة بالحشو، جزئيا لأنه كان قاصا غير عادي، وجزئيا لأنه كان مبذرا غير عادي، وعلى الدوام على حافة الإفلاس. لا يمكن لكائن أن يقاوم رواية دوما الكلاسيكية المفقودة، رغم أن عظمتها الملحمية مخدوشة قليلا لافتقارها إلى خاتمة. فهي تتوقف فقط، وهذا الافتقار المحبط، إن لم يكن أكثر، للخاتمة، يمثل تحية تقدير مناسبة لهذا القاص الذي لا يكل، فالموت فقط هو الذي كان قادرا على إسكاته.

ولد ألكسندر دوما في 24 تموز 1802 في قرية فييه كوتيريت في منطقة أين شمال شرقي باريس. وكان أجداده لوالده ينتمون إلى طبقة النبلاء، فقد كان جده قوميسارا عاما في سلاح المدفعية في مستعمرة سان دومينيك (الآن هاييتي)، أما زوجته ماري كوسيت دوما فقد كانت من عبيد الكاريبي الأفارقة السابقين. وقد تزوج ابنهما ثوماس ألكسندر دوما من ماري لويز إليزابيث لابوريه، وهي ابنة مدير فندق. وكان ثوماس ألكسندر جنرالا في جيش نابليون، ولكنه فقد الحظوة، ما أدى إلى إفقار العائلة.

حين ولد دوما الصغير كانت عائلته قد فقدت جميع مظهر الثراء، وكانت والدته الأرملة تكافح لتوفير تعليم لائق له. توفي الجنرال دوما في العام 1806، قبل أن يبلغ ألكسندر الرابعة من عمره، تاركا لوالدته المفقرة أن تربيه في ظل هذه الظروف الصعبة. ورغم أن ماري لويز كانت غير قادرة على توفير الكثير لابنها في مجال التعليم، فإن ذلك لم يقف حائلا بين ألكسندر الصغير وحبه للكتب، فقرأ كل شيء وقعت عليه يداه.

حين كبر ألكسندر، كانت قصص والدته عن شجاعة والده أثناء خدمته العسكرية خلال سنوات مجد نابليون الأول تغذي خياله الخصب حول المغامرة والأبطال. ورغم فقرها فإن أسرته كانت لا تزال تملك شهرة والده الكبيرة وارتباطاته الأرستقراطية، وبعد عودة الملكية انتقل الكسندر الذي كان في الحادية والعشرين من عمره إلى باريس حيث حصل على عمل في مكتب دوق أورليان في القصر الملكي. وبالرغم من طفولته الصعبة فإن دوما حقق نجاحا ككاتب مسرحي وروائي بحلول أربعينيات القرن التاسع عشر. وقد كتب ما يزيد على عشرين رواية وقصصا ويوميات تاريخية حول مغامرات كبرى استحوذت على خيال الجمهور الفرنسي الذي كان ينتظر بصبر فارغ شراء مسلسلاته الملحمية المستمرة. وقد وفرت له كتاباته كثيرا من المال، ولكن دوما كثيرا ما كان يقع ضحية للديون نتيجة لإنفاقه الباذخ على النساء والحياة رفيعة المستوى. وكثيرا ما كان "قصر مونت كريستو" الذي بناه يمتليء بالغرباء والمعارف الذين كانوا يستفيدون من كرمه.

وفي الثلاثين من تشرين الثاني 2002 سجي جثمان ألكسندر دوما الأب في البانثيون في باريس جنبا إلى جنب مع "عظماء أجدادنا" من الرجال (وامرأة عظيمة هي ماري كوري). وعلى الرغم من رغبة دوما في أن يدفن مع والديه، فإن بلدته الأصلية فييه كوتيريت اضطرت للموافقة على نقل رفاته إلى العاصمة. وقد رافق جثمانه مئة ممثل يرتدون ملابس شخصيات رواياته إلى مثواه الأخير. وقد لف الكفن بقماش مخملي أزرق كتب عليه الشعار المعهود للفرسان الثلاثة: "الكل للواحد والواحد للكل"!

نيويورك ريفيو أوف بوكس 2008

بعد “الفرسان الثلاثة” : ألكسندر دوما يكتب “الفارس الأخير”
 
20-Mar-2008
 
العدد 18