العدد 17 - أردني
 

حسين أبورمّان

تخلت حكومة معروف البخيت (2005 - 2007) عن دورها في ترجمة توجهات الأجندة الوطنية في شأن الإصلاح السياسي، وحين اقتربت من بعض العناوين ذات الصلة بالمجتمع المدني، ذهبت في اتجاهات مقيدة للحريات ومتعاكسة مع مقترحات الأجندة.

حتى اللحظة، قانون الجمعيات والهيئات الاجتماعية الصادر العام 1966، هو الذي ينظم عمل جميع منظمات المجتمع المدني من جمعيات خيرية وروابط ثقافية وأندية رياضية وشبابية ومنظمات نسائية وبيئية وجمعيات عامة تعنى بالتنمية الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية المستهلك وغيرها من التخصصات. أما الأحزاب والنقابات العمالية والمهنية ومنظمات الأعمال فتنظم عملها قوانينها الخاصة.

أوصت الأجندة الوطنية بتوحيد الجهة التي تسجل منظمات المجتمع المدني لديها (ما عدا الأحزاب السياسية)، ما شجّع على فكرة إصدار قانون موّحد لمنظمات المجتمع المدني ليكون بديلاً عن قانون الجمعيات القديم، هذا ما عمل تحالف منظمات مجتمع مدني على إعداد مشروع له في العام 2007 بضوء أخضر من وزارة التنمية السياسية.

إبّان بدء العد العكسي لرحيلها في فترة التحضير لإجراء الانتخابات النيابية في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، عملت الحكومة على إعداد مشروع قانون يلغي قانون الجمعيات والهيئات الاجتماعية رقم 33 لسنة 1966 وتعديلاته، ويستبدله بـ "مشروع قانون الجمعيات الخيرية"، وهذا يمثل خللاً تشريعياً صارخاً، إذ يترك جميع منظمات المجتمع المدني التي تعمل تحت مظلة قانون 1966، باستثناء الجمعيات الخيرية، دون مرجعية قانونية. ولم تتضمن الأسباب الموجبة لهذا المشروع تفسيراً أو تبريراً لذلك.

حكومة نادر الذهبي أقدمت على خطوة شجاعة بسحب "مشروع قانون الجمعيات الخيرية" من مجلس النواب ، بذلك أعفت "نفسها" من الاضطرار لتسويق مشروع "معيب" والدفاع عنه.

مشروع القانون ابتدع فكرة إعطاء موظفين "صفة الضابطة العدلية للدخول إلى مقر أي جمعية أو اتحاد أو مؤسسة لتدقيق سجلاتها الإدارية والمالية" مع التحقق من توافقها مع أحكام القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه. ورفع عدد المؤسسين من 7 إلى 25 عضواً. وكرس المشروع منع الجمعيات من النشاط السياسي في وقت أصبح فيه من متطلبات التنمية السياسية الوطنية الشاملة مساهمة كل الجمعيات والمنظمات في الدفاع عن الحقوق الدستورية وحقوق المواطنة ذات الصلة برسالتها ،باعتبار ذلك من أبجديات الحق في حرية التعبير.

فكرة "الضابطة العدلية" ليست معزولة عن نظرة مشروع القانون العتيد للجمعيات الخيرية، فهو لا يتعامل معها باعتبارها مؤسسات مستقلة بل بوصفها هيئات تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، لذلك تمثل الوزارة مرجعيتها الوحيدة عند تسجيلها ولدى الإشراف عليها، ومتابعة أعمالها، والتدقيق على قيودها الإدارية والمالية، وكذلك عند الحل، ولا دور للقضاء في كل هذه العمليات.

على خلاف ذلك، المبادىء الأساسية التي أوصت الأجندة الوطنية باعتمادها في التشريعات ذات العلاقة، تقضي بأنه "لا يحق للإدارة العامة حل الجمعيات، ولا يمكن أن تخضع الجمعيات للحل إلا بقرار صادر عن هيئاتها الخاصة بها أو بحكم قضائي قطعي في محاكمة علنية وعادلة".

إجراءات تسجيل الجمعيات تعد من البنود المحورية التي تكشف مدى ديمقراطية القانون الذي ينظمها، بينما مشروع قانون الجمعيات المسحوب من "حركة المرور"، تهرّب من تحديد إجراءات التسجيل بإحالتها إلى "نظام يصدر لهذه الغاية"، و"النظام" يصدر عن مجلس الوزراء ولا يمر بقناة مجلس الأمة، ولا يخضع لرقابته.

الأجندة أوصت أيضاً أن لا تشكل إجراءات التأسيس عوائق أو عراقيل "أمام تأسيس الجمعيات"، وأنه يجب أن تتسم هذه الإجراءات "بالسرعة والبساطة وبدون تكلفة وأن لا تخضع للسلطة التقديرية للإدارة".

وشددت الأجندة الوطنية على "حرية تكوين الجمعيات"، بتيسير إنشاء الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بحقوق الإنسان والحريات العامة والعدالة الاجتماعية والبيئة، وغير ذلك من النشاطات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والخيرية، وحماية حق هذه المؤسسات في حرية ممارسة أنشطتها دون قيود.

و قد توسعت الأجندة وتضمنت مبادىء أساسية إضافية منها أن:" لكل شخص طبيعي أو معنوي الحق في المشاركة في تأسيس الجمعيات وإدارتها والانتساب إليها والانسحاب منها بحرية، وضمان إدارة الجمعية بواسطة هيئاتها وفق المبادىء الديمقراطية، وبوسائل تضمن الشفافية والمساءلة وحسن استخدام مواردها، وأنه لا يجوز للأجهزة الحكومية التدخل في تسيير اجتماعاتها أو انتخاباتها أو انشطتها".

منذ بداية الألفية، انخرط معظم الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التنمية الاجتماعية، في إعداد مشروع قانون جديد للجمعيات والهيئات الاجتماعية ليكون بديلاً عن قانون 1966. هذه المشاريع كانت مسكونة بهاجس وضع مزيد من القيود على حق التنظيم، وبقيت حبيسة الأدراج إلا المشروع الأخير، فقد وصل تحت القبة، لكنه عاد أدراجه ليلاقي مصير أسلافه.

"مشروع قانون منظمات المجتمع المدني" الذي أعدته منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع وزارة التنمية السياسية، يهدف إلى تطوير التشريعات الناظمة لعمل منظمات المجتمع المدني، وتوحيدها في قانون واحد. ويستند المشروع، في جوهره، إلى المعايير الدولية لحرية التنظيم، وهي المعايير التي استندت اليها الأجندة الوطنية.

المشروع يوحّد تسجيل منظمات المجتمع المدني في هيئة واحدة باسم «السجل الوطني لمنظمات المجتمع المدني». ويتشكل من مجلس إدارة يعين بقرار من مجلس الوزراء، بعضوية تشمل ممثلين عن الوزارات والدوائر الرسمية ذات العلاقة، وعن المنظمات المسجلة في السجل، مع عدد من الأعضاء يمثلون الجامعات والمجالس المحلية والقطاع الخاص.

تناط بـ «السجل الوطني»، بحسب المشروع، عدة وظائف رئيسية، مثل: التسجيل والإشهار، والدعم المادي والفني، وتسوية النزاعات، والمراقبة لعمل منظمات المجتمع المدني على صعيد الالتزام بمقتضيات التسجيل والإشهار، وتقديم التقارير المالية والإدارية، ومراقبة حقوق العضوية، والالتزام بالقوانين والأنظمة.

بنود مشروع القانون استندت إلى مبادىء منها حصر حق حل مؤسسات المجتمع المدني بقرار صادر عن هيئاتها المخولة بذلك أو بقرار قطعي من المحكمة. محاكم الصلح تختص دون غيرها بالنظر في المخالفات المرتكبة خلافاً لأحكام القانون، وتخضع قراراتها للاستئناف والتمييز.

حط هذا المشروع، في نهاية المطاف، على طاولة ديوان التشريع في العام 2007 محالاً إليه من مجلس الوزراء، وما زال يقبع هناك. وحين دعا وزير التنمية السياسية كمال ناصر مؤخراً إلى اجتماع لمنظمات المجتمع المدني في 14 شباط/ فبراير الماضي، انعش الآمال بتحريك هذا المشروع الذي كانت منظمة «شركاء الأردن» أعدته بالتعاون مع منظمة «عدالة» وعدد آخر من المنظمات والخبراء بعد سلسلة واسعة من اللقاءات والحوارات مع منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية التي تشرف على عملها. المديرة التنفيذية بالوكالة لمنظمة «شركاء الأردن» رجاء الحياري، شاركت في الاجتماع، صرّحت لـ «ے» بأنه «لم يتمخض عن آلية عملية للإفراج عن مشروع قانون منظمات المجتمع المدني» ليستكمل رحلته إلى مجلس الأمة. وقالت الحياري إن الوزير ناصر «رمى الكرة في ملعب منظمات المجتمع المدني، إذ أعادنا إلى المربع الأول لنقوم بالعمل من جديد». وأوضحت «كنا قمنا بكل ما يجب عمله لإعداد المشروع بالصيغة الوافية التي هو عليها. مع ذلك لا مانع لدينا من مراجعة وتنقيح أي جانب إذا كان ذلك يخدم إقرار المشروع ودفعه إلى مجلس الأمة».

يتميز هذا المشروع بتوفيره تصنيفاً لمختلف فئات منظمات المجتمع المدني المرشحة للانضواء تحت مظلة «السجل الوطني»، إضافة إلى التعاريف القانونية لأشكال المؤسسات التي يمكن أن تنشأ وفقاً لهذا القانون.

بعد أن سحبت الحكومة مشروع قانون الجمعيات الخيرية المثير للجدل: مطالب بسن قانون عصري
 
13-Mar-2008
 
العدد 17