العدد 17 - بورتريه
 

خالد ابو الخير

شخصية مركبة، سماتها الأساسية ترسم صورة سياسي من طراز خاص: جذور ريفية، وثقافة واسعة، وليبرالية مقننة مع تنويع مثير لفهم ديني متنور.

ولد محمد الحلايقة العام 1951 في قرية الشيوخ على أكتاف جبل الخليل، لأسرة فقيرة: الأب أمضى عمره يعمل في الأرض، وعرف أيضاً كرجل دين، والأشقاء انخرطوا مبكراً في الجيش العربي.

مدرسته الأولى كانت «الشيوخ» الابتدائية، التحق بها في مقتبل الصبا قاطعاً سبعة كيلومترات يومياً ذهاباً وإياباً على رجليه ليتلقى العلم. غير أن أجواء الطبيعة في تلك الربى، صقلت شخصيته وقربته من الله، فتعزز إيمانه الراسخ الذي يعد من أهم مفاتيح شخصيته.

إرهاصات وعيه السياسي تكونت إبان حرب 1967، ومعايشته بدايات الاحتلال، بعد أن تبخرت وعود النصر المؤزر وخفتت آخر خطابات وأغاني الكفاح من «صوت العرب» على وقع أضواء القناديل الشاحبة لقرية باتت رهن الأسر. الصدمة كانت كبيرة، هزت وجدانه الغض، فاندفع مشاركاً في التظاهرات التي اندلعت لرفض الاحتلال وآثار الهزيمة. ترافق ذلك مع وضع عائلي صعب، فقد أصيب الأب بشلل نصفي اقعده البيت واضطر الفتى لترك الدراسة في عام «النكسة».

في عمان التي يهوى، التحق بمدرسة فلسطين الثانوية الكائنة في جبل عمان الدوار الثاني، عقب حصوله على منحة للدراسة فيها لتفوقه.

الآن.. حين يسير في تلك الدروب، يتذكر بشيء من الحنين مقاعد الدرس، وأساتذته وزملاء دراسته وخيال عابر لتلميذة غالباً ما كانت تتأبط كتبها، تبادله نظرة إعجاب، قبل أن تختفي في.. الأيام.

بعد محاولة لدراسة الطب في الهند عاد إلى الأردن والتحق بالجامعة الوحيدة الأردنية آنذاك دارساً للكيمياء، ويتخرج في العام 1976 .شد الرحال بعدها الى جامعة ليدز في بريطانيا وحصل على الدكتوراه في الكيمياء الصناعية.

حلم العمل في الخليج قاده الى الكويت التي عمل بها لثلاث سنوات، لكن الحلم لم يلائمه، فعاد أدراجه مدركاً أن «لا شيء يعدل الوطن».

بعد مسيرة حافلة بالعمل الخاص والحكومي برز في غير تخصصه كاقتصادي، غداة تعيينه مديراً عاماً لمؤسسة تنمية الصادرات العام 1997، أيامها كان الأردن داخلاً لتوه في معمعان التحولات الاقتصادية الكبرى.

يعزى الى مكتب ولي العهد آنذاك الأمير الحسن اكتشافه، بحسب مقرب منه، غير أن جهوده ومثابرته ونشاطه وإعداده لدرسه جيداً ساهمت في تسليط الأضواء عليه. وعملياً..

برز الحلايقة في العهد الجديد، واستلم عملياً ملف «اللبرلة» ، عندما ترقى لمنصب أمين عام وزارة الصناعة والتجارة مطلع العام 2000، فوزيراً للصناعة منتصف العام نفسه، ونائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية 2002، ونائب رئيس الوزراء وزير التنمية الإدارية 2003 ونائب رئيس الوزراء ووزير للصناعة والتجارة 2004.

يعد الحلايقة أحد عرابي إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، ولعب دوراً محورياً في كل التحولات الى اقتصاد السوق، بقضها وقضيضها. كما ترأس الوفد المفاوض لانضمام الأردن الى منظمة التجارة الدولية، والوفد المفاوض لاتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن ترؤسه للجنة التنمية/مجلس الوزراء، وعضويته في المجلس الملكي الاستشاري الاقتصادي.

يصفه مقرب منه بأنه «ذكي، وديناميكي، ونظيف ومحترم، ومنفتح على الإعلام»، ويصنفه سياسياً بأنه «ليبرالي بمفاهيم وطنية، يختلف عن وزراء «الديجتال» ، بأنه يؤمن بليبرالية تخدم الوطن، ولعب في السابق دور حلقة الوصل بينهم وبين المحافظين».

«ليبرالي اختلف مع الليبراليين الجدد في مرحلة من المراحل، بعد اقتناعه بأن ما يطرحونه من برامج تنقصها الواقعية، خصوصاً ما تعلق منها بإدارة الحكومة»، تشرح شخصية سياسية وتضيف «هذا الخلاف فتت حكومة سابقة إلى مراكز قوى ما تزال تفعل فعلها، وأسهمت في إقصاء الحلايقة ومن وقف موقفه عن حكومات تلت».

يراه مناوئوه أنه «يحب الأضواء، ويستغل قدراته للتغطية على الآخرين في الفريق الوزاري، يعترض على الليبراليين الجدد بهدف تسجيل النقاط ليس إلا، فيما لو ترك الأمر له لمضى في الشوط إلى أبعد مما يذهبون إليه» .

اختلف مع علي أبو الراغب فاستقال من الحكومة، لكنه لم يلبث أن عاد في تعديل لاحق، بناء على رغبة جهات عليا، رغم رفضه الأولي لعرض رئيس الوزراء. علاقاته مع النواب جيدة وتقوم على الاحترام المتبادل، ولطالما شكل حائط الصد عن الحكومات في المجلس، خصوصاً إبان التجاذبات التي شهدها المجلس مع حكومة فيصل الفايز.

في السباق لتشكيل الحكومة في العام 2004، كان الحلايقة منافساً قوياً الى جانب فيصل الفايز، لكن الأمر استقر أخيراً على الأخير، فيما جاء الحلايقة نائبا للرئيس. ما أثار تساؤلات، فسرها مقربون بأن الحلايقة على الرغم من كل صفاته الايجابية يفتقر الى الروح القتالية. ويعلق صديق له بالقول: «لو كان الحلايقة «يطاوي»، نسبة الى قرية يطا الواقعة على بعد حفنة كيلومترات من قريته ، أي بمعنى «وعر» ، الصفة الغالبة على أهالي تلك القرية، لكان صار رئيساً للوزراء».

وأدت همسة في أذن فيصل الفايز بأن «نائبه الحلايقة رئيس الوزراء الفعلي»، لاقت هوى لديه، إلى استقالته من حكومته، لكن حبل الود بين الرجلين لم ينقطع. وفي يوم الاستقالة صدرت إرادة ملكية بتعيينه عيناً.

عند تشكيل مجلس الأعيان الحالي ثارت تساؤلات عن غياب الحلايقة عنه.

يوصف الحلايقة بأنه رجل المتناقضات، لديه خطوط مفتوحة في كل الاتجاهات: القصر، الحكومة،والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية.

النجاح الذي أصابه في أثناء عمله الحكومي لم يكن وليد صدفة، فقد حقق نجاحاً أكبر في عمله بالقطاع الخاص. وما زال رغم ابتعاده عن المنصب الحكومي حاضراً في العديد من المؤتمرات والمنتديات الإقليمية والدولية. وله باع في جذب الاستثمارات.

يجادل مقرب آخر منه بأنه «منفتح، دقيق، يقرأ بنهم في شتى الحقول، وسريع البديهة وحاضر النكتة، وهادىء الطباع، لكنه عنيف إذا ما استفز، من عيوبه التسرع أحياناً استناداً إلى ديناميكيته».

يعد بيتوتياً، سعادته بالجلوس الى أبنائه الستة «ثلاثة أولاد وثلاث بنات» أكبرهم «أنس»، وأمنيته ، أن يرى أحفاده يلعبون حواليه.

بعين الاستغراب شاهده متابعو المجالس العلمية الهاشمية محاضراً في قضايا الدين، فهو على خلاف كثيرين من الاقتصاديين يحظى بثقافة دينية واسعة، ويروى أنه تولى الخطابة والوعظ في مسجد حي كان يقطنه إثر تغيب الإمام عنه.

حين ينظر الى الوراء وتتعدد المشاهد أمام ناظريه: الطريق الموحل الذي كان يقطعه فتى فقير «فلاح ابن فلاح» مشياً الى مدرسته الحكومية، ومروراً بكل محطات حياته ووصولاً الى أعلى المراتب يحس بالرضا لأنه «حقق رصيداً كبيراً من محبة الناس» بحسب قوله. ما يتبقى أن الاقتصادي المثقف والواعظ لاشك وعى ما قاله كونفوشيوس، في كثير من مراحل حياته «على الإنسان ان يفعل ما يعظ الناس به، كما عليه أيضاً أن يعظ الناس بما يفعله».

محمد الحلايقة: لو كان “يَطّاوي” لصار رئيسا للوزراء!
 
13-Mar-2008
 
العدد 17