مقهى حمدان (سويّد)، أقيمت على سطح عدد من المحال التجارية عند نقطة التقاء شارع الشابسوغ بشارع الملك فيصل في قلب العاصمة عمّان، وكانت مبنية من الخشب والزينكو مع واجهة زجاجية واسعة، بحسب ما أفاد به الباحث فؤاد البخاري، من مواليد عمان العام 1936. يروي البخاري أن مقهى حمدان بقيت متميزة، إذ كانت ملتقى المثقفين والسياسيين والموظفين، يتابعون فيها الأخبار، ويتداولون في الشؤون العامة، ويستمعون لأغاني الأسطوانات، ويقص الحكواتي فيها خلال السهرات الرمضانية حكايات أبو زيد الهلالي، وعنترة وغيرها.

المقهى اختفت مع افتتاح شارع الشابسوغ في بداية الخمسينيات، وأقيمت لاحقاً في مكانها مقهى «كوكب الشرق» التي ما زالت تفتح أبوابها في المكان نفسه.

وسط عمان، وبخاصة في شارع فيصل، وفي الشوارع التي تلتقي معه أو تلك القريبة منه، عرفت عمّان العديد من المقاهي من أهمها: مقهى السنترال، التي افتُتحت العام 1948 وتكشف من شرفتها كل شارع فيصل؛ ومقهى «الجامعة العربية» المطلة على شارع الملك طلال والجامع الحسيني، والتي افتُتحت العام 1947، واتخذت من جامعة الدول العربية التي كانت تأسست حديثاً اسماً لها. وهناك أوجه تشابه كبيرة بين المقهيين من حيث طبيعة الموقع، وكذلك الجمهور الذي يتردد عليهما، وبخاصة الموظفون والمعلمون والمثقفون والسياسيون، بحسب ما يذكر البخاري، وزكي عبد المنعم، مدير مقهى السنترال الذي شرح لـ«ے» في لقاء سابق معه أن المقهى أخذت تؤدي في السبعينيات خدمة استلام الأمانات القادمة من الضفة الغربية، ثم أصبحت حتى أواخر الثمانينيات مكاناً مفضلاً للقاء طلبة من الضفة الغربية في الجامعات الأردنية.

في العام 1957، تم تحويل مبنى في شارع فيصل من دار سينما كانت تحمل اسم سينما الفردوس إلى مقهى العاصمة. تحولت المقهى في وقت لاحق إلى ما يشبه ملتقى للمثقفين، حيث كان من روادها: رسمي أبو علي ومؤنس الرزاز. وقد أغُلقت في العام 1995. وتحوّلت إلى مقهى بلاط الرشيد بديكورات جديدة، وقد رثى أبو علي هذه المقهى في مقالة له تحدث فيها عن ظاهرة إغلاق شرفات المقاهي الشعبية في وسط العاصمة تباعاً، كما رثى الرزاز هذه المقهى في مقالة نشرها في صحيفة الرأي.

العام 1957، شهد إقالة حكومة سليمان النابلسي وفرض الأحكام العرفية ومنع الأحزاب السياسية، ما زاد الرقابة الأمنية على الأماكن العامة، بما في ذلك منع الاستماع إلى محطة «صوت العرب» في القاهرة.

أما التطور الرئيسي الذي وقع في الدور العام للمقاهي بعد ذلك، فهو التوجه نحو إقامة مقاهٍ «برجوازية» الطابع، باتت تحمل مسمى «كافيه»، ترتادها العائلات، وكذلك الشبان والفتيات في المناطق «الراقية» من العاصمة، ثم في محيط الجامعات الرسمية، وبخاصة الأردنية في عمان، واليرموك في إربد.

في مدينة السلط، شكّلت المقاهي متنفساً مهماً للموظفين والمعلمين والمثقفين والطلبة الخريجين في الأربعينيات والخمسينيات وما بعدها، ومكاناً لتداول الشأن العام الاجتماعي والسياسي، فتحولت المقاهي مصدراً من مصادر المعرفة، بالنظر لما يرويه بعض روادها عما سمعوه أو اطلعوا عليه في بلدان أخرى.

المؤرخ هاني العمد رسم لـ «ے» لوحة تقريبية عن رواد المقاهي الرئيسية في تلك الحقبة. يرى العمد أن المقهى الأقدم والأكثر شهرة هي مقهى «نويران» التي كان يرتادها كبار الموظفين الذين دخل بعضهم النيابة والوزارة أمثال: عبد الحليم النمر، وصالح المعشر. وكانت أحاديث رواد هذه المقهى التي تقع بجوار منطقة «السرايا» وسط المدينة، تتناول وضع الحكومات وحرب 1948 وتداعياتها.

أما المقهى التي نالت شهرة أكثر من غيرها خارج السلط، فهي مقهى أحمد، نسبة إلى أحمد المغربي، صاحبها الشاب الذي نجح في استقطاب فئة الشباب إليه من مثقفين وطلبة وخريجين. يعود تأسيس هذه المقهى إلى العام 1942، وقد افتُتحت في مدخل مدينة السلط في بناية لـ إميل الكرشة، أبرز رموز الحزب السوري القومي الاجتماعي في المدينة، قبل أن تُنْقَل منذ بداية الستينيات إلى مواقع أخرى، بحسب العمد.

كما انتقلت مقهى عادل، نسبة إلى عادل باكير، وهي من المقاهي الرئيسية، أكثر من مرة حتى استقرت في مدخل المدينة. اتسمت هذه المقهى منذ بداياتها بأنها مقهى العموم من الفئات الاجتماعية والعمرية المختلفة، يرتادها متقاعدون وموظفون وشبان.

ويشير العمد إلى أن الراديو بما يحمله من أخبار، كان «سيد الموقف». ويستثير أحياناً تعليقات فورية سلبية أو إيجابية على الأخبار. وكان لدى «نويران» بطارية احتياط يشحنها في عمّان، فيما كان المغربي يرفع صوت مذياعه أحياناً بقصد إشراك جيرانه في الجهة المقابلة في سماع أغاني أم كلثوم.

واشتهر في إربد منذ أواخر الثلاثينيات، مقهيان؛ «الكمال» لصاحبها مفلح السعد، و«المنشية» لصاحبها عادل سوسان (شامي الأصل)، بحسب ما يتذكر منصور السعد البطاينة، النائب السابق في مجلسَي النواب السابع والثامن (1962-1966). يروي البطاينة أن هاتين المقهيين كان يرتادهما الموظفون والمعلمون والناشطون السياسيون، وأن النقاش في الأمور العامة كان أمراً مألوفاً. وتحدث عن لقاءات في مقهى المنشية، جمعته مع محافظ إربد وقائد الشرطة، وكيف كانوا يناقشون احتياجات المنطقة من شوارع وخدمات. كما أشار إلى تردد نواب إربد آنذاك على مقهى المنشية، ومنهم إدريس التل، ونجيب ارشيدات.

ورداً على استفسار عن نوعية الفئات الاجتماعية التي كانت تتردّد على المقاهي، أوضح البطاينة أن من يرغب بدخول المقهى «لازم يكون معه فلوس». ما يفسر أنه في ذلك الزمان الذي لم تكن فيه النقود واسعة التداول بين الناس، كان الموظفون والمهنيون بفئاتهم المختلفة أبرز زبائن المقاهي.

ويبدو أن الثقل الكبير للبعثيين في منطقة إربد في أواسط القرن الماضي، كان له أثر مهم في تحفيز النخب على التداول في الشؤون العامة والسياسية في المقاهي وغيرها من الأماكن العامة. ويروي الكاتب، والدبلوماسي السابق، فالح الطويل، وقد مرّ في شبابه بتجربة الانتماء إلى حزب البعث، أنه «تحدّى» قائد منطقة إربد الذي مر بمقهى الكمال مع عدد من العسكر، قائلاً له: «نحن عندنا آراء سياسية، ونريد أن نعبّر عنها». ويستذكر الطويل: «لكن قائد المنطقة تجاهلني، ولم يُعِرْ كلامي أي اهتمام». ويضيف أن الشبان في إربد كانوا يلتقون في المقاهي، وبخاصة في الصيف، يتسلّون ويتحدثون في السياسة.

مدينة الكرك من بين الحواضر الأردنية في أواسط القرن الماضي التي «لم يكن لدى نخبتها ميل لتداول الأمور العامة في المقاهي». من أقدم المقاهي وأشهرها في الكرك مقهى «عودة الله»، بحسب المستشار العمالي السابق عبد الرحمن المجالي. يشبّه المجالي هذه المقهى بمقهى السنترال في عمّان من حيث تمتعها بموقع مطلٌ وجذّاب، لكنه يؤكد أن المقهى الكركية كانت توفر فرص التسلية لفئات مختلفة من الموظفين والمعلمين والشباب، و«لم تكن جزءاً من المناخ الثقافي والسياسي».