العدد 16 - أردني
 

ياسر أبو هلالة

« طلب مني أن أنصح زكي سعد بني ارشيد بالانسحاب من الترشيح للأمانة العامة لحزب جبهة العمل الإسلامي ،رداً على الاتهامات لحماس بالتدخل في الشؤون الأردنية ؛فأجبته : لو فعلت فإن هذا سيؤكد صحة الاتهامات « الطالب هو المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين عبدالمجيد ذنيات ، والمطلوب منه هو خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس .

كشف مشعل تلك الواقعة لكاتب هذه السطورعندما قابلته في دمشق قبيل الانتخابات الأخيرة

ردا على سؤالي : لماذا لا ترد حماس على الاتهامات التي توجه لها بالتدخل في سير الانتخابات . والواقع أن أحدا في الأردن دولة و"إخوانا" و"حماسا" لا يملك إجابة مكتملة على السؤال . فخالد مشعل وجميع أعضاء المكتب السياسي لحماس من الأردنيين – بما فيهم الملاحقين أمنيا – جددت جوازات سفرهم الأردنية . وهم يقومون بأنشطة سياسية تعتبرها الدولة معادية .

لم يكن تجديد الجوازات قراراً للقسم القنصلي بالسفارات ، فلا شك أنه اتخذ على أعلى المستويات السياسية والأمنية في الدولة . وهو يعبر عن اعتراف بالأمر الواقع ، وتجنب لإشكاليات يخلقها رفض تجديد الجوازات ، أي سحب الجنسيات . والمسألة أعقد بكثير من انتخابات نيابية عامة أو حزبية داخلية خاصة .

في التغطيات الصحفية لانتخابات الإخوان بات يتردد تصنيف « تيار حماس « وللتخفيف قد يقال « التيار المقرب من حماس» . مع أن الحقيقة التاريخية تقول أن الإخوان وحماس تنظيم واحد .وأن قيادة التنظيم ظلت لعهد قريب هي للمراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن .

هذا هو تنظيم الإخوان المسلمين . وللتاريخ علينا أن نتذكر أن إبراهيم غوشة الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس ، كان من أول الأعضاء المؤسسين في حزب جبهة العمل الإسلامي . وظل مقره العلني مكتب نواب الحركة الإسلامية . أما خالد مشعل فقد كان لحين من الدهر مقره في المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين . وقد ظل من قيادات الإخوان الإردنيين في الكويت قبل أن يتفرغ للعمل في قسم فلسطين . وفي تنظيمات الإخوان خارج الأردن كان الدكتور موسى أبو مرزوق أول رئيس مكتب سياسي لحماس يعمل قياديا في تنظيم أميركا الشمالية إلى جوار عماد أبو دية نائبي المراقب العام السابق .

من التجربة الشخصية يصعب أن أنسى أن أول دورة قيادية إخوانية في جامعة اليرموك « دورة النقباء « كان معي فيها محمد عبدالدايم الطالب في قسم الإحصاء في جامعة اليرموك ، وكان مسؤولها فرج شلهوب . اليوم غدا محمد « أبو عمر « عضوا بارزا في المكتب السياسي لحركة حماس ، وهو يحمل الجنسية الأردنية وفرج غدا عضوا بارزا في مجلس شورى الإخوان المسلمين وهو من أبناء مخيم غزة ولا يحمل الجنسية الأردنية . وسبق أن فشلت محاولة لإبعاده عن الأردن عام 1995 على يد وزير الداخلية سلامة حماس .

لمع نجم فرج في سماء التنظيم الإخواني إثر اعتقاله في أحداث جامعة اليرموك عام 1986 ، وكان شريكه في المعتقل الدكتور رحيل الغرايبة المسؤول في قسم الجامعات والذي صار اليوم نائب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي .

هل يقف الأمر عند هذا الحد ؟ لا . على رغم كل ما يقال في الإعلام ، ظل الإخوان المسلمين وحماس تنظيما واحدا . وليس مجرد علاقة فكرية وسياسية . فلسطين شعبة من شعب الإخوان ونابلس مثلها مثل إربد . وقادة حماس بايعوا المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين مثلهم مثل أي أخ مسلم . وكل أخ مسلم فلسطيني كان يأتي من الضفة الغربية أو غزة أو الكويت أو أميركا كان يعامل مثله مثل أي أخ مسلم في الكرك أو إربد له الحقوق نفسها وعليه الواجبات نفسها.

قد تفسر العلاقة بأن الإخوان المسلمين تنظيم أممي عابر للحدود ,وبالتالي عابر للضفتين .هذا التفسير غير كاف . ففي الكويت –على سبيل المثال – كان المفترض أن يكون الإخوان الفلسطينيون في التنظيم الكويتي ، كما يكونون في أوربا أو أميركا في التنظيمات الأميركية والأوروبية . تعامل الإخوان بشكل طبيعي وغير مفتعل . وهم جزء من الشعب الأردني والفلسطيني المندمج منذ وحدة الضفتين . وتعاملوا مع القضية الفلسطينية باعتبارها عبئا إسلاميا لا يقوى الفلسطينيون وحدهم ، ومعهم الأردنيون ، على حمله .

رفضوا قرار فك الارتباط باعتباره تراجعا عن وحدة الضفتين . وهو تكرار لرفضهم قرار انفصال سورية عن مصر على رغم صراعهم الدامي مع عبدالناصر . وعندما تحدوا قرارا أعلن على لسان الملك حسين في خطاب مطول متلفز ، لم يثر ذلك غضبه . ولم يحاسبوا عليه مع أن البلاد كانت في الحقبة العرفية ويد الدولة باطشة . ربما اعتبر الملك أن موقفهم يعبر عما في داخله ، وأن فك الارتباط هو اضطرار لا خيار . فالملك حسين ظل يتصرف باعتباره ملك الضفتين لآخر لحظة في عمره . ولم يكن المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين محمد عبدالرحمن خليفة بعيدا عن تفكير الملك . فالإخوان في فلسطين ( الضفة وغزة ) هم أبناؤه لن يفصله عنهم حواجز الاحتلال أو فك الارتباط .

نشأت حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين عام 1987 ، وعرفت نفسها بميثاقها بأنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين . لكن قيادة الإخوان في الأردن لم تكن تتخيل في حينه ، أن الفرع سيغدو أكبر من الأصل ، وأن هذه الحركة ستكتسح الانتخابات وتشكل حكومة . وقبل ذلك سيكون لها ذراع عسكري ضاربا .

هل كانت الدولة الأردنية بعيدة عن ذلك ؟ الملك حسين الذي يوقع معاهدة سلام مع الإسرائيليين يقيم في عاصمته المكتب السياسي لحركة حماس . وهو يعرف بأن رئيس المكتب السياسي هو المسؤول الأول في الحركة الذي يصدر أوامره للجناح العسكري . وعندما هزت تفجيرات عام 1996 المدن الإسرائيلية ، أرسل رسالة شفوية إلى خالد مشعل يقول فيها « أحسنت «. أدرك الإسرائيليون أن الملك حسين يعتبر حماس حليفا لا عدوا . وفي كتاب « تحدي الإسلام الراديكالي « لنعيم طال الذي كان مسؤولا في الشين بيت، يشخص الملك بأنه» مخادع في تعامله مع حماس» . وأنه لم يتعاون مع الإسرائيليين لضرب الحركة .

في الأثناء هل كانت حركة حماس تقيم في زنازين انفرادية في الأردن ؟ كانت تتفاعل مع التنظيم الإخواني الأم وتعتمد عليه دون أن تميز بين أردني وفلسطيني. وفي أكبر علمية تهريب سلاح لصالح الحركة تم ضبطها مطلع التسعينيات كان من أبرز المتهمين نمر العساف ( من عشائر العدوان ) وممدوح المحيسن( من الطفيلة ) ، وهما ترشحا في الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب . لم تشعر الدولة في حينها بأن السلاح كان موجها ضدها ، وخرج المتهمون بالعفو الملكي ، وكان الرد استضافة المكتب السياسي للحركة بشكل رسمي واستقدام العضوين غير الأردنيين : رئيس المكتب السياسي في حينه الدكتور موسى أبو مرزوق وعماد العلمي . حتى عام 1999، أي السنة التي أبعد فيها قادة الحركة من عمان لم يصدر في الصحافة الأردنية ولا في الأوساط السياسية أي تصريح أو تلميح بتدخل حركة حماس في تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن. بعد الإبعاد بدأ الهمس حول التدخل ، وأجرى الإخوان مراجعات حول العلاقة التنظيمية لبعض الإخوان مع حماس, وانتهت إلى ترتيبات داخلية تحدد طبيعة العلاقة التي لا تسمح بعمل "تنظيمي" لحماس في الأردن، مع الإقرار بالواقع التاريخي الذي لا يعترف بفك الارتباط . اليوم صار الحديث عن تدخل حماس على كل لسان ، يختلط فيه الافتراء والكذب بنقص المعلومات وسوء الفهم بالمعومات الصحيحة على السواء . كيف يمكن أن نميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود ؟ من الصعب جدا . فلا يمكن القول أن قادة حماس في دمشق يعطون توجيهات لقيادات إخوانية في الأردن . كما لا يمكن القول أنه لا علاقة لحماس بانتخابات الإخوان في الأردن . وفي المقابل لا يمكن التقليل من تاثير الإخوان في الأردن على حماس . لا شك أن حماس بفعل قوة القضية الفلسطينة وقوتها التنظيمية أكثر تأثيرا على الأخوان اليوم . وهذا التأثير كان معكوسا بالأمس.

يسهم قرار التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بإنشاء « تنظيم فلسطيني « في حل بعض الإشكالات ، فمن الصعب أن يكون الأخ المسلم ابن قطاع غزة المقيم في السعودية والذي لم ير الأردن قادرا على فهم ما يجري في الأردن ، وسيجد نفسه منسجما مع تنظيم فلسطيني صاف أكثر من تنظيم مختلط . طبعا هذا لا ينطبق على الأردن فالأخ المسلم الغزاوي المقيم في الأردن لا يمكن فصله عن التنظيم المختلط . أقول بعض الإشكالات ، ولكن معظم الإشكالات ستظل قائمة في وجه التنظيم الإخواني تماما كما هي في وجه الدولة الأردنية التي عجزت حتى الآن عن وضع تصور لدور الأردنيين من أصل فلسطيني سياسيا وما التخبط في صياغة قوانين الانتخابات وإجراء الانتخابات إلا أحد مظاهر العجز في التعامل مع الإشكالية . قصارى القول ، أن العلاقة الأردنية الفلسطينية ببعديها الداخلي والخارجي هي مكسب للشعبين ، ولا يجوز إضعافها أو العبث بها . وهي علاقة مركبة معقدة إشكالية تحتاج إلى تعامل ذكي معها. سواء على مستوى العلاقة التنظيمية في جماعة الإخوان المسلمين أم على مستوى علاقة الدولة بالفلسطينين . من المصلحة الوطنية تقوية تنظيم الإخوان العابر للضفتين وحدة وطنية داخليا ، ودعما للشعب المحتل خارجيا . لا يجوز التعامل مع حماس باعتبارها خطرا، بل حليفا يواجه الاحتلال الذي يشكل تحديا وتهديدا للأردن إلى اليوم . وحماس يجب أن تكون أكثر حساسية وذكاء في التعامل مع الوضع الداخلي في الأردن . فلا أحد يقبل لا في الدولة ولا في الإخوان أن تتمادى حماس في تأثيرها (وهو ما يصعب قياسه). تماما كما لا يقبل أن يظل التعامل مع حماس من طرف الدولة باعتبارها تنظيما معاديا .

يقول عبدالكريم الكباريتي أن الملك حسين كان ينوي تأجيل انتخابات عام 1993 انتظارا لما ستسفر عنه اتفاقات أوسلو ، واستعدت الدولة لخيار التأجيل . في لحظة قرر الملك حسين إجراء الانتخابات ، لماذا ؟ زاره ياسر عرفات واقترح عليه التأجيل . تعكس الواقعة حساسية العلاقة وتعقيدها . فالملك لم يكن ليقبل أن يقرر عرفات بعد أن أخذ منه الضفة الغربية ما يجري على الضفة الشرقية . ستظل العلاقة الإشكالية مشوبة بالحساسيات المفرطة من الجانبين .وهي علاقة غير قابلة للفصل تماما كما هي غير قابلة للجمع تماما. ولا يتسثنى من ذلك جماعة الإخوان المسلمين.

حماس والإخوان: تداخل كياني أم تدخل تنظيمي؟
 
06-Mar-2008
 
العدد 16