العدد 16 - أردني
 

سليمان البزور

التوريث السياسي لحقائب وزارية و مقاعد نيابية و مناصب سياسية أخرى عادة دارجة منذ عقود. لكن الأحزاب تصر على الخروج عن هذا العرف، فأقطابها يفضلون النأي بأبنائهم وعائلاتهم عن الانخراط بالعمل الحزبي مستحضرين معاناتهم والضريبة المرتفعة التي تكلفّوها إبان مراحل حياتهم السياسية.

"كش برّة وبعيد، شو بدهم بهالقصة"؟ يعلق ساخرا رئيس الديوان الملكي والوزير السابق عدنان أبو عودة الذي احتل العمل الحزبي من حياته العملية سنوات طويلة. "هاي قصة مزعجة ، ومسؤولية كبيرة. لقد انطبعت في الذاكرة مقولة العين بصيرة واليد قصيرة، والحزبية تدفعك للشعور بالعجز".

سعيد وسعد نجلا أبو عودة يعملان في القطاع الخاص.

إرهاصات أبو عودة الحزبية بدأت في الإخوان المسلمين شعبة نابلس، ثم انتقل إلى معسكر البعث العربي الاشتراكي والشيوعي الأردني، بحسب كتاب "الوزراء الحزبيون على خارطة الحكومات الأردنية" لزياد أبو غنيمة.

في مقارنة أخرى، لو يورث أول محافظ للبنك المركزي الأردني والوزير الأسبق خليل السالم سوى حقيبة وزارية إلى نجله باسم، وزير العمل الحالي.

إذ بخلاف والده، الذي كان على صلة بحركة القوميين العرب، يبتعد باسم عن العمل الحزبي، وقد دخل الحكومة من باب رجال الأعمال بعد أن ترأس كبريات الشركات.

أبناء كامل العجلوني، أبرز الأسماء السياسية الذي كان له نشاطات حزبية متعددة، لم يتبعوا خطى والدهم. نجله صخر العجلوني أمين عام الديوان الملكي ويحمل لقب معالي.

نجلا المفكر القومي والحزبي العتيق منيف الرزاز أبرز أعمدة حزب البعث ، لم يتبعا خطى والدهما في العمل الحزبي ،بعكس ذلك انتقد الابن الأكبر مؤنس الحياة الحزبية العربية في العديد من رواياته أبرزها " الأحياء في البحر الميت"، "متاهة الأعراب في ناطحة السراب "، بينما امتهن عمر لغة الحسابات والأرقام متسلماً زمام مواقع مهمة في البنك الدولي ومؤخراً مديراً عاماً للضمان الاجتماعي .

في حين يقول مقربون من الطبيب والشيوعي العتيق يعقوب زيادين أن نجله الأكبر خليل وأبناؤه الآخرون لاعلاقة لهم بالعمل السياسي المؤدلج على طريقة والدهم بالرغم من مشاركتهم في بعض الأنشطة السياسية كبعض المسيرات والمهرجانات ويعطي خليل زيادين جل وقته واهتمامه لعلاج مرضاه في عيادته الخاصة.

وهو مايندرج على أمين عام الحزب الشيوعي منير الحمارنة الذي يشير مقربون منه على ابتعاد أبناؤه عن العمل السياسي بشكل رسمي.

أبناء أمين عام الحزب الوطني الدستوري أحمد الشناق فضّلوا الابتعاد عن السياسة؛ فاختاروا الطب دون أن يكون لهم أي نشاط سياسي.

الشناق يعزو ذلك إلى أن "الشباب يخافون على فرص عملهم وقبلها على دراستهم في الجامعات؛ وهناك تضييق على العمل الحزبي في حالات المنح والبعثات الدراسية، التي يشترط فيها على المتقدمين عدم الانتساب لحزب لذا فإن عامل الخوف يلعب دوراً أساسياً".

يعلق الشناق على قضية عدم فيما يبدي الشناق معارضته الشديدة لقضية التوريث الحزبي أيا كانت الأسباب ويترك الانتماء للحزب للقناعات الشخصية.

أمين عام حزب العهد خلدون الناصر يستذكر التشجيع الذي تلقاه من والده مصطفى الناصر، والقيم القومية التي علمه اياها في طفولته. الناصر الأب كان من أوائل أعضاء الحزب الشيوعي الأردني. و يقارن الناصر الإبن "بين ما يجري الآن من ضعف وتفكك في الحياة الحزبية وما شهدته ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من نضوج العمل الحزبي". الناصر يصف المشهد السياسي الحالي "بانقلاب الأمور رأساً على عقب"؛ و يقول: " في الماضي كان نادراً وجود شخص غير منتسب الى حزب، لا بل كان من المعيب البقاء دون الانخراط في الأحزاب. الحركة الحزبية اليوم اختلفت وبات العكس هو المطبق".

ويصف الناصر نتائج مسيرة حياته الحزبية حتى اليوم بالباهظة. و يقول: " عوقبت بفصلي من وظيفتي ، حين كنت مديراً عاماً لمؤسسة تصنيع المنتجات الزراعية وتعرضت للكثير من المضايقات". لذلك، يقول الناصر، تكون لدى "الكثير من أبنائه انطباع سلبي تجاه التحزّب. بعضهم أصبح يربط العمل الحزبي بالجوع والتخويف والملاحقة في لقمة العيش؛ حتى إن منهم من بات يمقت السياسة".

الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الاسلامي حمزة منصور "يترك لأبنائه حرية الاختيار دون ممارسة أي ضغوط باتجاه تحزبهم". و يقر منصور أن "أبناءه جميعاً يؤمنون بمبادئ رسالته؛ لكن اثنين منهم فقط ينتسبون للحزب بصفة رسمية؛ فيما قرر أربعة آخرون عدم الانتساب. منصور يربط العزوف عن العمل الحزبي في الأردن عموما بنمط الحياة السياسية السائد التي يصفها "بمقبرة الأحزاب". ويضيف أن "الحزبيين وأبناءهم يعاقبون وتوضع العوائق في طريق عملهم. ومن الصعوبة البالغة حصولهم على شهادات حسن سلوك فضلا عن بطء الترقية في العمل والمنع من السفر".

أمين عام حزب البعث العربي التقدمي فؤاد دبور يرجع خيار الانتساب للاحزاب للقناعة الشخصية سواء تعلق الأمر بأبناء الحزبيين أو الأفراد الآخرين. ويؤكد دبور أن العملية السياسية لاتحتمل "التوريث" فيما تختزل حياة الحزبي في جانبين؛ الأول سلبي يتمثل في الاعتقال و الحجز والمنع من السفر، الأمر الذي قد يثني الأبناء عن العمل الحزبي. أما الجانب الآخر فهو إيجابي يتمثل في محاولة تقليد الأب واتخاذه قدوة في هذا الشأن". في حالات كثيرة تحمل البنات الراية الحزبية بينما ينصرف الأولاد إلى العمل العام. ينحسب ذلك بنات فؤاد دبّور الثلاث اللواتي دخلن في صفوف الحزب، بخلاف أبناؤه البعيدين عن الانتماءات التنظيمية، كما يقول.

أمين عام حزب حزب الرسالة حازم قشوع له رأي مغاير. إذ يؤكد قشوع أنه "لم يتعرض خلال مسيرته الحزبية لأي شكل من أشكال المضايقات". و يقول: "على العكس، كنا نلاقي تشجيعاً كاملاً لاستقطاب المواطنين وتدعيم المؤسسة الحزبية".

الا ان قشوع لايستبعد انتشار العزوف عن الانخراط في العمل الحزبي بين شرائح كثيرة من المجتمع. و يرى أن الحل يمكن في إسناد الحياة السياسية وتعزيزها.

ويقول: " أبنائي ما زالوا في أعمار مبكرة؛ لكن أبناء غالبية القيادات داخل الحزب ينخرطون في العمل الحزبي".

في ذات السياق، يقول أمين عام الحزب الشيوعي الأردني منير الحمارنة إن " الذاكرة الأردنية ما فتئت تحمل في طياتها صور الخوف وأحداث الفترة الماضية المقترنة بالمنع من السفر، والاعتقالات". هذه العوامل، بحسب الحمارنة، كانت السبب الرئيس في غياب النشاط الحزبي عموما. و يختم حمارنة بأن " هذا التخوف مرتبط بعدم وجود ثقة وتطور في الحياة الحزبية خاصة مع قناعة الحزبيين بتدني سقف الديمقراطية".

**

مسيرة يسارية على خطى الأب

في استثناء عن القاعدة، يمشي محمد على خطى والده فرج إطميزة في صفوف الحزب الشيوعي الاردني.

بـ"بيريه" ثوري على طريقة تشي جيفارا، ولحية خفيفة ينقصها التشذيب يقدم محمد نفسه ناشطاً شيوعياً.

محمد (26 عاماً)، يعتبر أن وعيه الحزبي تشكل منذ صباه حين كان يزور والده في السجون والمعتقلات في ثمانينات القرن الماضي. "أيام المدرسة كنت أعي أن مهمة قد انيطت بي، أن أكون على مثال أبي، وتعين أن أبذل جهداً أكبر، من خلال التثقيف الذاتي وخوض تجربة النضال ". يؤكد محمد الذي يعد توجهه الحزبي تميزا بين اقرانه.

التحاقه بجامعة اليرموك في العام 2001، دارسا لهندسة الاتصالات، شكل مدخلا مهما في تجربة محمد السياسية، فقد برز في مقدمة الناشطين في الحركة الطلابية، نظم وشارك في "تجمعات، مسيرات ، مهرجانات خطابية واعتصامات" في مناسبات شتى أبرزها " الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين في الضفة الغربية وانطلاق انتفاضة الأقصى الثانية بالإضافة إلى احتجاجات الطلبة في جامعة اليرموك على ارتفاع الاقساط الجامعية.

بعد الجامعة لم ينقطع محمد عن العمل الحزبي. فشارك قبل ثلاثة أشهر تقريبا في حملة " لأ " التي أطلقها شبيبة الحزبين الشيوعي والشغيلة. الحملة المناهضة لارتفاعات الأسعار اشتملت على توزيع منشورات، وإصدار بيانات، وتنظيم اعتصامات واحتجاجات أمام مجلس النواب- و تعليق أرغفة الخبز في الساحات العامة.

محمد يقر أن مسيرته الحزبية "شائكة نوعاً ما"؛ لكنها "لا تقارن بحجم التضحيات التي قدمها والده والاجيال التي رافقت بدايات مسيرة الحزب الشيوعي ".

ويجادل بأن النشاط الحزبي في الاردن "يواجه الكثير من العقبات، خاصة ما يتعلق منها بقرارات المنع المسبقة ضد عقد الاجتماعات و النشاطات الحزبية الأخرى".

بنبرة تنم عن حزن، يستذكر محمد، خشيته على مستقبل الحزب " حين صدر قانون الأحزاب الأخير، الذي هدد وجود العديد من الأحزاب. تأكد لي مدى عشقي للحزب ، فقد تبادرت إلى ذهني صورة مقر الحزب وقد جرى اغلاقه ".

أبناء “العتاقى”: يبتعدون عن “كار” الآباء الحزبي: “توريث الحقائب” لا ينسحب على الابناء
 
06-Mar-2008
 
العدد 16