العدد 17 - أردني
 

خليل الخطيب

في مقابل الانتقادات الحزبية والنقابية، تشتكي مؤسسات مجتمع مدني من سلسلة «معوقات» رسمية كتعدد المرجعيات القانونية وضبابية بعضها، لا سيما القوانين المتعلقة بالتجمعات والمطبوعات وجمع التبرعات. كذلك تنتقد تلك المؤسسات وجود «مزاجية في تطبيق تلك المرجعيات القانونية، ما يربك عملها».

على أن وزارة الداخلية تؤكد أنها تستند في مقاربتها من الجمعيات الأهلية إلى القوانين والأنظمة السارية.

المحامية والناطقة الرسمية السابقة باسم الحكومة، أسمى خضر، ترى أن القوانين، بخلاف الدستور، الذي «كفل حق هذه الهيئات بالنشوء والعمل، تقيد هذا الحق وتفرغه من مضمونه».

وتنتقد خضر، عضو مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان (ميزان) ربط حق تشكيل مؤسسات المجتمع المدني بـ«رأي المحافظ التابع لوزارة الداخلية»، بحسب قانون الجمعيات الأهلية والهيئات الاجتماعية النافذ، معتبرة أن في ذلك «إعاقة جديدة وتعقيداً أكبر».

وتذهب الناشطة في مجال حقوق المرأة أبعد من ذلك، إذ تصف دور القضاء بـ«السلبي في مجال تطبيق الأحكام الخاصة بتسجيل الجمعية الخيرية أو الهيئة الاجتماعية أو الاتحاد».

تضرب المحامية خضر مثالاً على ذلك قرار محكمة العدل العليا في أيار/مايو العام 1998، القاضي «برد دعوى الجمعية الوطنية للدفاع عن الحريات العامة لسبب يتناقض تماماً مع حق الأردنيين بتأليف الجمعيات». وكانت الجمعية سعت للطعن في رفض وزير الداخلية تسجيلها كمؤسسة غير حكومية مختصة بحقوق الإنسان «بحجة وجود جمعيات أخرى مسجلة تخدم الأهداف ذاتها».

خضر تدرج ملاحظاتها أيضاً ضمن دراسة بعنوان «الأطر القانونية والأنظمة الداخلية المتعلقة بنشاط الجمعيات الأهلية في الأردن».

الحقوقية لبنى ديواني، العضو في مركز ميزان، تؤيد انتقادات خضر، وتزيد إن «عمل مؤسسات المجتمع المدني يتعرض لمعوقات لأسباب أمنية».

وبينما تؤكد تفهم (ميزان) «لمبدأ الشفافية في جميع جوانب عمل هذه المؤسسات» لا سيما مع بروز «تجاوزات مالية وإدارية يتم الحديث عنها»، ترفض ديواني تحول «إجراءات تحقيق الشفافية إلى قيود تعوق عمل هذه المؤسسات كما هو حاصل في الواقع».

إجراءات الحكومة، تضيف ديواني، باتت تتمحور حول «المراقبة والملاحقة، إذ أصبح مطلوباً من هذه المؤسسات أخذ موافقة قبل القيام بأي نشاط».

وتلفت كذلك إلى أن القوانين السارية وبخاصة «الجمعيات والتجمعات تسمح للحكومة بحضور أنشطة الجمعيات ومراقبتها وتفتيش أوراقها».

مخاض صعب وإعاقات مستمرة

مدير مركز الأردن الجديد للدراسات هاني الحوراني يروي الصعوبات التي واكبت تأسيس مركزه العام 1990. ويقول: « اصطدمنا في البداية بعدم وجود تشريعات تنظم عمل مراكز الدراسات. لذلك اضطررنا إلى ترخيص المركز لدى وزارة الصناعة والتجارة كمؤسسة استشارات وخدمات طباعية».

وحين صدر قانون المطبوعات والنشر العام 1993، رخص الحوراني مركز الأردن الجديد بعد «مماطلة دائرة المطبوعات والنشر، بتأثير من الأجهزة الأمنية، استمرت حتى العام 1994».

لكن «المعوقات أمام عمل المركز لم تتوقف عند الترخيص فقد استمرت»، بحسب الحوراني، «بأشكال مختلفة منها» محاولات «وزير الداخلية آنذاك سلامة حماد إعاقة عقد مؤتمر دولي استضافه المركز حول الأنظمة الانتخابية».

ويستذكر متندراً: «لقد كنا قد وجّهنا دعوة لوزير الداخلية لرئاسة واحدة من أهم جلسات المؤتمر، فاستجاب مشكوراً بأن أشعل نار الطوارئ في المحافظة وأمانة عمان ضدنا فحضروا ونقبوا ملفاتنا وأوراقنا». ويتابع بمرارة «أهمية المؤتمر والشخصيات الدولية الحاضرة مثل رئيس لجنة الانتخابات التي شرعت لإسقاط النظام العنصري في جنوب أفريقيا بالإضافة للكتاب والشخصيات الوطنية هي العوامل التي جعلت انعقاده ممكناً بعد أن كاد يلغى».

ويشير الحوراني كذلك إلى التعديلات التي طرأت على قانون المطبوعات والنشر في الأعوام التالية، فيؤكد أنها «أضافت قيوداً على عمل المركز لجهة أنها تفرض موافقة الوزير المسبقة على الأنشطة وتلقي الدعم».

وينبه إلى أن عمل المركز والمؤسسات المشابهة «لا تعيقها الوزارة والمطبوعات والنشر فحسب وإنما تخضع لقيود بموجب قانون التجمعات العامة».

كما يلفت إلى أن «الوضع السياسي ومدى رضى الحكومة عن توجهات هذه المؤسسات يلعبان دوراً في هذا المجال هذا علاوة على مزاجية الوزراء في تطبيق هذه القوانين».

بين الدستور والقانون

العضو المؤسس في منتدى الشفافية الأردني الذي تأسس العام 1999 الإعلامي باسم سكجها، يفسر نشأة المنتدى دون ترخيص رسمي فيقول: «نحن نرفض هذه المنظومة الجائرة من القوانين ونطالب بتغييرها».

ويؤكد سكجها: «هذه القوانين تمنح السلطة التنفيذية صلاحيات غير دستورية وإذا حاول أحد تفعيلها ضدنا فسنلجأ للدستور».

ويتابع موضحاً «لقد قوبل المنتدى الذي يعمل تحت مظلة مؤسسة الأرشيف العربي بعين القبول من جلالة الملك والمجتمع الأردني علاوة على أن نشاطنا وطني دستوري».

ويؤكد سكجها أن المنتدى ساهم في إثارة ملفات شائكة وتعاون مع مؤسسات أخرى للحفز على سن تشريعات مثل «قانون هيئة مكافحة الفساد، وتجريم سلوك المحسوبية والواسطة».

ويبشر بقانون جديد يجري العمل على إقراره بعد تلقي اهتمام ملكي بالاقتراح، وهو قانون متعلق بـ«حماية المبلغين عن الفساد».

ويبين أن إمكانية إقرار هذا القانون كبيرة كونه من القوانين «التي تؤكد عليها اتفاقية مكافحة الفساد التي وقعها الأردن فأصبحت جزءاً من قوانينه».

القانون مدار البحث يهدف لحماية الموظفين الحكوميين الذين يبلغون عن حالات فساد في دوائرهم.

ويعلق على ما يثار من نقاش حول تمويل مثل هذه المؤسسات قائلاً :«لست ضد التمويل الخارجي إذا كان غير مشروط وبمبالغ محدودة أما إن كان التمويل ضخما فإنني أشم فيه رائحة الفساد».

من جهته، يعتبر مدير مركز القدس للدراسات عريب الرينتاوي أن «البيئة التشريعية في الأردن غير مشجعة لعمل مؤسسات المجتمع المدني»، فهي «تتضمن الكثير من القوانين والإجراءات المعيقة وكذلك الضبابية التي تفتح الباب للتفسيرات المعطلة».

الرنتاوي، الذي ألغى محافظ العاصمة ندوة حول أثر تحرير أسعار المحروقات كان مركزه ينوي عقدها، يرى أن «تعدد المرجعيات القانونية وضبابية بعضها قد أدى إلى إلغاء الكثير من الأنشطة خلال فترة الانتخابات النيابية وفترة التحضير لتحرير أسعار المشتقات النفطية».

يتفق الرنتاوي مع سكجها في أن «ثمة مصادر مشبوهة للتمويل» مؤكداً مع ذلك «أنها معروفة للجميع وهناك من يقبل التعامل معها، لكننا وغيرنا الكثير من مؤسسات المجتمع المدني نرفض ذلك».

شروط وأولويات

ويلفت الرنتاوي الانتباه إلى أن أولويات بعض الممولين «بعيدة عن واقعنا إلى درجة مضحكة. وهم يفرضون هذه الأولويات على من يقبل بالتمويل الذي يقدمونه».

ورغم ذلك يقول الرنتاوي : «إن بعض من يصرخون ضد تمويل مؤسسات المجتمع المدني إنما يخدمون أجندة الحكومة التي استولت أصلاً على حصة الأسد من التمويل الخارجي». ويستطرد أن «حكومات عربية عرفت كيف تلعب اللعبة. لقد أسست مؤسسات مجتمع مدني تابعة لها، فاستولت على التمويل وجففت منابعه عن المؤسسات المستقلة التي يمكن أن يكون لها دور حقيقي».

أما عن أسباب تصادم الحكومات مع مؤسسات المجتمع المدني، فيشير الرنتاوي إلى أن «نقطتين تستفزان العقلية العرفية لدى الحكومات: موضوع النشاط الذي تسعى المؤسسة إلى تنفيذه، ومدى كونه ذا طبيعة جماهيرية».

الجمعيات الخيرية

مدير جمعية العفاف الخيرية الإسلامية، مفيد سرحان، يؤكد أن "الجمعيات الخيرية تشكو من بعض المعوقات أيضاً". ويوضح سرحان أن "قانون التجمعات والتعليمات المنظمة لجمع التبرعات والموافقة المسبقة من وزارة التنمية الاجتماعية على أي نشاط تضعف عملنا وتعيقه".

يستذكر سرحان قراراً حكومياً بالرفض جاء غداة عقد "مؤتمر حول القيم الأسرية دعت إليه الجمعية بمشاركة وزارة التربية والتعليم وخمس مؤسسات حكومية أخرى دون بيان الأسباب".

عضو الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، سليمان صويص، يرى أن "النصوص الدستورية تقرر حقوقاً أساسية للمواطنين لكن القوانين تسلبها منهم إلى حد كبير".

ويخلص صويص، إلى التذكير: "يكفي مطالعة التقارير الوطنية والإقليمية والدولية.. لقياس مدى ممارسة المواطن لحقوقه وتمتعه بالديمقراطية" .

الناطق الإعلامي باسم وزارة الداخلية، زياد الزعبي، يرفض شكاوى نشطاء المجتمع المدني. يؤكد الزعبي أن الوزارة تتحرك في مقاربتها استناداً إلى المادة الرابعة من قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الاجتماعية رقم 33 لسنة 1966 وتعديلاته. وهي تنص: «بعد تسجيل الجمعية الخيرية أو الهيئة الاجتماعية بمقتضى أحكام هذا القانون تصبح لها شخصية اعتبارية قانونية معترف بها تمكنها حق المقاضاة والقيام بأي عمل آخر يجيز لها نظامها الأساسي القيام به».

في ضوء تلك المادة، والفقرة (ج) من المادة السادسة التي تنص على «ضرورة وضوح أغراض الجمعية أور الهيئة في نظامها الأساسي بشكل مفصل» ليس ثمة ضرورة - بحسب الزعبي - «لطلب موافقة مسبقة إذا كان النشاط ينسجم مع تلك الأغراض».

بين التشريع والتطبيق، يبقى الجدال دائراً حول مهام وجدوى وجود جمعيات غير أهلية في المجتمعات العربية لا سيما تلك المرتبطة بمؤسسات تمويل أجنبية.

الجمعيات بين التشريع والتطبيق: شكاوى من “سيف الرقابة”
 
13-Mar-2008
 
العدد 17