العدد 1 - أردني
 

راجع تصنيف الأردن على سُلّم الفساد العالمي يثير تساؤلات حول مدى جدية الدولة في محاربة هذه الآفة رغم تبنيها سلسلة قوانين لمحاربتها، في بلد حثّت فيه كتب التكليف الملكية للحكومات المتعاقبة على مواجهة الفساد الإداري والمالي.

ويرى محللون ومسؤولون أن تراجع ترتيب الأردن على سُلّم منظمة الشفافية الدولية من 40 إلى 53 يعكس مناخاً غير مستقر لجهة ترجمة التشريعات إلى آليات عمل قابلة للتنفيذ.

وكان الأردن أقر العام الماضي أول قانون يتعلق بهيئة مكافحة الفساد، التي استحدثت أخيرا. ويجرّم القانون الجديد في أحد بنوده "الواسطة والمحسوبية"- التي تغلغت على مدى عقود في الوعي الجمعي للأردنيين- بالحبس مدة لا تقل عن أربعة أشهر أو غرامة بين 500 و5000 دينار أو بكلتا العقوبتين.

مع ذلك لم يفعّل القانون الجديد بسبب ما يعتبره محللون ضبابية في تفسير البنود المتعلقة بالواسطة والمحسوبية، وغياب الإرادة السياسية لدى الحكومات، وضعف الرقابة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني.

ويذهب محللون إلى اتهام الصحافة بالتقصير في اختبار قوانين من شأنها أن تساهم في مكافحة الفساد، مثل قانون حق الحصول على المعلومة الذي بات نافذاً في تموز/يوليو الماضي.

منذ منتصف العام الماضي، أحيلت سبع قضايا إلى المدعي العام ، بحسب سجلات القضاء.

نائب رئيس ومنسق وحدة الاستطلاعات في مركز الدراسات الاستراتيــجية في الجامـــعة الأردنية د. فارس بريـــزات يقول: "هــــناك انطباع بين الناس بأنه لا تــوجد إرادة جدية لمحاربة الفساد. فعـــدد الحالات التي تم تحويلها إلى القضاء المتعلقة بالفساد لا ترقى إلى حجم الظاهرة التي يتم الحديث عنها في الإعلام أو في مؤسسات الدولة أو لدى النواب".

منذ عام 2001، تكـــشّفت ثلاث قضايا فساد كبرى تتعلق باختـــلاسات وسوء استخدام المال العام بما يناهز نصف مليار دينار، في بلد يقدر حجم الناتـــج المحلي الإجمالي فيه بـ 11 مليار دينار.

تلك القضايا تتعلق بشركة تبغ وسجائر رئيسية، وقضية "الشمايلة" أو ما لقبته الصحافة بفضيحة "الشمايلة غيت"، التي طالت رئيس المخابرات الأسبق سميح البطيخي، وبنك فيلادلفيا.

بحسب تصنيف الشفافية الدولية كان الأردن بين ثلاث دول عربية تراجع فيها مؤشر الفساد إلى جانب سلطنة عُمان والبحرين. قبل هذا التراجع كان الخط البياني في اتجاه تصاعدي عام 2004.

يرى النائب السابق عبد الرحيم ملحس أن «هناك ثقافة فساد في البلد، لا توجد وثائق تثبت الفساد. فالفساد أصبح قانونياً ويستغل الثغرات في القانون».

يشير ملحس إلى عوائد بيع منحة نفطية كويتية للأردن عام 2004 كانت أثارت ضجة في الكويت بحسب صحف خليجية، عندما اعتبر النائب الكويتي السابق أحمد السعدون أن مؤسسة البترول الكويتية باعت منحة نفطية بالنيابة عن الحكومة الأردنية في السوق العالمية، وحولتها إلى حساب شركة في الولايات المتحدة بناء على طلب رئيس الوزراء (آنذاك) بعد أن كان سلفه قد طالب بتحويل تلك العائدات الى البنك المركزي الأردني.

يستذكر ملحس كيف كانت الأجوبة عن هذه القضية غامضة حين كان في مجلس النواب السابق. إذ جاء الرد على استفساراته تحت القبّة حول غياب مبلغ 365 مليون دولار المخصصة للمنحة النفطية عن موازنة 2005: «استرجعنا تقريباً ربع المبلغ والبقية استعملناها حتى نسترد هذه الأموال».

وكشف تقرير لديوان المحاسبة العام الماضي عن مخالفات مالية وإدارية وقضايا تتعلق بالاعتداء على المال العام بلغت 728 ألف دينار. على أن العديد من الأردنيين يعتقدون أنه من الصعب معرفة عدد المخالفات الأخرى التي لم يتمكن التقرير من توثيقها.

التقرير ذاته أشار الى أنه تبين وجود تلاعب في عقود بيع الأراضي في مديرية تسجيل أراضي جنوب عمان. تزامن ذلك مع طفرة في سوق العقارات عام 2004 مع تدفق آلاف العراقييـن إلى الأردن هربا من العنف في بلدهم المنكوب، وتدفق استثمارات خليجية مدفوعة بارتفاع أسعار النفط العالمية.

بينما يواصل الادعاء العام النظر في قضيه صفقة «أمنية» منذ العام الماضي خرج تقرير حكومي يستبعد وجود شبهة وراء هذه الصفقة الضخمة. وكانت رابع شركة خلويات في الأردن قد بيعت لمجموعة بتلكو البحرينية مقابل 415 مليون دولار (280 مليون دينار).

وهناك أيضاً قضية شركة المغنيسيا المتعلقة بشبهة وجود خلل في طرح عطاء قيمته 80 مليون دينار، ثم قضية «كابسات» أمانة عمان المتعلقة بوزير بلديات أسبق. إلا أن لجنة نيابية برأت الوزير من شبهة استغلال منصبه للإفادة من شراء معدات من ألمانيا «غير مطابقة للمواصفات» بقيمة 5،4 مليون دينار. يشير محللون أيضا إلى قضية الاتحاد العام للجمعيات الخيرية وجمعية المركز الإسلامي، الذراع المالية لجماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن إعفاءات لأشخاص وشركات من ضريبة الدخل بقيمة 60 مليون دينار، بحسب مصادر مطلعة على ملفات الإدعاء العام.

منذ تولى جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية عام 1999، تعهد جلالتة بمكافحة الفساد بأنواعه والواسطة والمحسبوبية والشللية، وضمن ذلك كتب التكليف الملكية لرؤساء الحكومات الخمسة في عهده.

يرى مسؤول حكومي «أن الفساد الإداري المتمثل بالواسطة والمحسوبية واستخدام المصالح هو أكثر خطورة من الفساد المالي». وتشيير استطلاعات أداء تقييم الحكومات الى أن المواطنين الأردنيين لا يرون أن الحكومات الأردنية المتعاقبة قد نجحت في محاربة الفساد، بحسب بريزات.

من بين منظومة القوانين التي تبنتها الحكومة لمحاربة الفساد مكافحة غسيل الأموال وإشهار الذمة المالية بعد سنوات من التردد. مع ذلك تخلّف عن تقديم بينات عن أوضاعهم المالية 1600 من بين 3600 مكلف تنطبق عليهم شروط إشهار ذمتهم المالية.

وبينما تحدث عن وجود "فجوة بين التشريع والتطبيق" تساءل المحلل الاستراتيجي بريـزات عن السبب وراء عدم التزام "الجميع بتقــديم كشوفــــاتهم المـــالية علماً أن الموعد انتهى"؟ وتساءل ايضا "هل هذا مؤشر على مدى جدية الدولة في مكافحة الفساد"؟

عام 2006، أنشأت هيئة جديدة لمكافحة الفساد برئاسة عبد الشخانبة وزير العدل الاسبق الذي شغل مناصب رئيس ديوان الرقابة والتفتيش ورئيس ديوان المحاسبة، وذلك بعد عشر سنوات من إطلاق تجربة مديرية مكافحة الفساد المرتبطة بدائرة المخابرات العامة.

الهيئة الجديدة ستحل مكان المديرية التي كان لها دور أساسي في ملاحقة 456 قضية تتعـــلق بالرشـوة، التزويـــر، الاختلاس والسرقة، من بينها 92 قضية مثلت أمام المحاكم، بحسب تقرير صدر العــام الماضي.

يقول الشخانبة، الحائز على دكتوراه في القانون من القاهرة، «إن الهيئة أعدت استراتيجية لمكافحة الفساد من خلال الاستعانة بعدد من المختصين، مع التركيز فيها على الجانب الوقائي المتمثل بإيجاد ثقافة مجتمعية تكافح الفساد وتبين مخاطره على التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية».

منظومة القوانين الجديدة ينظر إليها كتطـــور ملموس ومهم في البنية التشريعية والمؤسسية لمكافحة الفساد، كما يوضح المدون وكاتب العمود اليومي في صحيفة الدستور «باتر وردم».

على أن وردم يتحدث «عن غياب الإرادة السياسية لمكافحة الفساد، بالرغم من التصريحات المستمرة حول جهود مكافحة الفساد من قبل الحكومة».

بحسب وردم، «لم يبلور الأردن حتى اليوم آلية لتطبيق الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد رغم توقيعه عليها، كما أن أكثر النظم المؤسسية فعالية في مكافحة الفساد كانت دائرة مكافحة الفساد في المخابرات العامة التي تتابع حالات الرشاوى وسوء الإئتمان في القطاع العام والخاص. ولكن عملها لم يصل إلى القضايا الكبيرة».

وكان استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية أواخر العام الماضي أفاد بأن 7،64 % من الأردنيين يعتقدون بوجود فساد بدرجات متفاوتة في القطاع العام، في حين رأى 1،52 % بأن هناك فساداً في القطاع الخاص.

واعتبر المستجيبون أن المحسوبية والواسطة هما أكثر مظاهر الفساد انتشارا في القطاع الحكومي تليهما الرشوة واستغلال المنصب الوظيفي ثم الاختلاس والتزوير والابتزاز.

وفيما يتعلق بتقييم المستجيبين لحالة الفساد في القطاع العام خلال 4-3 سنوات الماضية، أجاب %47 من المستطلعة آراؤهم بأن الفساد «ازداد».

وأشار الاستطلاع ذاته في صفوف قادة رأي عام إلى «أن ضعف القضاء وقلة تنفيذ الأحكام وعدم المؤسسية في الشركات تشكل أهم أسباب انتشار الفساد في القطاع الخاص».

من جهة أخرى، أجرى منتدى الشفافية الأردنية استطلاعا حول الرشوة في الأردن في إطار دراسة، لمّا تنشر بعد، عن الفساد في القطاع الخاص. وجد الاستطلاع أن ٪51 من العينة ترى أن الرشوة منتشرة في معاملات البضائع، في حين رأى 4، 39 % إنها تنتشر في المعاملات الشخصية.

وانتقد قانونيون ومحللون السلطة التشريعية، والتي وصفوها بأنها غير فعّالة في محاربة الفساد. المحامي غسان معمر يقول: «للأسف السلطة التشريعية ليست واجهة حقيقية لمحاربة الفساد لأنها سلطة غير فاعلة.

وعلاوة على ذلك، قانون الانتخاب غير مؤهل أن يخدم السلطة التشريعية التي يفترض أن تعبر تماما عن قضايا المواطنين وهمومهم وتشكل أداة فعالة في وجه السلطة التنفيذية. «الخطوات التي اتخذتها الحكومة لمكافحة الفساد هي في إطار نظري وليس في إطار تنفيذي فعلي. فهي واجهة إعلامية للحكومة بأنها تعمل على مكافحة الفساد وللترويج لنفسها أكثر مما هو فعليا لمكافحة الفساد،» حسب المحامي معمر. حتى إن تعريف الواسطة والمحسوبية، الذي أثار جدالاً واسعاً تحت القبة العام الماضي، تعرض لتعديل النواب، إذ أضحى جرماً «إذا كان يلغي حقاً أو يحقق باطلاً».

هذا التوصيف، بحسب باسم سكجها رئيس منتدى الشفافية الأردنية، «يعني تشريعا للواسطة» معتبراً أن الشخص الذي يرى له الحق في شيء يستطيع أن يستخدم الواسطة».

وينتقد سكجها المجتمع المدني والصحافة ويعتبر أنها «لم تحاول أن تضع القوانين على المحك». وقال: منذ سن قانون حق الحصول على المعلومة، لم تتقدم أي جهة من المجتمع المدني أو من الصحافة بطلب معلومات من الدولة لاختبار القانون. ولم تسجل أي قضية حتى هذه اللحظة». ويبرر ذلك بقوله بأنه «لايوجد لديهم ثقة بالقانون وهذا خطأ فيجب أن يجربوه».

ومع أن قانون حق الحصول على المعلومة يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن الحكومة أبقت على قانون حماية أسرار الدولة عام 1971، الأمر الذي يشكل- حسب رأي الخبير في قوانين الإعلام يحيى شقير «أكبر عائق أمام الحصول على المعلومة، لأن بإمكان الحكومة تصنيف أي وثيقة حكومية بالسرية».

وكان لمجلس النواب الحادي عشر (1989-1993) دور أساسي في إثارة تسع قضايا فساد تتعلق بكبار المسؤولين، إلا أن أيا منها لم تصل إلى نهاياتها.

في تلك الحقبة، فتح ملف بنك البتراء المتعلق بكبرى الفضائح المالية حتى ذلك الوقت. أسهمت تلك القضية، المتصلة باختلاسات بلغت 233 مليون دينار، في هبوط الدينار إلى نصف قيمته في ذلك الوقت.

مجلس النواب السابق، بحسب النائب السابق ممدوح العبادي، ورئيس لجنة مكافحة الفساد في المجلس «لم يأخذ دوره الحقيقي في الرقابة».

تراجع الأردن على سلم الشفافية يثير جدلاً حول جدية الدولة في مكافحة الفساد – سهى معايعة
 
08-Nov-2007
 
العدد 1