العدد 16 - دولي
 

لم يمض الكثير من الوقت على إعلان وزير خارجية بريطانيا، ديفيد ميليباند، عن أن طائرات أميركية، استخدمت أراضي جزيرة دييغو غارسيا التابعة لبريطانيا في المحيط الهندي لنقل متهمين بالإرهاب إلى سجون خارج الولايات المتحدة من دون إبلاغ بريطانيا، حتى تكشفت حقائق جديدة عن تلك الجزيرة التي تقيم فيها الولايات المتحدة قاعدة عسكرية.

الحقائق الجديدة تقول إن القاعدة الأميركية لم تكن محطة لنقل المتهمين بالإرهاب إلى مراكز تعذيب في بلدان خارج الولايات المتحدة فقط، بل كانت تضم مركزاً للاعتقال يتعرض فيه المحتجزون للتعذيب. أما من كشف هذه الحقائق الجديدة فهو المقرر الخاص للأمم المتحدة حول التعذيب والمكلف بتقصي الحقائق حول انتهاكات حقوق الإنسان.

وقد أكد المسؤول في الأمم المتحدة، وهو مانفريد نوفاك، أن متهمين بالإرهاب قد احتجزوا في الجزيرة بين عامي 2002 و2003، وأنه قابل بعض هؤلاء شخصياً، مشيراً إلى أنه سوف يقوم بإبلاغ السلطات البريطانية بالأمر، بموافقة هؤلاء الأشخاص، ولكنه قال إن ذلك يستغرق وقتاً.

تزامن هذا الكشف الجديد مع تصريحات أدلى بها أخيراً جندي بريطاني خدم في العراق لمدة ثلاثة أشهر، قال فيها إنه عرف أن مئات الأشخاص من العراق وأفغانستان اعتقلوا ونقلوا إلى مراكز تعذيب خارج البلاد حيث واجهوا تعذيباً شديداً.

ورغم أنه لم يحدد المكان الذي اعتقل فيه هؤلاء، فإن محكمة بريطانية منعت الجندي البريطاني، ويدعى بن غريفيث، من الإدلاء بمزيد من التصريحات المماثلة تحت طائلة الاعتقال.

وكانت فضيحة دييغو غارسيا، قد تكشفت قبل نحو أسبوعين حين أعلن مليباند ما كان معروفاً لدى البعض من أن طائرات أميركية قادمة من سجون خارج الولايات المتحدة وعلى متنها أشخاص متهمون اعتقلتهم أميركا بشبهة ارتكاب أعمال إرهابية، هبطت في قاعدة أميركية في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي التابعة لبريطانيا، وتزودت بالوقود قبل أن تقلع في اتجاه معتقل غوانتانامو في كوبا، وذلك من دون إبلاغ بريطانيا بحقيقة هذه الرحلات.

وخلال إعلانه هذا أمام مجلس العموم البريطاني، قدم ميليباند اعتذاره، واعتذار الولايات المتحدة الأميركية، لعدم إبلاغ بريطانيا بأمر الرحلات السرية، مؤكداً أنها تصرفت «بنية حسنة»، وأنها قدمت اعتذارها لبريطانيا على هذا السلوك الذي عزاه الوزير إلى خطأ في السجلات الأميركية. وأكد ميليباند أن أياً من المختطفين لم يتعرض للتعذيب بطريق «الغمر بالمياه» التي كشف عنها النقاب مؤخراً في معتقل غوانتانامو، وشدد على أن أي رحلة تقوم بها وكالة المخابرات المركزية الأميركية في المستقبل سوف تخضع لموافقة الحكومة البريطانية التي ستحرص بدورها على أن تكون تلك الرحلات متطابقة مع التزامات بريطانيا بما في ذلك التزامها بمعاهدة جنيف المناهضة للتعذيب.

قبل كشف الحقائق الجديدة كان المراقبون يعتقدون أن الأمر يتعلق فقط برحلتين قامت بهما طائرتان أميركيتان توقفتا في دييغو غارسيا في العام 2002، لكن الاكتشافات الجديدة تشير إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وبخاصة أن كلا من رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، ووزير خارجيته جاك سترو كانا نفيا أن تكون أميركا استخدمت الأراضي البريطانية في رحلات التعذيب سيئة السمعة.

ففي كانون الثاني 2007، أكد بلير للجنة من جهاز المخابرات البريطاني أن الولايات المتحدة لم تستخدم الأراضي البريطانية في نقل أي متهم بالإرهاب بعد 11 / 9. وقبل عامين قال سترو رداً على سؤال مشابه: «إننا متأكدون من أن الولايات المتحدة لن تسلم أياً من المحتجزين لديها عبر الأراضي أو الأجواء البريطانية (بما في ذلك تلك الواقعة في ما وراء البحار) من دون موافقتنا.»

مثل هذا الإصرار على النفي يجعل حكومة بلير على الأقل، وجاك سترو على وجه الخصوص، في موقف المتواطئ مع الأميركيين في حربهم على «الإرهاب»، وقد عبرت كيت آلن من منظمة العفو الدولية، عن قلقها، أن تكون قضية الأسيرين هي الجزء الظاهر من جبل الجليد في قضية الرحلات السرية. أما المحرر السياسي في صحيفة نيو ستيتسمان البريطانية مارتن برايت، فقد تتبع خيطاً من المواقف المحرجة لجاك سترو لم يكن آخرها نفيه السابق لإمكان استخدام أميركا للأراضي البريطانية في رحلات التعذيب.

وقد أشار في صورة خاصة إلى تسريب وثيقة في مطلع العام 2006 إلى صحيفة نيو ستيتسمان تتضمن مذكرة وضعها سترو نفسه، تشير إلى ما كانت تعرفه وزارة الخارجية البريطانية عن رحلات التعذيب الأميركية التي تمت على الأراضي البريطانية، مع إقرارها بأن أي تعاون بريطاني في هذا المجال هو تعاون غير قانوني.

أميركا أقامت مراكز تعذيب على أراضٍ بريطانية من وراء ظهر لندن
 
06-Mar-2008
 
العدد 16