العدد 17 - أردني
 

باتر وردم

يعود تأسيس أول منظمة غير حكومية معنية بحماية البيئة في الأردن إلى العام 1966 وهي «الجمعية الملكية لحماية الطبيعة». وقد مضى نحو ربع قرن وبالذات في مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي قبل أن تتشكل ملامح نمو في الوعي البيئي المدني، والانتقال من مرحلة المركزية الحكومية في إدارة القضايا البيئية إلى مرحلة إنشاء المنظمات غير الحكومية المختصة بحماية البيئة. ترافق ذلك، بشكل مباشر، مع التحول الديمقراطي في الأردن الذي بدأ في العام 1989 متيحاً المجال أمام نمو المنظمات الأهلية والمجتمع المدني.

وتواكب ذلك مع توجه دولي نحو دعم المنظمات غير الحكومية، خصوصاً إثر مؤتمر قمة الأرض في ريو دي جانيرو-البرازيل العام 1992. فنشأت عدة منظمات بيئية غير حكومية وكانت أول هذه المنظمات هي «الجمعية الأردنية لمكافحة تلوث البيئة»، التي تأسست عام 1987، واسمها الحالي «جمعية البيئة الأردنية».

وساهمت هذه الجمعية بقوة في تنظيم مبادرات المجتمع المدني الأردني وجندتها في حملات التوعية البيئية، ونجحت في استقطاب تمويل كبير للمشاريع البيئية، وشكلت قوة ضغط حقيقية خاصة ما بين 1992-1997 حيث كانت تنفذ أهم برامج التوعية البيئية في الأردن.

اجتذبت المنظمات البيئية الأهلية عدداً كبيراً ونوعية جيدة من الشبان للعمل والتطوع في صفوفها مقارنة بغيرها من منظمات المجتمع المدني كالأحزاب والمنظمات الثقافية والسياسية. رغم ذلك اكتفت هذه الجمعيات بنشر الوعي البيئي التقليدي وتنسيق إقامة اللقاءات والندوات والمحاضرات وورش العمل، وتنفيذ مشاريع إنتاجية في الريف لخدمة المجتمع المحلي، لكنها لم تلعب دوراً سياسياً مؤثراً أو دور جماعة ضغط «لوبي» بيئي مثلما تمارسه معظم الجمعيات البيئية في العالم. وحتى العام 2002 لم يصل أداء المنظمات البيئية في الأردن إلى مستوى تنظيم مبادرات شعبية ومسيرات وعمليات ضغط سياسي وإعلامي متماسكة.

في الأردن حالياً زهاء 16 جمعية مهتمة، بشكل رئيسي، بحماية البيئة والتنمية المستدامة، تتباين في مقدار نشاطاتها وتأثيرها وكوادرها وقدراتها المالية والتقنية. وتركز الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، التي كان يرأسها فخرياً الملك الراحل الحسين بن طلال، جهودها على حماية الحياة البرية وإنشاء المحميات الطبيعية، لكنها توسعت بشكل ملحوظ، منذ العام 1994، وبدأت بتنفيذ مشاريع السياحة البيئية والتوعية والدمج ما بين حماية الطبيعة والتنمية الاقتصادية-الاجتماعية في المجتمعات المحلية والتدريب البيئي على المستوى الإقليمي. وتعتبر الجمعية حالة فريدة في العالم العربي لقيام منظمة غير حكومية بإنشاء المحميات الطبيعية، وإدارتها.

* "جمعية البيئة الأردنية" التي رأسها أحمد عبيدات رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ركزت جهودها على برامج التوعية البيئية، وبخاصة في قضايا المياه، ولعبت دوراً سياسياً في بعض المحاور ولا سيما في أثناء المفاوضات الأردنية-الإسرائيلية في مجالات المياه، إذ انتقدت بنود هذه الاتفاقية، وساهمت في الكشف عن كثير من حالات التلوث، واقتصر نشاطها في السنوات الأخيرة على مشاريع إعادة التدوير.

*"جمعية أصدقاء البيئة الأردنية" ركزت جهودها في مجال التوعية اللامنهجية وحماية الموروث الثقافي، ثم تطورت بشكل ملحوظ، في النصف الثاني من التسعينات بانتهاجها أسلوب " التنسيق والتجسير" بين العديد من المؤسسات العامة والأهلية، وتمكنت من المساهمة في تنسيق تنفيذ الكثير من المشاريع الرائدة مثل: الإنتاج النظيف، والصناعات الرفيقة بالبيئة، والسياحة البيئية.

*"الجمعية الأردنية لمكافحة التصحر وتنمية البادية" تركز جهودها كما يدل أسمها على مجالات مكافحة التصحر، وأساليب الحصاد المائي وتوفير موارد المياه.

*"الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية "ترأسها الأميرة بسمة بنت علي، وهي مختصة بحماية الموارد البحرية، وبخاصة خليج العقبة من التلوث، وقد استخدمت الكثير من تقنيات التوعية البيئية لتحقيق هذا الغرض.

*"جمعية النساء العربيات" تركز جهودها على تنمية دور المرأة في حماية البيئة والتنمية المستدامة وساهمت في تقوية قدرات المرأة في العديد من المجتمعات المحلية والفقيرة.

* "الجمعية العربية لحماية الطبيعة" تتميز بدمج البعد السياسي في عملها البيئي بتركيز الكثير من جهودها في مشاريع إغاثة ودعم للمجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال في الضفة الغربية وغزة، والتنسيق مع المؤسسات الإقليمية والدولية في قضايا ذات طبيعة عالمية مثل: الاعتداءات العسكرية على البيئة والسيادة على الموارد الغذائية والطبيعية.

*ومن المنظمات الفاعلة "منظمة أصدقاء الأرض-الشرق الأوسط" وتتبع لمنظمة أصدقاء الأرض الأميركية الكبيرة، وبالرغم من قدرتها التقنية العالية بقيت جهودها ممهورة بتفردها في العمل المشترك ما بين الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل/ ما أعاق كثيراً من اندماجها في المجتمع المدني الأردني الرافض في تركيبته للتطبيع مع إسرائيل.

هناك جمعيات أخرى تركز جهودها في مجالات التوعية وعقد ورش العمل والندوات، ويلزمها بذل الكثير من الجهد كي توضع، بشكل واضح، على خريطة المجتمع المدني الأردني. فيما تشكو غالبية المنظمات البيئية من ضعف التنسيق بينها رغم نجاح الكثير منها في مشاريعه الخاصة، فليس هناك إطار تنسيقي لهذه المنظمات بإستثناء هيئة تنسيقية للجمعيات البيئية والثقافية التي لم تحقق نجاحا إلا في حالتين هما :الرفض الشعبي لاستخدام الفحم الحجري في مصنع الإسمنت العام 2002، ومقاومة إنشاء المنتجع الاستثماري في غابة دبين في العامين 2006-2007.

رئيسة الجمعية العربية لحماية الطبيعة، رزان زعيتر، تؤكد "غياب التنسيق بين الجمعيات البيئية يضعف تأثيرها الجماعي، ومن أسباب ضعف التنسيق الاعتماد شبه الكلي على التمويل الخارجي المشروط بتنفيذ مشاريع محددة لا تتراكم معا لخلق حالة من التغيير المنشود.

وتشير زعيتر إلى أن الجمعيات تعاني ضعفاً في الأفكار الإبداعية ولا تتمتع بدعم جريء من وسائل الإعلام لتسليط الضوء على أدائها.

يتفق زياد علاونة، المدير التنفيذي لمؤسسة "الأرض والإنسان"، الناشطة منذ 25 عاماً مع رأي زعيتر في قضية خضوع كثير من الجمعيات لقيود التمويل الأجنبي، وعدم وجود شراكة حقيقية مع الحكومة وسيادة عامل التنافس على الموارد الشحيحة،مما يؤثر على التنسيق بينها. ويرى فوارق نوعية في القدرات التمويلية والمؤسسية والفنية بين الجمعيات الكبيرة المعروفة تاريخيا بقدرتها على الترويج لإرتباطها بشخصيات نافذة،والجمعيات الجديدة الصغيرة التي ما زالت تحاول تقوية "نفسها".

ويلقي علاونة باللوم على عقلية حكومية نمطية تشكك في عمل المجتمع المدني، وتشريعات غير مناسبة مثل قانون الشركات غير الربحية الذي يشترط الموافقة على التمويل من رئاسة الوزراء.

ويدعو علاونة لرقابة على آليات وأوجه الإنفاق المالي للجمعيات ودون فرض الوصاية الحكومية المسبقة على نوعية المشاريع المنفذة بالإضافة إلى أثر العلاقات الشخصية في كيفية تخصيص الموارد المتاحة للمنظمات البيئية سواء من الحكومة أو الجهات المانحة.

يتطرق علاونة لنمط آخر من مشاكل المجتمع المدني،وهي الشخصنة، ويعتبر أن هذه المؤسسات تعكس بعض الأمراض الاجتماعية العامة ،ومنها الرغبة الشخصية في الظهور والإرتقاء.

يختلف فادي شرايحة، المدير التنفيذي لـ"الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية" مع آراء سابقة، " مستوى التنسيق بين الجمعيات الأردنية أفضل بكثير من التنسيق في دول عربية أخرى، حيث تم التعاون في قضايا مهمة" لكنه يشير إلى أن هذه النشاطات التنسيقية كانت دائما عن طريق "الفزعة" وبعد أن تحدث المشكلة وتنشأ حاجة لمعالجتها. ويتفق على وجود تباين في القدرة المؤسسية بين الجمعيات،ويقر أن التشريعات الوطنية غير مناسبة لتمكين المنظمات غير الحكومية، فهناك "كثير من القيود على أدائها مع حالة من الرفض الحكومي لقيام الجمعيات بالبحث في قضايا ذات حساسية مثل نوعية المياه التي تعتبر خطاً أحمر لا تسمح الحكومة للجمعيات البيئية بالاقتراب منه في نشاطاتها ومشاريعها".

هناك نموذجان رئيسيان للتنسيق بين الجمعيات البيئية برزا خلال السنوات الماضية: قضية رفض استخدام الفحم البترولي في مصنع الإسمنت في الفحيص العام 2002،ورفض إنشاء المنتجع السياحي في دبين العام 2007.

في منتصف العام 2001 قررت شركة مصانع الإسمنت،وبتوصية من الشريك الاستراتيجي شركة لافارج الفرنسية، التوجه لاستخدام الفحم البترولي باعتباره مصدراً رخيصاً للطاقة بدلاً من الفيول نظرا لزيادة أسعار البترول وإدعاء الشركة تعرضها لخسائر مالية.

وبما أن مادة الفحم البترولي ذات تأثير شديد وملوث للبيئة، فقد تسبب القرار في رد فعل قوي ومنظم من سكان الفحيص والبلدية وبدعم من جمعيات حماية البيئة.

ومما زاد في اشتعال فتيل المواجهة أن المصنع قام بتمويل دراسة لتقييم الأثر البيئي نفذتها مؤسسة استشارية محلية،بدون استشارة سكان الفحيص والمؤسسات المدنية. وتوصلت الدراسة إلى أن استخدام الفحم البترولي لا يشكل خطرا على البيئة في حال تم الالتزام بتوصيات تحذيرية وردت في الدراسة.

في الوقت نفسه، شكلت جمعية البيئة الأردنية، لجنة علمية مستقلة، أنيطت بها مهمة دراسة تقييم الأثر البيئي التي قامت بها الجمعية العلمية الملكية،وتوصلت اللجنة بعد دراسة شاملة إلى تحديد العديد من الثغرات المنهجية والأخطاء العلمية الواردة في التقرير الأول، وقامت الجمعية بإيصال نتائج دراستها وأسباب رفضها لاستخدام الفحم البترولي إلى الديوان الملكي.

وقامت الجمعية في شباط 2002 بتصعيد حملتها ضد المصنع، وطالبت بمنع استخدام الفحم البترولي.

وكان لا بد من تدخل القيادة السياسية، وبالفعل أصدر الملك عبد الله الثاني توجيهاته بإلغاء نتائج الدراسة السابقة،والمطالبة بإجراء دراسة جديدة يتم خلالها استخدام المعايير العلمية الحديثة، ومن قبل شركة دولية لدراسة تأثير الفحم البترولي، والالتزام التام بحماية صحة المواطنين. وفي نهاية الأمر تم منع استخدام الفحم البترولي في الفحيص.

في حالة المنتجع السياحي في دبين في العام 2007 قامت الجمعيات المنضوية تحت إطار" اللجنة الوطنية لتنسيق العمل البيئي" بتنفيذ حملة إعلامية وشعبية ضد إقامة المنتجع،لكنها واجهت حملة مضادة من تنظيمات شعبية في محافظة جرش كانت مقتنعة بجدوى المشروع في محاربة البطالة والفقر في المحافظة. وقد تعرضت هذه الجمعيات إلى ملاحظات قاسية في جلسة حوارية عقدت لمناقشة المشروع، وتم إتهامها بأنها تركز على البيئة، وتهمل أولوية التنمية، وأن معظم أعضاء هذه الجمعيات هم من عمان. لكن الهيئة قدمت تفسيراً مغايراً مفاده حرص الجمعيات البيئية على دعم مشاريع التنمية، ولكن مع تغيير موقع المشروع من قلب غابة دبين إلى خارجها، وحماية الثروة الحرجية التي لا تتجاوز 1بالمئة من مساحة الأردن. وكانت وزارة البيئة أكثر خبرة في التعامل مع هذه المواقف، فتم الإتفاق مع شركة دبي كابيتال على تغيير موقع المشروع إلى خارج غابة دبين، وإقامته في منطقة سياحية مملوكة للضمان الإجتماعي، وهي متنزه دبين السابق بالإضافة إلى تقليص حجمه وتقليل تأثيره على البيئة. ومع أن نتيجة التنسيق بين الوزارة والشركة كانت الوصول إلى حل مقبول للطرفين، فإن الجمعيات البيئية استمرت في إنتقادها للإتفاق، والتذكير بأن موقع المشروع الجديد ما زال في منطقة الغابة وليس خارج حدودها.

المجتمع المدني والبيئة: جهود فردية مؤثرة
 
13-Mar-2008
 
العدد 17