العدد 18 - حريات
 

سُحبت الجنسية الأردنية من أولاد "أم مجد الدين" الأربعة بعد عودتهم من زيارة قصيرة إلى الضفة الغربية، في العام 2000، ومنحتهم "دائرة المتابعة والتفتيش" بطاقات جسور خضراء (يحملها المقيمون في الضفة الغربية)، برغم أنهم من مواليد عمّان، ولم يكونوا سابقاً قد عاشوا في الضفة الغربية، أو حملوا البطاقات الصفراء (المخصصة للمقيمين في الأردن).

بدأت القصة حين قرر الأب، خالد حافظ عاشور، الذي التحق بالعمل في إحدى المؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية في العام 1999، اصطحاب أولاده إلى الضفة الغربية: يسار 19 سنة (حالياً)، مجد الدين 17 سنة، دانا 12 سنة، عزالدين 11 سنة، واستصدار هويات فلسطينية لهم، بغرض تسهيل زياراتهم إلى هناك. وقد أدت حيازة الأولاد على هوية فلسطينية، لإلغاء الرقم الوطني عن الأربعة في أثناء مراجعاتهم دائرة الأحوال المدنية والجوازات، بغرض استصدار وثائق الهوية أو شهادة الميلاد أو جواز السفر. في ضوء الواقع الجديد، اضطرت أم مجد الدين، التي ما تزال تحتفظ بجنسيتها الأردنية، لاستصدار إقامات لأولادها بغرض إتمام دراستهم في المدارس، ثم في الجامعات، ومواصلة العيش في البيت الذي ولدوا فيه.

ومثل عائلة "عاشور"، هناك الكثير من الحالات التي سُحبت منها الجنسية الأردنية، بدعوى تطبيق قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، الذي اتُخذ في 31 تموز/ يوليو 1988، وأنهى "وحدة الضفتين" التي كانت أُعلنت في العام 1950. وقد أحجمت عدة عائلات عن إعلان أسمائها وشرح ما جرى معها، لدى زيارتها من قبل "ے"، معتقدة أن ذلك قد يُعقّد مشكلتها أكثر، ويحول دون قبول الحكومة إعادة الجنسية لأفرادها.

وبحسب ما أعلنته لجنة الحريات النقابية، في أثناء ندوة عقدتها قبل نحو ثلاثة أسابيع حول سحب الجنسية الأردنية، فإن إجراءات سحب الجنسية طالت حتى الآن نحو أربعين ألف شخص، منذ العام 2000، وأن ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مواطن أردني من أصول فلسطينية تُسحب جنسياتهم الأردنية شهرياً.

تُعرّف الجنسية، بحسب كتاب «مبادئ القانون الدولي الخاص» لمؤلفه د.محمد عبد المنعم رياض، بأنها «الرابطة القانونية التي تربط فرداً بدولة ذات سيادة، فيصير من رعاياها قانوناً»، كما تُعرّف بأنها «الأداة التي يتم على أساسها التوزيع القانوني للأفراد بين سائر الدول» بحسب كتاب «الجنسية والقومية في تشريعات الدول العربية» لمؤلفه د.سعيد يوسف البستاني.

في تصريحات سابقة، كان عوني يرفاس، وزير الداخلية السابق ومدير دائرة الأحوال المدنية والجوازات السابق، قد اعتبر أن عمليات سحب الجنسية تقع في باب إجراءات «إعمال السيادة الوطنية»، إذ يتم سحب الجنسية الأردنية من كل المقيمين في الضفة الغربية، الذين لا تثبت إقامتهم في الأردن قبل تاريخ قرار فك الارتباط، وكذلك من العاملين لدى السلطة الفلسطينية، والحائزين على جواز سفر فلسطيني، وكل من يطلب الحصول على بطاقة جسور خضراء لعدم رغبته في أداء خدمة العلم، معتبراً أن هذه الإجراءات هدفها مواجهة نوايا إسرائيل في تفريغ الأرض الفلسطينية من الشعب الفلسطيني.

لكن ناشطين ومتخصصين في مجال حقوق الإنسان، مثل المحامي عاصم ربابعة، مدير مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان، يرون أن ثمة تعسفاً في تطبيق الإجراءات، ويرفضون اعتبار جواز السفر الفلسطيني بمثابة جنسية فلسطينية، بل مجرد «وثيقة سفر»، لعدم وجود دولة فلسطينية حتى الآن، ولأن قرار فك الارتباط لم يستند إلى أساس قانوني أو دستوري، بل صدر بقرار سياسي محض. ويقول ربابعة إن التعسف في الإجراءات يعود، في كثير من الأحيان، لنقص الخبرة والدراية لدى الموظفين القائمين على التطبيق، بخاصة لأن قرار فك الارتباط غير متاح عملياً لمن أراد الاطلاع عليه، فضلاً عن أن التطبيقات تهتم، بالدرجة الأولى، بإثبات الإقامة في الأردن قبل تاريخ فك الارتباط، ما يعني أن الجنسية تُسحب حتى ممن كانوا يقيمون في أوروبا مثلاً، بدعوى أنهم غير مقيمين في الأردن، حتى لو لم يكونوا زاروا الأراضي الفلسطينية أبداً. يرى ربابعة أن هذه الاجراءات تهدد استقرار كثير من العائلات وتُربك معيشتها وتفاصيل حياتها، كونها تتصل بشبكة من الحقوق مثل العمل والتعليم، ولا تتوقف عند الحق في الجنسية وحده.

على أن قرارات سابقة لمحكمة العدل العليا، قضت برد دعاوى تعترض على سحب الجنسية من رافعيها، كانت أشارت إلى نصوص ذات صلة بسحب الجنسية في «قرار فك الارتباط»، منها ما أوردته المحكمة في قرارها الصادر بتاريخ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقضى برد دعوى أقامها شخص سُحبت جنسيته الأردنية، اعتراضاً على قرار مدير دائرة الأحوال المدنية والجوازات، ومدير الأحوال المدنية بالزرقاء، بصرف دفتر عائلة باسم زوجته أردنية الجنسية، وتظهير جنسية أبنائهم إلى الفلسطينية تبعاً لوالدهم. إذ جاء في قرار المحكمة أنها «استندت إلى المادة الرابعة من تعليمات قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، بأن كل من يحمل بطاقة جسور خضراء يعتبر فلسطيني الجنسية بغض النظر عن أماكن تواجده»، وكذلك «إلى نص المادة السادسة من نفس قرار فك الارتباط، والتي تنص على أنه إذا كان الأب فلسطيني الجنسية ويقيم إقامة فعلية في الضفة الغربية أو يحمل بطاقة جسور خضراء، وأولاده قاصرون وليس لديهم لمّ شمل، فيعتبر الأولاد فلسطينيي الجنسية».

وكان «المركز الوطني لحقوق الإنسان» ذكر في آخر تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، أصدره في مطلع العام الماضي، إنه تلقى خلال العام 2006 العديد من الشكاوى المتعلقة بالحق في الجنسية، ملاحظاً أن هناك «انتهاكات واضحة تقع على حق الأفراد بالجنسية، مما يترتب عليها العديد من الآثار والنتائج الخطيرة" بحسب المركز. وقد عدّ المركز من تلك الانتهاكات:

- سحب الوثائق الرسمية من العديد من المواطنين (جوازات سفر، هويات أحوال مدنية، أرقام وطنية، وثائق الإقامة، رخص قيادة السيارات)، استناداً إلى قرار فك الارتباط، حيث يبقى هؤلاء من دون جنسية أو أية وثائق رسمية تثبت شخصيتهم، ما يحرمهم حق التنقل والسفر.

- إبعاد عدد من الأفراد الذين كانوا يقيمون بشكل شبه دائم عن أراضي المملكة، والمتزوجين من أردنيات، تاركين أزواجهم وأطفالهم بسبب سحب الوثائق التي كانوا يحملونها.

- سحب الوثائق الشخصية العائدة لأشخاص مولودين في المملكة، ويقيمون فيها لأكثر من ثلاثين عاماً، وخدموا في العديد من أجهزة الدولة، استناداً الى قرار فك الارتباط، مما ترتب عليه فقدان أبنائهم الأوراق الثبوتية اللازمة لإثبات شخصياتهم.

- استرداد جوازات السفر الممنوحة لبعض الأشخاص لدى مراجعتهم دائرة الأحوال المدنية لتجديد وثائقهم الرسمية، وتبليغ هؤلاء الأشخاص بعدم أحقيتهم بالحصول على أية وثائق أو الجنسية الأردنية لعدم انطباق قانون الجنسية عليهم.

ولاحظ المركز الوطني في تقريره أن آثاراً سلبية كثيرة تترتب على سحب الجنسية وفق تلك الإجراءات، منها إهدار حق الأشخاص في الجنسية، وهو حق إنساني معترف به في المواثيق الدولية والقوانين الوطنية كافة، وكذلك حرمان الأطفال من حقهم في التعليم، وبخاصة في المراحل الأولى الإلزامية، نتيجة سحب الوثائق الرسمية من آبائهم، ثم تقييد حرية التنقل بحيث يصبح الشخص غير قادر على التنقل داخل الدولة وخارجها، وكذلك الحرمان من العمل وكسب العيش، لأن كثيرين فقدوا وظائفهم بعد فقدانهم الجنسية، ما تترتب عليه أضرار نفسية ومعنوية، قد تدفع البعض لأن يسلكوا طرقاً غير مشروعة لكسب عيشهم. وأوصى المركز الوطني لحقوق الإنسان أن لا يتم منح الجنسية ونزعها إلا وفقاً للقانون، مستنداً لنص المادة الخامسة من الدستور التي توضح أن "الجنسية الأردنية تحدد بقانون»، مطالباً بعدم الاستناد في إجراءات الجنسية إلى قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، ولا لأية تعليمات صادرة بموجبه.

يُشار إلى أن إجراءات سحب الجنسية لا تُطبق على أساس التخيير بين الجنسيتين الأردنية والفلسطينية، بل يتم تنفيذها من دون الرجوع إلى الشخص صاحب العلاقة، بحيث يُلزم بالهوية الفلسطينية.

تعسّف أم إعمال للسيادة و“القانون”؟: سحب الجنسية الأردنية يُهدد استقرار عائلات ويُربك حياتها
 
20-Mar-2008
 
العدد 18