العدد 16 - دولي
 

صلاح حزين

رشح ديمتري ميدفيديف نفسه للانتخابات الرئاسة الروسية ففاز بوتين. هذا باختصار هو ما حدث يوم الأحد الماضي ،حين توجه الناخبون الروس لاختيار رئيس جديد لهم خلفا لفلاديمير بوتين الذي خدم فترتين متتاليتين، وكان عليه بعدهما أن يبتعد عن كرسي الحكم ست سنوات، يكون خلالها مدفيديف قد حافظ على حرارة مقعده، كما قال المعلق السياسي البريطاني ديفيد هيرست. وكما توقع الجميع، خلت الانتخابات من أي مفاجآت، ربما باستثناء حصول المرشح الشيوعي غينادي زيوغانوف على نسبة زادت على 18 في المئة، وهي نسبة لم تكن متوقعة للحزب الذي عانى من انشقاقات عديدة يفترض أنها أضعفته خلال الأعوام الستة الماضية.

زيوغانوف الذي احتفظ بموقعه ثاني أكبر حزب في البلاد، وحزب المعارضة الرئيسي فيها، قال إن تزويراً شاب الانتخابات، وهو انتقاد كرره بعض المراقبين الأوروبيين للانتخابات، ولكن النتيجة التي حققها مدفيديف بالفوز بنحو 70 في المئة من أصوات الناخبين الروس، تجعل أي حديث عن تزوير أمرا غير جدي.

سخرية الشعب الروسي بدت واضحة في تعليق نقلته رويترز عن المعارض ميخائيل كاسيونوف، الذي وصف ما جرى بأنه «عملية سرية نفذها «الكي جي بي» بنقل السلطة من شخص إلى آخر.» وتساءلت صحيفة التايمز اللندنية ساخرة عن الشخص الذي سيتلقى تهنئة رئيس وزراء بريطانيا غوردون براون؛ مدفيديف أم بوتين؟ وقالت الصحيفة إن الناس في موسكو يعبرون عن الوجود القوي لبوتين بعد فوز مدفيديف، بجمع اسميهما معا في اسم واحد هو «بوتفيديف».

الرئيس الجديد، بسنوات عمره الاثنتين وأربعين، هو الأصغر الذي يحكم روسيا منذ ستالين. وهناك إجماع على أنه لن يكون أكثر من صدى لبوتين الذي سيحتل منصب رئيس الوزراء في بلد يتمتع فيه رئيس الدولة بصلاحيات واسعة. وعلى أي حال فإن مدفيديف لم ينف ذلك، بل أكده من خلال إجاباته على أسئلة الصحفيين بقوله «إن العمل المشترك مع بوتين يمكن أن يعطي نتائج مثيرة للاهتمام، وأن يصبح عاملا إيجابيا في تطوير دولتنا.»

ويعيد كثيرون اختيار بوتين لمدفيديف ليكون أقرب مساعديه إلى عملهما المشترك في سانت بطرسبورغ في مطلع التسعينات. ولكن هناك من يضيف إلى ذلك أسبابا تتعلق بشخصية مدفيديف ،من بينها أنه لم يخدم في أجهزة الأمن أو الشرطة بحيث يتعلم أصول المؤامرات والدسائس؛ ومن بينها أيضا أن الرئيس الجديد إداري وليس صاحب رؤية؛ بيروقراطي وليس مثقفا؛ تنفيذي وليس مبتكراً.

كل هذه الصفات تجعل منه شخصا مناسبا للعب دور الرجل الثاني. وهناك من المحللين من يرى أنه سيظل الرجل الثاني حتى وهو في المنصب الأول، وأن بوتين سيكون الرجل الأول رغم أنه يتقلد المنصب الثاني، فهو سيكون الحاكم الفعلي لروسيا وإن كان من وراء الستار.

غير أن هناك تجارب عدة أشارت إلى أن هناك من يوضع في المنصب الأول صوريا ولكنه يحوله إلى منصب دائم، وما دمنا نتحدث عن روسيا فإن لنا أن نتذكر أن ستالين كان شخصية ظل أكثر منه زعيما كاريزميا، ولكنه خطف السلطة من زعيم كاريزمي مثل تروتسكي واحتفظ بها لنفسه عقودا طويلة. وفي الستينات كان نيكولاي بودغورني يحتل المنصب الأول في الكرملين كرئيس لمجلس الرئاسة في الدولة السوفييتية، ولكن الحكم الفعلي كان في يد ليونيد بريجنيف، الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي آنذاك. فهل يتحقق في روسيا سيناريو مماثل على يدي ديمتري مدفيديف الذي قد تدفعه طموحاته إلى البقاء في المنصب الأول؟.

توقف بعض المحللين عند إجابة الرئيس الجديد على سؤال عما إذا كانت الشؤون الخارجية ستبقى في يديه بوصفه رئيس الدولة المكلف بهذه الشؤون بحكم الدستور، أم أنها ستكون من اختصاص رئيس الوزراء؛ بوتين. فأجاب: «الشأن الخارجي من اختصاص الرئيس.» فهل في ذلك إشارة إلى أنه سوف يمارس حقه كرئيس في رسم السياسة الخارجية وإقصاء بوتين عنها بعد أن حقق الكثير في هذا المجال في أثناء فترة حكمه؟.

واستطراداً هل يقوم مدفيديف باستخدام صلاحياته كرئيس في عزل رئيس الوزراء، وهو حق كفله له دستور 1993، إن وجد نفسه راغبا في الخروج على بوتين؟ وماذا لو أراد الرئيس الجديد أن يرشح نفسه لولاية ثانية؟ وهو حق كفله له الدستور أيضا. هل سيمضي قدما في خطوة كانت بالتأكيد خارج إطار أي اتفاق محتمل بين الرئيسين الجديد والقديم، إذا كان هناك مثل هذا الاتفاق أصلا، أم يكتفي بست سنوات في الحكم يحتفظ خلالها بكرسي الحكم دافئا لبوتين؟.

أسئلة قد لا تكون ذات صلة، ولكن الأرضية غير الصلبة التي يقف عليها الحكم الجديد في روسيا تجعلها أسئلة مشروعة، فقد تعود الروس على سياسة جديدة تأتي مع كل قيصر جديد، فهل يكون مدفيديف أول قيصر جديد لا يأتي بسياسة جديدة؟.

مدفيديف الروسي يرشح نفسه فيفوز بوتين!
 
06-Mar-2008
 
العدد 16