العدد 16 - أردني
 

علاء الطوالبة

تقحم حكومات متعاقبة أركان "العشيرة" في المشهد السياسي بأمل توظيفها "حصان طروادة" لاختراق التنظيمات والقوى الحزبية، في مسعى لكبح تمددها وخصوصا في أعقاب ما يعرف بـ"الانفراج الديمقراطي" الذي شهدته المملكة عام 1989، على ما ينتقد نشطاء حزبيون.

في الأثناء، تضيف المصادر ذاتها، تغدق الحكومات أعطيات وإعفاءات طبية وتعليمية على رموز عشائرية، ما ينعكس سلبا على أسس ومبادئ مواطنة كان النظام اعتنقها نبراسا لا بديل عنه لتثبيت أركان الأمن والاستقرار الداخلي، ما يرتب حرمان مواطنين "مستحقين".

أمين عام حزب البعث الاشتراكي التقدمي (جناح سورية) فؤاد دبور يرى أن قانون الصوت الواحد، الذي اعتمد عام 1993، «كرّس التعصب العشائري، وخلق انقسامات حتى داخل العشيرة». على أن الدورة الانتخابية الأخيرة «شهدت سطوة رأس المال السياسي، المتمثل في عمليات شراء أصوات تحدثت عنها تقارير صحافية ومنظمات حقوقية، على التنظيمات والعشيرة نفسها».

يقول دبوّر: «العشيرة موجودة منذ القدم، لكنها باتت تأخذ مكانة سياسية على حساب الأحزاب الأوسع شمولا»، ويضيف: « في ظل العراقيل التي وضعتها الحكومة أمام دور الأحزاب على الساحة السياسية، تصدرت العشيرة الواجهة وتقزمت الهويات الجامعة واتجه المواطن لها بسبب حضورها المكثف في الساحة».

ويعزو التراجع الذي شهدته الأحزاب إلى «قانون انتخاب مجزوء علاوة على ملاحقة وتضييق على حال الحريات».

"إحلال "الهويات المصغّرة" مكان "الهويات الجامعة" عززته الدورات الانتخابية الثلاث الماضية، الأمر الذي دفع بالعشيرة لتصدر المشهد السياسي المحلي، وهو ما أثبتته النتائج التي أسفرت عنها تلك الدورات على حساب الحزبية والالتزامات السياسية"، حسب دبور.

بيد أن أمين عام الحزب الشيوعي منير حمارنة يجادل بأن "العشيرة لم تلعب دورا في تراجع العمل الحزبي، لكن المناخ السياسي هو من دفع بها لتكون بديلا عن الأحزاب".

"النظام السياسي هو من أعطى العشيرة زخما سياسيا وحضورا في مواجهة الأحزاب"، يشرح حمارنة، لافتا الى أن "قانون انتخاب الصوت الواحد لعام 1993 زاد من حدة الدور المنوط بالعشيرة، إذ منع إقامة تحالفات سياسية بين المرشحين في الانتخابات، وقلل من أهمية البرامج السياسية التي يطرحوها بفعل تمكن القوى العشائرية داخل أروقة المؤسسات الرسمية وتراصصها واستقوائها على حساب تلك البرامج، واعتمادها مبدأ تنفيع فئات دون أخرى، ما ترك اثرا سلبا على حقوق المواطنة، ".

الى جانب ما تقدم، "يسهم حكام إداريون في المحافظات في دعم زعزعة دور القيادات السياسية وحضورها حتى في مناسبات وطنية، وخصوصا عند زيارات جلالة الملك عبدالله الثاني للمحافظات، إذ تدعى الزعامات التقليدية العشائرية الى استقبال الملك واقامة سرادق وخيم تعلوها شعارات تنسبها الى عشائر ، فيما تـُغيب المؤسسات السياسية وقياداتها".

يؤيد سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية الديمقراطية ما ذهب إليه حمارنة، موضحا "العشيرة كوحدة اجتماعية لا علاقة لها بالتراجع الحاصل في الحياة الحزبية وإنما في القوانين الانتخابية التي صيغت"، ويلحظ أن "المعركة ليست مع العشيرة بقدر ما هي مع تحالف حاكم مكون افتراضا من بيروقراط، ملاكين، كمبرادور، وزعامات عشائر، إذ أن ذلك التحالف يحرص على التشبث بقوانين بالية تضرب كل مكونات مجتمع الحداثة المنشود".

ينتقد تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» صدر بداية العام الجاري بعنوان «التظاهر بالديمقراطية يقوض الحقوق» ما يصفه بسلسلة من التراجعات على صعيد ممارسة الحقوق السياسية الأساسية وتجاوزات أثّرت على نزاهة الانتخابات البلدية والنيابية، إلى جانب عدم وفاء الحكومة بوعد كانت قطعته عام 2006 بإصلاح القوانين الانتخابية.

يحمّـل رئيس المكتب السياسي في حزب الوسط الإسلامي فايز الربيع الحكومات المتعاقبة مسؤولية «عدم توفير مناخ يخلق ثقافة سياسية شعبية تمثل إرادة المواطنين، نظرا للافتقار الى الارادة والنية السليمة لتطوير عمل حزبي يستند لتلك الثقافة».

يورد الربيع بأنه أخبر رئيس الوزراء نادر الذهبي أثناء زيارته الأخيرة لمدينة السلط عن واقع العمل الحزبي، وخاطبه قائلا: "إذا كنت حزبيا، فأنت متهم، وإن كنت أمينا عاما، فأنت خارج اللعبة".

ويشير بنبرة لا تخلو من حسرة " إن لم يكن هناك ثقة بالأحزاب فلا حياة سياسية".

يسترجع الربيع فترات ما قبل عام 1989 "في ظل إطباق الأحكام العرفية على رقابنا، استبدلت الأحزاب طرح مرشحين باسمها، بطرح مرشحين يستندون الى البعد العشائري»،ويعتبر ذلك بمثابة «خطأ استراتيجياً لأنه جذر التوجهات العشائرية داخل الأحزاب نفسها».

«الأجندة الوطنية»، التي وضعت مطلع 2005، قدمت رؤية شاملة حول العمل السياسي، ومن ضمنه الحزبي، وطرحت قانونا انتخابيا مختلطا يجمع بين التصويت للقائمة النسبية والقانون الحالي. إلا انها بقيت حبيسة الإدراج حتى الساعة.

ابتعاد الاحزاب عن الخط العشائري يتناقض مع توجهات الحزب الوطني الأردني، المؤسس حديثا، إذ نصّب «مجلس عشائر» بهدف حل المشاكل الاجتماعية بين المواطنين، وهو دور اضطلعت به الزعامات العشائرية الأردنية تاريخيا.

تشرح الأمينة العامة للحزب منى أبو بكر أن « حزبها يلعب هذا الدور للتخفيف على المواطنين الذين يحضرون إلى مقر الحزب لحل خصوماتهم، بدلا من البحث عن شيوخ عشائر لهذا الغرض»، لافتة في الآن نفسه، إلى أن «العشائر الأردنية تريد أحزابا أردنية خالصة تحمل أفكارا وطنية غير مستوردة، وإذا ما تم ذلك فسيتجه ابناء العشائر لها».

وتضيف "يهدف الحزب أيضا إلى تعزيز العادات والتقاليد العشائرية المتبعة في المملكة والمحافظة عليها".

في ظل قانون الانتخاب الذي صدر في عام 1989، ومنح الناخب أكثر من صوت، كان باستطاعة المقترع أن يوائم بين ما بات "واجبا عشائريا"، ومن جهة أخرى أن يختار مرشحَين آخرين استنادا إلى معايير قد يكون أحدها سياسيا. لكن في قانون 1993، لم يعد للمقترع خيار سوى صوت واحد لمرشح واحد.

هذا بالضرورة، كما يؤكد الواقع الموضوعي ساعد في احداث تغييرات في انماط السلوك السياسي، وعمق التوجه نحو التصويت على الهوية وليس على أساس المصلحة الموضوعية.

أطر حزبية تتقزم أمام عملقة “العشيرة السياسية”
 
06-Mar-2008
 
العدد 16