العدد 2 - العالم
 

أخبرني صديق، وهو موظف حكومي متقاعد عمل تحت إمرة أربعة رؤساء أميركيين، أنه كان يخشى أن يرتكب البيت الأبيض خطأ بمواجهته المفتوحة مع الإسرائيليين حول قضية المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، بخاصة أنها في هذه المرحلة المبكرة من هذه العملية.

«هؤلاء السادة في البيت الأبيض قد يكونون أكثر ذكاء مما تستدعيه مصلحتهم، فهم يعتقدون أن بإمكانهم جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتوقف عن التوسع في الاستيطان، بمجرد فرقعة أصابعهم». ويضيف: «أخشى أن يتراجعوا في هذه الحالة، وهو ما سيهدد آفاق أي محاولة أخرى».

هذا القلق يعكس حالة صحية من احترام قوة ما يدعى «اللوبي اليهودي»، رغم ما أشار إليه أحد الموظفين في واشنطن، من أن الرئيس الذي يتمتع بالمرونة، باراك أوباما، قد تفوق عليه من حيث المناورة. ومن المؤكد أن الجهد المؤثر الذي بذله «اللوبي» في بداية هذا العام لحرمان تشاس فريمان، المنتقد لإسرائيل، من منصب رفيع في مخابرات البيت الأبيض، كان برهاناً على أنه ما زال مُمسكاً بخيوط اللعبة إلى حد كبير.

ومن الطبيعي أن ينفي الصقور من مؤيدي إسرائيل حتى مجرد وجود لوبي يهودي، ويلمحون إلى أن من يؤمن بغير ذلك إنما هو معاد للسامية. هذا هراء. ففي مدينة مثل واشنطن، لكل شيء في صورة أو أخرى بعده السياسي - بل إن هناك «جمعية للجمعيات» في الشارع 17 - وسوف يكون من غير الطبيعي لو أن إسرائيل لم تضع مؤيديها في المكان المناسب. ومثل إسرائيل نفسها - المتعددة إثنياً والمشتّتة سياسياً - فإن اللوبي اليهودي هو مجمع من الأحزاب التي، بسبب التباين العميق في الآراء حول ما هو جيد لإسرائيل، عادة ما تميل إلى معارضة بعضها بعضاً.

هذا العنقود من الجماعات المتنافسة ليس عملاقاً سياسياً، بل إنه ليس يهودياً في مكونه الأكبر، فمنبع الدعم الذي يبديه الكونغرس لإسرائيل تغذيه الجماعات الأصولية المسيحية، مثل المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل بقيادة الراعي سيئ السمعة جون هاغي، بأكثر مما تغذيه الجماعات اليمينية اليهودية، وبدافع من الوعد بعودة رؤيوية للمسيح إلى الأرض، بعد عودة أرض إسرائيل بكاملها إلى الشعب اليهودي، فإن المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل هم مصدر من مصادر الدعم الثابت للمتشددين الإسرائيليين، وهم يشكلون تحالفاً وثيقاً مع لجنة الشؤون السياسية الأميركية الإسرائيلية إيباك، وهي أشهر الجماعات اليهودية المؤيدة لإسرائيل، وأقواها.

إيباك منظمة واسعة، تعمل بموازنة تقدّر بنحو 60 مليون دولار، وتتمتع بعضوية من دافعي التبرعات تقدّر بنحو 100 ألف عضو، وهي منظمة سيئة بكل تأكيد. ويكتب أعضاؤها نصوصاً تشريعية رئيسية، بما في ذلك قانون محاسبة سورية، وهي تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية عن الحصار الدبلوماسي المفروض على الأراضي الفلسطينية بعد فوز حماس في انتخابات العام 2006.

غير أن هيمنة إيباك ليست بعيدة عن التحدي على أي حال، فهنالك جي ستريت، التي تأسست العام الماضي لتكون بديلاً معتدلاً من تشدد إيباك.

وهنالك أيضاً أميركيون من أجل السلام الآن، التي تناور في الكونغرس من أجل مدخل أكثر توازناً للسلام العربي الإسرائيلي على مدى سنوات طوال. ولكنها، مثل جي ستريت، فهي في تعاطفاتها ومبادئها لا تضاهي العضلات السياسية لـإيباك.

ولـإيباك عقب أخيل الخاص بها، فهي تتصرف كما لو أنها خارجة من مؤتمر قمة الخرطوم العام 1967. فهي بانحيازها الحاسم ضد الخطوات الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى شرق أوسط أكثر استقراراً حددت نفسها بوصفها عقبة أمام السلام التي قد تعزل أولئك الذين يدعمون إسرائيل ولكنهم ملّوا عنادها.

وكما تشير الاضطرابات في إيران، فإن التشدد لم يعد هو الأسلوب السائد، وهو ما يلعب لصالح قوة أوباما التقمصية الشهيرة. كما أنها تقود ثانية إلى ملاحظة صديقي حول مدخل البيت الأبيض إلى فضيحة المستوطنات الإسرائيلية. فرض هذه القضية الحساسة على قائد إسرائيلي في مثل هشاشة وضع نتنياهو، يعني أن أوباما قد يكون في وارد محاولة إشعال فتيل أزمة سياسية في تل أبيب قد ينبثق عنها خليفة له أكثر عقلانية. ولكن السنوات الثماني الأخيرة من حكم بوش كشفت عن أن تغيير النظام نادراً ما تجري فيه الأمور بحسب الخطة، وكثيراً ما تنعكس الأوضاع. ولكي يتفادى الليكوديين، فإن على أوباما أن يسعى أولاً إلى تقديم جهد عربي كبير على طاولة المفاوضات مع تأكيدات بدعم من البيت الأبيض لجوهر المبادرة العربية للعام 2002. فإذا ما كان لبشار الأسد أن يزجي مديحاً علنياً لإسحق رابين و«مخاطراته المحسوبة» من أجل السلام، سيكون ذلك بمثابة حشر لنتنياهو في زاوية مظلمة، حيث لا يمكن لأي لوبي، عملاقاً كان أو غير ذلك، أن يعثر عليه.

تحديات أمام أوباما: اللوبيات اليهودية بعضُها معتدل وبعضُها غير يهودي
 
01-Aug-2009
 
العدد 2