العدد 18 - كتاب
 

رغم تدفق الاستثمارات إلى قطاع العقارات، لم تتغير نسب البطالة أو الفقر الأمر الذي يُمثّل أحجية أساسية لدارسي ومتابعي الاقتصاد. فالاستثمار يعد موّلداً أساسياً لتوظيف العمالة.

فعلى سبيل المثال أدت استثمارات قطاع الاتصالات إلى خلق أكثر من 2200 فرصة عمل جديدة، وبمعدلات أجور تفوق تلك التي تدفعها البنوك وأي قطاع آخر. إذن، لماذا لم يؤد سيل الاستثمار في البناء والأراضي إلى زيادة التوظيف في الأردن وحل مشكلة الفقر؟.

من حيث المبدأ، يعتقد أنصار الاستثمارات العقارية أن عملية بيع الأراضي تحرر رؤوس الأموال المحلية لتتوجه نحو استثمارات مباشرة أخرى إنتاجية، وبذلك فإن مثل هذا الاستثمار جيد للأردن ولا يختلف عن غيره في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية.

في الواقع يخالف هذا التحليل المشاهدات العملية في السوق الأردنية، إذ إن معظم من يبيع أرضاً يشتري أرضاً أخرى بهدف بيعها أيضاً، وذلك لوجود معيقات للاستثمار في القطاعات الإنتاجية مثل: الصناعة والسياحة والنقل والتعدين، فضلاً عن صغر حجم السوق، وسرعة تغير التشريعات، ورسوم وضرائب، وإجراءات طويلة الأمد وانخفاض العائد نتيجة الغلاء، وموانع أخرى للدخول كعدم توافر العمالة والخبرات.

لهذا تنتقل الأموال من أرض إلى أرض في عملية مضاربة شبيهة بما حصل في سوق الأسهم قبل سنتين، ويحدث حالياً. هذه المتوالية تؤدي إلى شراء الأرض أو العقار مع العلم بأنه لا يساوي المال الذي يدفعه المشتري، ولكنه يشتريه أساساً لبيعه لشخص سيدفع فيه سعراً أعلى (نظرية أن هناك مغفلاً أكبر سيدفع أكثر، وهي نظرية معروفة في دراسة الفقاعات في أسواق رأس المال). وبالمحصلة، فإن أي قرار حكومي سلبي كوضع ضرائب أو رسوم جديدة، أو مشاريع غير مدروسة بروية، أو تدخل أبوي في اقتصاديات السوق، أو حصول تباطؤ طبيعي في السوق نتيجة لانحسار السيولة الخليجية الذي يظل الدافع الأكبر لحركة السوق في الأردن، سيؤدي إلى الهلع والبيع المفاجئ.

وبالنتيجة، فإن عملية انتقال الأموال من أرض إلى أرض لا تؤدي إلا إلى تشجيع الأنماط الاستهلاكية وغير الإنتاجية. كأن تنفق الأموال على السلع الفاخرة كالشقق والسيارات الفاخرة، أو تذهب لتودع في البنوك في الداخل، كما حصل في العام الماضي حين ارتفعت معدلات السيولة في البنوك الى مستويات غير مسبوقة، أو لشراء أراض وعقارات أخرى، أو حدوث مزيد من الغلاء ينتقل من الأرض إلى الغذاء ويذهب ضحيته الفقراء وذوي الدخل المحدود.

لا يوجد مفرّ من تحسين تنافسية القطاعات المنتجة لحل مشاكل الفقر والبطالة في الأردن، فحركة الأراضي والبناء ما هي إلا أنشطة قصيرة الأمد لا تؤدي إلى توظيف على المدى البعيد. بل تؤدي، في الغالب، إلى ارتفاع الأسعار وتراجع معدلات النمو، كما حصل هذا العام والعام الماضي الذي سبقه بعد طفرة عام 2004، حين بدأ معدل النمو بالتراجع من 8.2 بالمئة إلى حدود توقعات صندوق النقد الدولي 5.5 بالمئة، على الرغم من نشاط قطاع العقارات الذي سيبقى أكبر مجمد لرؤوس الأموال في الأردن.

يوسف منصور: العقارات والتنمية
 
20-Mar-2008
 
العدد 18