العدد 3 - أردني
 

في صالون بيته المزدحم بالصور التذكارية في جميع جنباته، يستقبل الدكتور يعقوب زيادين زائريه بكامل قيافته وبود حيي ولطيف، ويبدو في حديثه حريصاً كل الحرص على بث رسالة فكرية وسياسية تعكس خلاصة خبرته وتجاربه في العمل العام،وهو الذي رأى النور مع ولادة إمارة شرقي الأردن في العام 1921، وأمضى سحابة عمره في العمل الحزبي باستثناء السنوات القليلة الماضية، حيث اختار طوعياً التقاعد لعامل السن، ولإفساح المجال أمام كوادر أصغر سناً.

يمنح زيادين زائره الوقت الكافي لتوجيه الأسئلة، ويقوم بأريحية بواجب الضيافة الكركية (ينتمي لقرية السماكية القريبة من الكرك).

وفي بداية اللقاء الذي جرى في الساعة الحادية عشرة من صباح الأحد الماضي 18 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري ،يشرق وجهه الصافي بالابتسام حين يتم التطرق لمقاله اللاذع الأخير حول النقد والنقد الذاتي للشيوعية العربية، ويتساءل باقتضاب عما إذا كان المقال قد أثار أصداء وردود فعل.

رد الفعل الأول هو أن المقال جاء متأخراً جداً. لماذا لم تعمد إلى النقد من قبل؟

(يبتسم ابتسامة من توقع السؤال قبل أن يجيب) لقد أمضيت وقتاً طويلاً وأنا أمارس النقد داخل الأطر القيادية الحزبية. لكن النقد كان ممنوعاً. كان يمكن لقيادي مثلي أن ينتقد «من هم تحت» أما من هم «فوق» فممنوع انتقادهم.

لقد زرت الاتحاد السوفييتي السابق لأول مرة في العام 1975 أو 1976. وكان تأخري في هذه الزيارة سبباً في توجيه اللوم لي في موسكو، ولأني كنت انتقد سلوك موظفي السفارة السوفييتيةآنذاك في عمَّان. وانتقد ما كنت اعتبره سلوكاً لا يليق بممثلي دولة كبرى.

في كتابي «ليست النهايات» الصادر في العام الماضي، هناك قدر كبير من النقد لجوانب تجربتنا. وبالتالي فإن النقد والنقد الذاتي ليس جديداً عليّ. ولكن مداخلتي الأخيرة في ندوة عقدت يوم 21 تشرين الأول الماضي كانت أكثر وضوحاً مما سبق، وذلك بعد قراءات عديدة ومراجعة معمقة لما جرى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الجديد. ولقد قمت هذه المرة بتسمية الأشياء بأسمائها.

في مداخلتك عن النقد الذاتي للشيوعية العربية، اعتبرت أن في طليعة الأخطاء تسمية حزبكم بالحزب الشيوعي في بلد صغير بلا صناعة ولا زراعة متطورة ولا طبقة عاملة،هل توافق على استمرار حمل الحزب لهذا الاسم؟.

دعني أجيبك أولاً بالقول إنه كان ذلك مطلوباً، ومن المنطقي أن نسمي الحزب بأي اسم آخر : حزب الفلاحين أو الشعب أو أي اسم آخر يكون قريباً من الناس ومن واقع الحال في الخمسينيات. لم يكن هناك ماركسيون بمعنى الكلمة. غالبية الكوادر كانت من معلمي المدارس وقلة من الأطباء. كانوا بورجوازية صغيرة وليسوا عمالاً.ولم تكن لنا صلة بالعالم الخارجي لا الاتحاد السوفييتي ولا غيره.كانت صلتنا معقودة مع الحزب الشيوعي السوري. وفي تلك الفترة صدر قانونان في العامين 1949 و1952 على التوالي لمناهضة الشيوعية.

وكان بوسعنا عدم استعداء أحد لو أننا تجنبنا اختيار هذا الاسم، وبخاصة أن برنامجنا كان واقعياً ومتواضعاً : إلغاء المعاهدة البريطانية - الأردنية.إطلاق الحريات العامة. منح المرأة حقوقها.وتوطين البدو.«برنامج على قد الحال».كان يجب بناء على هذا البرنامج وبسبب بنية الحزب، تسميته بحزب وطني ديمقراطي أو ما شابه ذلك.

أفهم من ذلك أنك لا تعتبر نفسك الآن شيوعياً، بل ماركسياً أو يسارياً.

لا. كنت وما زلت شيوعياً. لقد عرف الحزب بهذا الاسم لأكثر من نصف قرن. لقد انتهى الأمر بالنسبة للتسمية. إنني معني بتجديد الحزب والحركة الشيوعية لا بتغيير الاسم. لقد ناضلت في السنوات العشر الأخيرة من أجل إشاعة الديمقراطية داخل الحزب، والتسلح برؤية علمية، وإعادة من تركوا الحزب، وإصدار نشرة داخلية يعبر فيها أعضاء الحزب عن قناعاتهم.حوربت بسبب ذلك. إضافة الى مسألة التمويل الأجنبي، كيف نعادي السياسة الأميركية ونتقاضى أموالاً منهم ومن أطراف غربية أخرى؟.اعترف أني فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق نتائج.

هذا أدى للانشقاق وتكوين حزب الشغيلة الشيوعي بقيادتكم.

لا. لقد تخليت عن موقعي القيادي. إذ أراد الرفاق في حزب الشغيلة تسميتي رئيساً للحزب، لكني رفضت. مازن حنّا تولى الموقع القيادي الأول أميناً عاماً للحزب.

هل نجحت التجربة برأيك؟

لا لم تنجح. نصحتهم أن يعودوا للحزب ويناضلوا من داخله. لا سبيل إلا لإعادة وحدة الحزب، شريطة العمل على تجديده ببرنامج جديد وقيادة جديدة وحياة حزبية داخلية جديدة.هناك أزمة في قيادة الأحزاب جميعها وليس لدى الشيوعيين فقط. لقد حاولت فتح الباب أم صعود رموز قيادية جديدة داخل الحزب، بمنح الجميع فرصة الترشيح لا أن تتولى القيادة وضع لائحة للمرشحين يتم التصويت عليها. هذا أحد الأسباب التي حوربت من أجلها.

على الشيوعيين أن يتوحدوا من جديد، على الأقل، كي يضمنوا جمع خمسمائة عضو وفق القانون الجديد للأحزاب.

في مقالتك تحدثت عن الانقطاع عن الحضارة العربية الإسلامية وعن المجتمع المتدين؟

نعم.رجال دين كانوا في تاريخنا قادة للتحرر. من القرامطة إلى الزنج إلى سواهم.لقد وضعنا أنفسنا في عزلة عن البيئة الاجتماعية والثقافية.الآن بدأت الأمور تتغير وتتحسن باطلاع الأعضاء على التاريخ وجوانب ثقافتنا. كنت ضد عزلة الحزب، واقترحت تشكيل مجلس ديمقراطي يضم أعضاء في الحزب ومن خارجه للانفتاح على الآخرين والتفاعل معهم . وكي يسترشد الحزب بآرائهم واجتهاداتهم، لكن القيادة رفضت هذا الاقتراح.مما أسهم في عزلته. كانوا معنيين بالسيطرة على الحزب والبحث عن أمجاد شخصية.الطموحات الفردية هلكتنا : التناحر يتم على المراكز. التواضع غائب.

في المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني، تحدث أمينه العام عن الفشل في إنقاذ ملايين الفلاحين من الفقر، وعن اكتشاف مئات من حالات الفساد داخل الحزب الصيني. لو كان الاتحاد السوفييتي يأخذ بنهج النقد والنقد الذاتي لما وصلت الأمور لما هي عليه الآن. ينطبق ذلك على الأحزاب العربية. والأحزاب القومية واليسارية والشيوعية لم تتمتع بفضيلة النقد والنقد الذاتي، وهذا جزء من أسباب أزمتها، إضافة إلى العسف الذي تتعرض له من الأنظمة، والهجمة الأميركية على المنطقة.

هل أنت متفائل في ظل الأزمات والتحديات التي نعيشها؟.

نعم متفائل رغم كل شيء. صمود كوبا وبروز قيادات تحررية في أميركا اللاتينية يثير تفاؤلي فأميركا ليست قدراً لا يرد.

دعا لوحدة الشيوعيين، على الأقل ليجمعوا خمسمائة عضو زيادين: متفائل رغم ما صادفته من فشل حزبي – السجل خاص
 
22-Nov-2007
 
العدد 3