العدد 15 - أردني
 

السّجل - خاص

تعميم رئيس الوزراء نادر الذهبي قبل أسبوعين الذي يمنع تسريب أي وثائق قد تكشف "تجاوزات إدارية ومالية" يثير اندهاش صحافيين ونشطاء سياسيين رأوا في الإجراء تناقضا مع روح الدستور، قواعد ومرتكزات الحاكمية الرشيدة والمعاهدات الدولية الملتزم بها الأردن.

ويتساءل خبراء في القانون والإعلام عن المغزى من توقيت صدور هكذا تعميم بعد ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة وإفراز مجلس أمّة، يبدو أن رقابته على أداء السلطة التنفيذية تتراجع. كذلك يرى قادة رأي أن الإجراء "يحرم الصحافة من لعب دورها الرئيس في "إطلاق صفارة التنبيه" في مجتمع تتمدد فيه السلطة التنفيذية على حساب سائر أذرع الدولة.

نقابة الصحفيين طالبت في بيان بإلغاء التعميم وإعادة النظر به معتبرة أنه يتناقض مع توجهات الحكومة المعلنة وتوجيهات الملك. مركز حماية وحرية الصحفيين يعتبر أن التعميم "يعطل الدور الرقابي للإعلام".

الخبير في قوانين الإعلام الزميل يحيى شقير يرى أن التعميم «يعكس عدم سعة صدر حيال تواتر أخبار في الأسبوعيات تحمل عناوين إثارة بعيدا عن الواقع». ويستذكر شقير عناوين «نارية» على صدر أسبوعيات مثل «ولّعت في دائرة كذا أو معركة في مؤسسة ما»، تحمل اتهامات من الصعوبة إثباتها.

لكن في المقابل تنشر بعض تلك الصحف ويوميات، لا سيما «العرب اليوم»، وثائق كشفت مرارا عن سوء إدارة وتجاوزات في مؤسسات عامة.

شقير يرى أن التعميم «لم يكن مبررا جزئيا» لا سيما أن الدستور يضمن حرية التعبير والكتابة. ويضيف:»جزء منه صحيح فيما يتعلق بأسرار ووثائق أمن الدولة».

كان الأردن أول دولة عربية تصدر قانونا يضمن «للصحفي حق الحصول على المعلومات»، رغم أن بعض بنوده تتعارض مع قوانين قائمة مثل حماية أسرار الدولة (1971) والعقوبات (1960).

المادة الثامنة من القانون الذي صدر في منتصف العام الماضي تنص: «على المسؤول تسهيل الحصول على المعلومات وضمان كشفها دون إبطاء». تندرج «الوثائق مكتوبة أو مصورة أو مسجلة والإحصاءات» ضمن تعريف «المعلومات» الواردة في القانون.

البند الأول والثاني من المادة الثامنة لقانون المطبوعات والنشر ينصان: «للصحفي الحق في الحصول على المعلومات وعلى جميع المؤسسات الرسمية والعامة تسهيل مهمته (..) يحظر فرض أي قيود تعيق حرية الصحافة في ضمان تدفق المعلومات للمواطن أو فرض إجراءات تؤدي إلى تعطيل حقه في الحصول عليها».

حرية الرأي بموجب القوانين، لا يجب أن تستثني الموظفين إلا في حالات من بينها إفشاء أسرار الدولة ضمن قانون «حماية أسرار ووثائق الدولة».

على أن شقير يميز بين الوثائق المصنفة «سري وسري جدا» وبين معلومات ووثائق متداولة لا ضير في نشرها لكشف تجاوزات. ينصح الصحفي المتخصص بقوانين الإعلام بعدم نشر الشريحة الأولى لأسباب تتعلق بأمن الوطن، لكنه يرى أن من حق الصحفي والموظف كشف التجاوزات.

يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن تطبيق التعميم ومن يطال؟.

قوانين الإعلام في الأردن لا تفرض على الصحفي كشف مصادر أخباره.

محكمة أمن الدولة تنظر في قضايا نشر أسرار دولة «مصنفة» في باب السرية. تتراوح عقوبة الموظف أمام محكمة أمن الدولة، بين السجن 5 إلى 15 عاما مع الأشغال، وقد تصل إلى حد الإعدام إن تسربت المعطيات والوثائق إلى دولة أجنبية.

لكن في الإجمال يعاقب الموظف المخالف «تأديبيا» طبقا للأنظمة الداخلية وبموجب قانون الخدمة المدنية. تتراوح العقوبة بين الإنذار، حسم الراتب، تنزيل الرتبة وصولا إلى الطرد. في حالات قصوى يحاكم الموظف أمام «امن الدولة» بموجب قانون حماية اسرار الدولة.

المحامي المختص في قضايا مطبوعات ونشر محمد قطيشات يرى أن الهدف من التعميم «سياسي أكثر منه قانوني وإقرار صريح بوجود تجاوزات مالية وإدارية». كذلك يعتبر قطيشات أن التعميم «يهضم حق الصحفي في الحصول على المعلومة» بموجب القوانين.

منع “تسريب وثائق” بين حق الرقابة وكنس “التجاوزات” تحت السجادة : تعميم رسمي يجافي الشفافية ومبدأ الرقابة
 
28-Feb-2008
 
العدد 15