العدد 18 - أردني
 

حسين أبورمان

تسود حالة من الترقب والقلق أوساط المستأجرين والمالكين بانتظار التعرف على التعديلات التي ينتظر أن تقترحها الحكومة على قانون المالكين والمستأجرين الذي أثار، وما زال يثير، جدلاً واسعاً.

يتحول القانون في مادته الخامسة سيفاً مصلتاً على رقاب المستأجرين القدامى ممن شغلوا «مأجورهم» قبل عام 2000. فهو يتهددهم بالطرد من مساكنهم أو محالهم التجارية، بحلول عام 2010، إذا لم ينصاعوا لشروط المالكين، التي لا ضوابط لها من أي نوع.

المواد المقلقة للمستأجرين، جاءت عبر قناة القانون رقم 30 لسنة 2000 المعدِّل للتشريع الأصلي الصادر عام 1994، الذي استهدف معالجة انحياز التشريع إلى جانب المستأجرين، ومحاولة التوفيق بين مصالح هؤلاء ومصالح المالكين.

المحامي باسل البسطامي الذي شارك في صوغ القانون المعدِّل، أرجع الجذور التاريخية للقانون الأردني الصادر عام 1953، والذي أسس للحماية التي يمتع بها المستأجرون على مدى نصف قرن تقريبا، إلى ما لحق أوروبا الغربية من تدمير بفعل الحرب العالمية الثانية. إذ هدف المشرع في تلك الدول إلى «إسباغ حماية قانونية على الفئات المستأجرة لحين إعادة البناء من جديد»، بحسب ما جاء في محاضرة له قبل سنوات.

وقد أشار البسطامي إلى أن البلدان الأوروبية حين استكملت إعادة البناء، ألغت «تلك التشريعات المخالفة للقواعد العامة في القانون المدني، والتي كان من أهمها وأبرزها القاعدة القانونية-العقد شريعة المتعاقدين».

إلا أن القانون المعدِّل، بدلا من أن يرسي نقطة توازن في مصلحة الطرفين؛ المالك والمستأجر، تحقيقاً لمصلحة المجتمع في الاستقرار الاجتماعي والازدهار العمراني، انتقل بها إلى النقيض، واضعاً "سيادة القانون" في سلّة المالكين.

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة عمان رياض الصيفي، تحدث لـ "ے" عن مساعي الغرفة لتعديل المادة الخامسة من قانون المالكين والمستأجرين: "خاطبنا رئاسة الوزراء سابقاً، ثم خاطبناها مؤخراً لنقل وجهة نظرنا إليها،" مشيراً إلى أن الغرفة ضد هذا القانون الذي يسمح للمالك بإخلاء المأجور إذا لم يتوصل إلى اتفاق مع المستأجر.

يضيف: "تطبيق المادة الخامسة عام 2010 يقود إلى هزة اجتماعية كبرى في البلد. فنسبة المستأجرين من أصحاب المصالح التجارية لا تقل عن 90 بالمئة. لهذا وجه جلالة الملك الحكومة الجديدة لإعادة النظر في القانون".

وحول دور مجلس النواب الثالث عشر 1997 - 2001، وهو المجلس الذي قاطع انتخاباته حزب جبهة العمل الإسلامي، يرى الصيفي أن المجلس حينما أقر هذا القانون عام 2000، "لم يدرك كل تبعاته، ربما لأن عام 2010 كان بالنسبة له بعيداً".

أما الحل الذي تقترحه غرفة تجارة عمان إذا لم يتوصل المالك والمستأجر بأنفسهما إلى اتفاق على الإيجار الجديد، فهو "إحالة الموضوع إلى لجان تحكيم تراعي كل العوامل ذات الصلة بالمأجور بما فيها خصوصية المنطقة، وبهذا ينال كل منهما حقه".

وبحسب الصيفي، فإن "الخلو"، واحد من أبرز الأمور التي تتجاهلها المادة الخامسة. فـ "الخلو بالنسبة لكثير من التجار هو معظم رأس مالهم، وعلى خلفيته يحصلون أحياناً على تسهيلات بنكية. كما أن هنالك مناطق ذات خصوصيات، مثل وسط البلد".

ويشدد عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأردن وليد الطويل على أن الغرفة سعت مبكراً لتعديل القانون إثر صدوره "ضمن رؤية اجتماعية شاملة"، لأن تطبيقه يلحق ضرراً بكثيرين، وبحالة الاستقرار الاجتماعي في المملكة، لا سيما وأن "متغيرات عديدة وقعت على مصالح الناس مع مرور الوقت".

ويضيف الطويل: "المهم تحقيق العدالة، وألا يقع ظلم على أي من الفئات ذات العلاقة".

وزارة العدل تعكف حالياً على إجراء دراسة حول قانون المالكين والمستأجرين من خلال مخاطبة مؤسسات رسمية وأهلية وأكاديمية، إلى جانب قضاة ومحامين وخبراء ومالكين ومستأجرين للوقوف على آرائهم فيما يخص تاثيرات تطبيق القانون على كل من المستأجرين والمالكين، تمهيدا لبلورة التعديلات الضرورية على القانون.

هذا الجهد الحكومي ينبغي أن يتوج بالوصول إلى حلول توافقية قبل أن تصوغ الحكومة مشروعها لتعديل القانون وتحيله إلى مجلس الأمة.

وكان الملك عبدالله الثاني دعا السلطتين التشريعية والتنفيذية للبدء بإجراء حوار إيجابي حول قانون المالكين والمستأجرين «للخروج بحلول عملية تراعي تحقيق الأمن الاجتماعي والعدالة ومصالح الجميع: مالكين ومستأجرين». وأكدت حكومة نادر الذهبي في بيانها الوزاري التزامها بالعمل على إعادة النظر بالقانون، استجابة للتوجيه الملكي الوارد في خطاب العرش لدى افتتاح الدورة البرلمانية الأولى لمجلس الأمة الخامس عشر يوم 2 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

نواب عديدون في مجلس النواب الحالي أكدوا في مناقشات الثقة بحكومة نادر الذهبي أهمية إعادة النظر في قانون المالكين والمستأجرين، إلا أنه باستثناء دعوة بعضهم إلى التوازن في المشروع المرتقب، لم يقدم أحد منهم مقترحات، ولو أولية، في الاتجاه المرغوب للتعديل.

لم تستسلم جهات ممثلة لبعض القطاعات المتضررة من تطبيق المادة الخامسة، ولا سيما غرف التجارة والصناعة، فواصلت تحركها بالضغط تارة على الحكومة، وتارة أخرى على مجلس النواب من أجل تعديل تلك المادة. واستجابة لهذه المساعي، وقع 62 نائباً مذكرة في أوائل أيلول/سبتمبر 2006، للمطالبة بتعديل القانون. وانضمت نقابة الصيادلة مؤخراً إلى هذه التحركات، مطالبة بإضافة «المؤسسات الصيدلانية» إلى العقارات المستثناة من تطبيق قانون المالكين والمستأجرين، بالنظر إلى الشروط الخاصة التي يتعين عليها الالتزام بها من حيث المساحة والمسافة.

حينما عرض مشروع القانون رقم 30 لسنة 2000 على مجلس النواب الثالث عشر، طالب برده النواب نشأت حمارنة، محمود الخرابشة، خليل حدادين، منصور مراد، وصالح شعواطة، انطلاقاً من أن مجلس الوزراء يمتلك صلاحية وجوبية في معالجة الوضع بتعديل الإيجارات مرة كل خمس سنوات على الأقل، بحسب منطوق المادة 17 من القانون الأصلي رقم 11 لسنة 1994. وطالب النائبان عبد الكريم الدغمي ومحمد البطاينة برد المشروع على أساس أن مجلس النواب كان طالب بمشروع قانون جديد متكامل للمالكين والمستأجرين وليس بتعديلات جزئية.

المادة 17 تنص: «على مجلس الوزراء أن ينظر في زيادة بدلات الايجار أو إنقاصها بالنسبة المئوية التي يراها محققة للعدالة والصالح العام، وذلك مرة أو أكثر كل خمس سنوات اعتبارا من تاريخ نفاذ هذا القانون».

رئيس الوزراء آنذاك عبد الرؤوف الروابدة، دافع عن مشروع القانون الذي أعدته حكومة سابقة، وبرر عدم تفعيل المادة 17 بأن الحكومة يصعب عليها التعامل مع موضوع تعديل الإيجارات «بدون سند قوي من مجلس الأمة».

لكن مجلس الأمة لم يبخل على السلطة التنفيذية بمثل هذا السند القوي، متمثلاً في المادة 17 من قانون 1994، علماً بأن هذا القانون حل محل القانون المؤقت رقم 29 لسنة 1982. فلم يعد هناك مناص من الاعتراف بأن تخلي الحكومات المتعاقبة عن مسؤولياتها في مراجعة بدلات الإيجار، أسهم في تفاقم المشكلة.

ومع ذلك، فإن تعديلات عام 2000، أدت جانباً مهماً من وظائفها. فهي، كرست القاعدة الشرعية «العقد شريعة المتعاقدين» لعقود الإيجار التي تلت نفاذ القانون عام 2000. ومن ناحية أخرى وضعت قطاع المستأجرين القدامى تحت ضغط حقيقي، ما اضطر أعداداً كبيرة منهم للبحث عن أفضل البدائل الممكنة، أو أقلها سوءاً، بحسب أوضاعهم. وانعكس ذلك بدرجة رئيسية على المستأجرين لأغراض السكن الذين نقصت أعدادهم في السنوات الأخيرة، حسبما تبين دراسة حديثة لشركة إبسوس جوردان لحال المساكن.

الدراسة أظهرت أن نسبة المستأجرين في الأردن، هبطت من28.7 بالمئة عام 2006 إلى 27.4 بالمئة عام 2007، بتراجع نسبته 1.3 بالمئة في العام الأخير.

من مفارقات القانون المعدّل لقانون المالكين والمستأجرين بشأن سقف استمرار عقود الإيجار القديمة، أن المقترحات الأصلية في المشروع قضت بمنح مهلة 6 سنوات للمستأجر لأغراض السكن، و15 سنة للمستأجر للأغراض التجارية، بعد نفــاذ القانــــون. إلا أن مجلس النـــواب وحّدها، بـــداية، في 7 سنـــوات، ثم عاد ورفعها إلى 10 سنوات بعد تدخل من مجلس الأعيان.

تطبيقه كما هو عام 2010 ينذر بهزة اجتماعية: قانون الإيجارات يحابي المالكين
 
20-Mar-2008
 
العدد 18