العدد 1 - رياضي
 

ما كان من أبو العوض إلا أن ناشدَ الملك عبد الله الثاني - الأمير حينئذٍ - للتدخل كي تعدل اللجنة الفنية عن قرارها. يروي أبو العوض أن الأمير سأله: «هل لديكم إمكانية للتأهل إلى الدور الثاني إذا شاركتم في الدورة؟»، فأجاب: «أنا واثق من فريقي». وقد وافقت اللجنة على المشاركة بعد أن تلقت توجيهات من الأمير، ولكن كان على أبو العوض التوقيع على تعهد بذلك. «أنا محمد أبو العوض أتعهد بأن ينتقل منتخبنا إلى الدور الثاني، وعليه أوقّع».

هذا «التعهد» و«كلام الرجال» الذي التزم به أبو العوض أمام الأمير حينها، كان في مكانه، حيث عاد المنتخب إلى عمان متوَّجاً بكأس الدورة العربية. يستذكر أبو العوض: «شاركنا في الدورة وتأهلنا إلى الأدوار الثاني وربع النهائي والنهائي، ولعبنا ضد المنتخب السوري وفزنا بهدف على ستاد المدينة الرياضية في بيروت الذي كان ممتلئاً عن آخره». الهدف الثمين سجّله نجم المنتخب المهاجم جريس تادرس الذي كان يُلقَّب بـ«الدبور»، لأنه كان يعشق لسع شباك الفرق الأخرى، كما يقول أبو العوض.

عاد المنتخب للأردن على متن طائرة عسكرية خاصة أوعز الملك الحسين بتوفيرها للمنتخب، وكان الحسين على رأس المستقبلين في مطار عمّان، إضافة إلى أفراد الأسرة المالكة وكبار المسؤولين وجمهور كبير. «فور وصولنا ذهبنا مباشرةً إلى ستاد عمان الدولي الذي كان فيه زهاء 25 ألف متفرج، حيث أقيم الاحتفال الرئيسي بالفوز»، يستذكر المدرّب المخضرم.

مسيرة أبو العوض حافلة بالإنجازات خلال العصر الذهبي لكرة القدم الأردنية، فقد مارس الكرة لاعباً في «الفيصلي»، ثم حمل شارة الكابتن، ولعب مع المنتخب الوطني، وأصبح بعد ذلك مدرباً لـ«الفيصلي»، ثم مدرباً للمنتخب الوطني. يقول لـ«السّجل»: «بعد كل ذلك، عندما أصبحت خبيراً، لم يستفيدوا من خبراتي».

أبو العوض، يبلغ من العمر الآن 71 عاماً، لكنه ما زال يتمتع بروح الشباب. بدأت مسيرته مع الكرة قبل أكثر من نصف قرن، وتحديداً العام 1954 عندما كان طالباً في ثانوية رغدان، وكان يشرف على حصة الرياضة عادل عبد الرحمن الذي ضمَّ فريقَ المدرسة كاملاً لنادي الجزيرة الذي كان مقره في وسط البلد، كما يستذكر أبو العوض.

عندما أصبح في الخامسة عشرة، لعب أبو العوض مع فريق الناشئين. «نظراً لتميزي باللعب، تم ضمّي لفريق الكبار رغم صغر سنّي، وأشركني مدرب (الجزيرة) في لقاءٍ ودّي ضد فريق الاتحاد الحلبي، وكنت حينها أخشى اللعب مع الكبار».

وفي العام 1956 انتقل للَّعب مع فريق الفيصلي، في الفترة نفسها التي انتقل فيها سلطان العدوان الذي كان لاعباً معه في فريق الجزيرة، إلى «الفيصلي».

بدأ أبو العوض مسيرته مع الفريق الأزرق مباشرةً ضمن صفوف الفريق الأول، وكان مركزه في اللعب في خط الوسط، وهو الخط الذي تقع عليه مهمة ربط الدفاع مع الهجوم، ويُعَدّ مركز عمليات الفريق.

يتذكر أبو العوض من زملائه الذين رافقوه: شحادة موسى الذي أصبح مدرباً للمنتخب في ما بعد، ونبيل الحمارنة الذي كان صخرة الدفاع، وسلطان العدوان، وأديب فاخوري، وسواهم ممن شاركوا في مباريات ضمن صفوف «الفيصلي» والمنتخب على أرض ملعب الكلية العلمية الإسلامية الذي تحول للأسف إلى كراج للسيارات وباصات المدرسة.

في صفوف المنتخب الوطني لعب أبو العوض مباريات كثيرة، أهمها أمام نادي الزمالك ونادي الإسماعيلي، كما شارك في أول مباراة تقام على ستاد عمان الدولي بمناسبة افتتاحه في العام 1968 برعاية الملك الحسين، بين المنتخب الوطني ونظيره المصري، وخسر الأردن اللقاء بنتيجة ثقيلة (1-6). كان أبو العوض هو الذي أحرز الهدف الأردني الوحيد من ضربة حرّة من خارج منطقة الجزاء، ليكون هدفه بذلك أول هدف للأردن على ستاد عمان.

اعتزل أبو العوض اللعب بعد 18 عاماً، واتجه للتدريب في العام 1972 عندما درّب «الفيصلي»، أما العام 1992 فقد شهد قيادة أبو العوض للمنتخب، وكانت أول مشاركة له في بطولة الأردن الدولية التي شارك فيها منتخبات عربية وأجنبية عدة، وفاز فيها المنتخب بكأس البطولة، وكان ذلك أول إنجاز لأبو العوض في مسيرته كمدرب للمنتخب.

يتذكر أبو العوض: «في الدورة العربية التاسعة (دورة الحسين) كررنا الإنجاز التاريخي في العام 1999، وفاز منتخبنا بكأس البطولة والميداليات الذهبية بعد وصولنا للّقاء النهائي أمام المنتخب العراقي الذي تقدمنا عليه 4-0، لكنة لحق بنا لنتعادل في نهاية المباراة 4-4، واحتكمنا للركلات الترجيحية العصيبة، وفزنا بالمباراة التي حبست أنفاس الجمهور الكبير وعلى رأسهم الملك عبد الله والملكة رانيا، وتوَّجَنا الملك بكأس البطولة والميداليات الذهبية ليحقق منتخبنا إنجازاً غير مسبوق، بفوزه بالمركز الأول في دورتين عربيتين متتاليتين».

أبو العوض يؤيد الاستعانة بالمدرب الوطني، شريطة توفير أسباب النجاح له وإشراكه بدورات تدريبية متقدمة. «المدرب الوطني ابن بلد، ويشعر مع اللاعبين، ويفهم لغتهم، ويكون قريباً منهم، إضافة إلى أهمية النتيجة بالنسبة له، بعكس المدرب الأجنبي الذي يأتي إلينا من أجل الفلوس، ويحظى بامتيازات كثيرة قياساً إلى نظيرة الوطني، وإذا لم يحقق نتيجة تُذكر يذهب لتدريب منتخب آخر».

تطبيق الاحتراف في الأردن ليس ناجحاً بحسب أبو العوض، لأن الأندية لا يتوافر لديها ميزانيات كافية، وهي تستدين لتطبيق الاحتراف على لاعبيها فقط.

المقارنة بين الأمس واليوم لا تجلب سوى الحزن لأبو العوض الذي يتحسّر على زمانٍ مضى: «كان هناك محبة وألفة بين اللاعبين، وبينهم وبين إدارات أنديتهم، ولم نكن نناقش الأمور المادية، لأننا نحب أنديتنا. أما اليوم فقد أصبحت العلاقة بين اللاعب وناديه مادية، وأصبح اللاعب يناقش ناديه بقيمة العقد المالي، وإذا لم يعجبه العرض يذهب بسهولة لنادٍ آخر، ورغم توافر الملاعب والميزانيات إلا أن كرة زمان كانت أحلى».

أبو العوض يستمتع حالياً بمشاهدة مباريات كرة القدم العالمية، ويشجع المنتخب البرازيلي، وهو معجب بأداء المنتخبين الإيطالي والإسباني. أما ناديه المفضّل فهو «برشلونة»، ولاعبوه المفضّلون: الأرجنتيني ميسي، الكاميروني إيتو، والبرازيلي كاكا.

أكلاته المفضّلة: ورق الدوالي والكوسا المحشي من أيدي أم العوض. وهو يمضي سهراته مع عائلته، وسط زوجته وأبنائه، يراقب أداء أحفاده (عاصم، علاء، محمد، سليم، أحمد، سيف الدين وبهاء) الذين يلعبون كرة القدم مع فريق أشبال الفيصلي، وكلهم يريد أن يصبح نجماً مثل جده. أبو العوض يضيف بفخر: «لا غرابة في ذلك، لأن ثلاثة من أبناء شقيقي كانوا يلعبون في صفوف الفيصلي والمنتخب في آن واحد، إضافة لابني عوض.. نحن عائلة نعيش مع كرة القدم».

أبو العوض شيخ المدربين الأردنيين: عشنا العصر الذهبي لكرة القدم الأردنيه
 
01-Jul-2009
 
العدد 1