العدد 16 - ثقافي
 

حكمت النوايسة

ما إن يحوز أحدهم على لقب «دكتور» حتّى يأخذ اللقب من نفسه شيئاً، ويسلبها شيئا. يأخذ منها تقديرها لذاتها ويسبغ عليها وهماً على وهم. أما مدار البحث فهو شيوع ظاهرة «الدكترة»، وما يرافقها من اللهفة للحصول على المناداة بـ «يا دكتور»، وليس في الأمر ما يعيب، لكنّ ما يعيب أن يظن من حصل بغفلة من الأكاديمية الصارمة وبقيّة زمن، على هذا اللقب، فتأخذه العزّة بالإثم، فظنّ أنّه ختم العلم، غير متّعظ بمن درس عليهم ولم يفهمهم، غير متّعظ بتواضعهم الجم، وأريحيتهم التي تسبق كلّ عظة.

إن نيل شهادة الدكتوراه هي بداية الطريق، والطريق والنجاح الحقيقي هو في ما يأتي بعد ذلك من بحث وتجارب وعطاء، ونحن إذ نستذكر المبدعين الكبار والأكاديميين الكبار، فإننا نجد أفضل نتاجهم هو ما أنجز بعد نيل الشهادات، وأن الشهادات لم تضف إلى قاماتهم شيئا. حين نذكر طه حسين، لا أدري، هل نذكر الدكتور طه حسين، أم نذكر كتبه، وعندما نذكر أدونيس هل نذكر الدكتور «أدونيس»؟ وكذا عندما نذكر إحسان عباس، فإننا نستذكر كتبه ولا نستذكر شهاداته، وكلمة «دكتور» تمرّ في سجلّه كأنها لا شيء. وكذا عندما نذكر ناصر الدين الأسد، أطال الله في عمره، نذكر كتبه وإنجازاته العلميّة الكبيرة، وإن كانت كلمة «دكتور» تسبق اسمه فإنها تأتي من باب التأدّب، إذ لا تعني الشهادة، قدر ما تعنيه كلمة السيد أو الأستاذ أو ... أو غيرهما.

جامعاتنا «تضخّ» دكاترة، حتى إنّ كثيراً ممّن لا يعرفون شخصاً متأدباً من قرب ينادونه:يا دكتور، كأن اللقب قد صار إلى شيوع يجعله يعادل كلمة «أستاذ» التي كانت تعني المتعلم قبل سنوات قليلة.

ومن الصور التي تبعث في النفس كثيراً من الاحترام والراحة، أن يستقبلك أستاذ بقامة ناصر الدين الأسد، ويبادرك في عمليّة التعارف بقوله: «إنّني أقرأ ما تكتبه وأتابعه،» وكلام آخر من عالم جليل حتّى إنني خلت رأسي قد وصل الثريّا. حدث ذلك عندما قمت بمرافقة وفد حركة الشعر العالمي بزيارة عالمنا الجليل، برفقة الشاعر التونسي يوسف رزوقة، والشاعر التشيلي لويس أرياس ماثيو. وحين غادرنا أفصح مرافقاي عن الإعجاب الشديد والفرح الغامر بهذه الزيارة، بكثير من العبارات التي يمكن تلخيصها بأنّ هذا الرجل كبير .. كبير.

من ناحية أخرى، يذكّرك عدد من «المتدكترين باللغة العربية حديثا، في غفلة زماننا بأنّه دكتور، يحدث ذلك إذا ناقشته في قضيّة وأعيته الحيلة أو الحصيلة، حتى إن عبارة «يا أخي أنا دكتور» قد ترد في نقاش عارض حول رفع اسم إنّ! كما ترد العبارة/ أو الجملة السابقة عندما يجد (المتدكتر) في نفسه رغبة في أن يعلّمك ويشرح لكي يقدّم لك «الوصايا»... وكلّ هذا لاشيء إذا عرفنا أنّ بعضهم إذا طُلب منه قراءة كلمة، أو تقديم شاعر، أو كاتب، يستنفر جهوده وجهود من حوله في ضبط «الكلمة» نحويّا والتدرّب عليها قبل بدء العرض، كأنه تلميذ سادس ابتدائي. هؤلاء «دكاترة» ولا أتكلّم عن أمّيين!.

قد نقول في القريب العاجل: دكتور و«يفكّ الخط»!.

ربّما... ففي تجربتي الشخصية كان بعض من تتلمذت عليهم، مضطرا، لا يحسن القراءة، كما لا يحسن الكتابة. ولا ألومه على الكتابة لأنها هبة، لكنني ألومه على عدم القراءة!.

قد يُقال في القريب العاجل: “دكتور ويفكّ الخط”
 
06-Mar-2008
 
العدد 16