العدد 18 - احتباس حراري
 

في الوقت الذي يمكن فيه للدول المتقدمة صناعيا أو تكنولوجيا أو الدول ذات الثراء المادي الذي يسمح بشراء التكنولوجيا المستوردة أن تساهم في تطوير إستجابات لمواجهة آثار الإحتباس الحراري فإن الدول الفقيرة تبقى هي الأكثر عرضة للمشاكل وهي التي تعاني في نهاية الأمر من عدم إمتلاك الموارد الكافية لمقاومة الإحتياس الحراري وبالتالي الإضطرار إلى التكيف معه. وقد كان من المفارقات أن الدول العربية التي حققت الريادة في التخطيط لكيفية التكيف مع آثار الإحتباس الحراري كانت هي الدول الأكثر فقرا وليست الأكثر غنى، والتي ما زالت تعتمد على القدرة المادية لشراء التكنولوجيا الجاهزة من الخارج.

وكانت أول دولة عربية قدمت برنامجا وطنيا للتكيف مع الإحتباس الحراري هي موريتانيا في تشرين الثاني 2004 ومن بين الدول العربية الأخرى قدمت كل من جيبوتي (أكتوبر 2006) والسودان (تموز 2007) الخطط الوطنية للتكيف حيث أن هذه الدول الثلاث مصنفة ضمن الدول الأقل نموا.

ركزت خطة موريتانيا على مجموعة من القطاعات هي الثروة الحيوانية والغابات والزراعة والمياه والأنظمة البيئية الجافة والصحراوية والأنظمة البيئية البحرية والساحلية. وإقترحت الخطة 28 إحتياجا للتكيف تغطي هذه القطاعات.

في مجال الثروة الحيوانية تم التركيز على تحسين نوعية وكمية أعلاف الحيوانات، والتحسين الوراثي لمنتجات الثروة الحيوانية وزيادة فرص إنتقال وحركة الثروة الحيوانية في البلاد للحصول على الكلأ. أما في قطاع الغابات فكانت أهم الإحتياجات توثيق حالة موارد الغابات وإيقاف استخدام الغابات مصدرا للحطب للطاقة من خلال إدخال مصادر جديدة للطاقة في المناطق الريفية وتقوية القدرة المؤسسية للجهات المعنية بحماية الغابات.

أما في مجال الزراعة فكان التركيز على تحسين كفاءة تكنولوجيا الفلاحة وإدخال البذور المقاومة للجفاف وذات الإنتاجية العالية وإدخال وسائل الري الحديثة في الواحات. وفي قطاع المياه تم التركيز على تطوير الطاقة المائية في السدود ووسائل الري الحديثة وحماية موارد المياه الجوفية. وفي قطاع البيئة البحرية والساحلية تراوحت الإقتراحات ما بين حماية السواحل من تمدد مياه البحر وخاصة في المناطق المأهولة إلى تحسين كفاءة أساليب صيد الأسماك وتحسين تخطيط المدن الساحلية بما يتماشى مع التكيف للتغير المناخي وإقامة المحميات البحرية.

بالنسبة لخطة السودان التي تم إعدادها بعد ثلاث سنوات من خطة موريتانيا فقد إقتصرت على ثلاثة قطاعات رئيسية مما أعطى ميزة التركيز كما تضمنت أفكارا جديدة لنشاطات التكيف. القطاعات التي تم تحديدها في خطة السودان هي الزراعة والموارد المائية والصحة العامة.

في قطاع الزراعة تم تحديد 10 إحتياجات للتكيف من أهمها إدارة المراعي والغابات من خلال المجتمعات المحلية، وإستبدال قطعان الماعز بالأغنام لتخفيف الرعي الجائر، واستخدام مصادر طاقة بديلة لحطب الغابات والأشجار وتحويل استخدامات الأراضي من الزراعة إلى تربية المواشي وإدخال البذور المقاومة للجفاف وتطوير أنظمة إنذار مبكر ضد الجفاف وحماية المراعي. أما في قطاع الموارد المائية فقد تم إختيار 9 إجراءات تكيف منها إدخال تقنيات مناسبة وجديدة للحصاد المائي ودعم إجراءات تقليدية ومحلية لترشيد استهلاك المياه وإعادة تأهيل السدود القائمة لزيادة القدرة على تخزين المياه وإدخال ممارسات زراعية متلائمة مع ترشيد استهلاك المياه واستخدام نظام قروض دوارة لدعم تنفيذ مشاريع الحصاد المائي المنزلية. وفي قطاع الصحة العامة تم تطوير 6 مقترحات لنشاطات التكيف منها تحسين الخدمات الطبية ووسائل الإصحاح Sanitation في المجتمعات الريفية ودعم برامج التوعية ضد الأمراض المرتبطة بالإحتباس الحراري مثل الملاريا واللشمانيا وتحسين وسائل الري لمقاومة تراكم المياه الآسنة التي تعتبر بيئة مناسبة لتكاثر الحشرات الناقلة للأمراض وتطوير موارد مائية حديثة للشرب بديلة عن المياه الآسنة.

ويلاحظ من هذه الإجراءات أنها تمثل أفكارا وبرامج تم تطبيقها بنجاح في العديد من المشاريع الوطنية وهي يمكن أن تمثل برنامجا متكاملا للتكيف مع التغير المناخي ولكنها تحتاج في الأساس إلى الموارد المالية والفنية والتي سيتم تغطيتها بواسطة الدعم الخارجي من المنح والقروض الدولية.

الدول العربية الفقيرة تبدأ إجراءات التكيف
 
20-Mar-2008
 
العدد 18