العدد 1 - من حولنا
 

يعود فوز قوى 14 آذار إلى عوامل عدة هي:

أولاً، السنّة هم الذين حسموا المعركة الانتخابية في الدوائر المختلطة التي كانت ساحة تنافس شديد بين المرشحين. ورغم أن التنافس الحقيقي كان في المناطق المسيحية. فقد كان السنّة ملتزمين بنسبة بلغت نحو 90 في المئة بالقوائم، عملاً بشعار «زي ما هي» الذي رفعه تيار المستقبل. وكان الالتزام الشيعي مشابهاً، فيما كان المسيحيون ملتزمين بانقسامهم بين الفريقين. الالتزام السنّي، من المقيمين أو القادمين من المهجر، قلبَ نتيجة الانتخابات لصالح قوى 14 آذار في كل من زحلة والكورة. في زحلة مثلاً كان الفرق بين كل من المرشحين السبعة من قائمة 14 آذار ومنافسيهم من 8 آذار نحو 8000 صوت تقريباً. وكان الالتزام أكثر وضوحاً في دائرة بيروت الثالثة التي ترأس قائمتها العشرية سعد الحريري، وحصد 78382 صوتاً، فيما حصل أقل الناجحين على 75954 صوتاً.

ثانياً، الأخطاء السياسية لقوى الثامن من آذار، التي كان أبرزها وصف زعيم حزب الله حسن نصر الله لأحداث السابع من أيار 2007 بـ «اليوم المجيد للمقاومة» قبل أسابيع من الانتخابات، وهي الأحداث التي قام خلالها مسلحو حزب الله باجتياح بيروت والجبل والسيطرة على تلفزيون المستقبل التابع لتيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، الممثل الأقوى للطائفة السنّية في لبنان. تمكن مستشارو تيار المستقبل من استغلال هذا الخطأ الاستراتيجي وتوجيه هجوم سياسي وإعلامي منظم على قوى 8 آذار، وتحديداً حزب الله، في ما بدا وكأنه ردة فعل سنّية شملت حلفاء تيار المستقبل من المسيحيين والدروز والشيعة على مواقف حزب الله وتصريحات زعيمه.

ثالثاًً، إعلان مستشاري قوى 8 آذار عن توقعاتهم بالفوز بما يزيد على 70 مقعداً. وكان جلياً أن هذه التوقعات غير ممكنة، لكنها أسهمت في تكثيف العمل الانتخابي بين قوى 14 آذار لحشد أكبر قدر من الأصوات لمنع فوز المعارضة. التوقعات الأخرى كانت تضع فوز المعارضة ضمن 65 - 67 مقعداً، لكن هذه التوقعات لم تأخذ في الحسبان عوامل خارجية لا يمكن التقاطها قبل 10 أيام من يوم الاقتراع، وهي الفترة التي يمنع قانون الانتخاب اللبناني فيها إجراء ونشر استطلاعات للرأي حول الانتخابات. وأبرز هذه العوامل الناخبون المغتربون الذين يقدَّر عددهم بنحو 90 ألفاً تم استقدامهم من المهجر. وكان لهؤلاء الأثر الأكبر في حسم الانتخابات لصالح قوى 14 آذار في بعض الدوائر التي شهدت تنافساً انتخابياً شديداً مثل زحلة، وتمكين اثنين من مرشحي قوى 14 آذار من الفوز في المتن الشمالي، هما سامي الجميل، وميشيل المر، وحسم معركة الكورة لصالح هذه القوى.

رابعاًً، لم يأت تدخل البطريرك مار نصر الله صفير قبل يوم واحد من الانتخاب من فراغ. إذ تشير التقديرات إلى أن ما يقوله البطريرك يؤثر في القرارات الانتخابية لعدد لا يمكن تجاهله من الناخبين المسيحيين، ولهذا تدخّل البطريرك وحاول أن يوجه الناخب المسيحي. ورغم ذلك لم يحسم تدخل البطريرك المعركة الانتخابية لصالح 14 آذار في المناطق المسيحية الخالصة (أي ذات المقاعد المسيحية فقط، وإن كان فيها أقليات من الطوائف الأخرى)، بما في ذلك المناطق المحيطة ببكركي، مقر البطريرك. ولا شك أن تدخل البطريرك كان له أثر في تقريب عدد الأصوات التي حصلت عليها قائمة 14 آذار في كسروان التي قادها منصور البون ودعمتها القوى المسيحية الأخرى (القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، والكتائب بقيادة أمين الجميل)، حيث بلغ الفرق بين آخر الناجحين من قائمة العماد ميشيل عون - التغيير والإصلاح - وبين أول الراسبين من قائمة 14 آذار 1333 صوتاً فقط.

أكدت نتائج الانتخابات أن العماد ميشيل عون، زعيم تيار التغيير والإصلاح قد فاز في المناطق المسيحية الخالصة، فيما لم يتمكن حزبا القوات والكتائب من تحقيق اختراقات في هذه المناطق، سوى في منطقة بشري معقل سمير جعجع. وبهذا يكون «التغيير والإصلاح» قد أصبح ثاني أكبر تجمع في مجلس النواب بعد تيار المستقبل وأكبر تيار ممثل للمسيحيين في المجلس.

تكمن مشكلة لبنان في أن الانتخابات النيابية لا تغير كثيراً من المعادلات السياسية القائمة، لأن التقسيم الطائفي للسلطة يحد من قدرة القوى السياسية المنتصرة في الانتخابات على الحكم بمفردها. لذلك، يبدو أن نظام التمثيل النسبي للقوى السياسية الذي يعدّ لبنان دائرة واحدة، هو المخرج من أتون الطائفية السياسية، وهو الضامن للمواطنة أساساً للعلاقة بين الدولة والمجتمع، ولخلق مجتمع سياسي مدني منتصر على البدائية السياسية الطائفية.

* أستاذ مشارك في العلوم السياسية، رئيس هيئة الأبحاث في معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية – جامعة قطر.

الانتخابات اللبنانية: ذِكْرُ ما جرى
 
01-Jul-2009
 
العدد 1