العدد 1 - من حولنا
 

الانطباع الأقوى عن الخطاب السياسي لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي ألقاه في منتصف حزيران/ يونيو في تل أبيب، هو أنه كان موجهاً لتثبيت ائتلاف حكومته اليميني المتشدد أكثر من كونه موجهاً للعالم. فقد كان نتنياهو معنياً بأن يعلن لأطراف الائتلاف الذي يقوده أنه لم يغير مواقفه، وأنه لم يقبل بحل الدولة الفلسطينية التي أعلن أنه يريدها، فوضع شروطاً أفرغتها من محتواها.

هذا الانطباع ورد أيضاً في إحدى الرسائل التي مررها مسؤولون أميركيون للحكومة الإسرائيلية، بحسب ما نشرته صحيفة هآرتس بعد أيام على الخطاب، فمن حيث الجوهر لم يأت نتنياهو بجديد في ذلك الخطاب، سوى أنه كرر مواقفه المتشددة، من خلال سلسلة شروط يكفي كل واحد منها لأن يعرقل العملية التفاوضية ويشلها قبل أن تبدأ، وعلى رأس هذه الشروط «الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية»، وما يتبع ذلك من رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

يرتكز الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو رسمياً، على 74 نائباً من أصل 120 نائباً. وإذا ما اعتبرنا أن هناك خمسة نواب من حزب العمل برئاسة وزير الدفاع إيهود باراك، فإن الائتلاف يرتكز فعلياً على 69 نائباً. لكن هذه ليست الركيزة الأساسية من جهة نتنياهو، وإنما نتائج الانتخابات البرلمانية التي حققت لمعسكر اليمين المتشدد والمتدينين والأصوليين أغلبية 65 نائباً من أصل 120 نائباً، إذ أبقى نتنياهو كتلة متشددة من أربعة نواب خارج حكومته ليضم له حزب العمل، لكن تلك الكتلة ما زالت تدور في فلك الحكومة، بمعنى أنه في حال حدوث ضغط سياسي على حكومة نتنياهو، فإنه سيعتمد على أغلبية ثابتة رافضة لأي توجهات غير تلك التي طرحها في خطابه.

القاعدة التي ترتكز عليها حكومة نتنياهو تتكون من: حزب الليكود برئاسة نتنياهو؛ وتضم كتلته البرلمانية 27 نائباً، جميعهم، من دون استثناء، من اليمين المتشدد، إذ إن التيار اليميني الأقل تشدّداً في حزب الليكود انشق قبل نحو أربع سنوات مُشكّلاً حزب «كديما»، لكن نتنياهو، لدى تشكيل لائحة الحزب للانتخابات، سعى لضم شخصيات متشددة كلياً، من أجل تعزيز موقفه الرافض، مثل: الوزير بنيامين بيغين الذي استقال من حكومة بنيامين نتنياهو الأولى مطلع العام 1997 احتجاجاً على توقيع اتفاق الانسحاب من الخليل مع منظمة التحرير الفلسطينية، والوزير موشيه يعلون، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، إضافة إلى أعضاء كنيست معروفين بمواقفهم اليمينية، وأعضاء جدد يمثلون المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

ما إن انتهى نتنياهو من خطابه حتى انهالت ردود الفعل الغاضبة من حزب الليكود نفسه، وأعلن عدد من أعضاء الكنيست رفضهم الكلي حتى للدولة في شكلها الذي عرضه نتنياهو في خطابه. ومن يعرف نتنياهو منذ بداياته السياسية يعرف تماماً أنه سعى لردود فعل كهذه، فهذا كفيل بأن يُظهره أمام العالم وكأن «المواقف الجديدة» التي طرحها قد تقود إلى أزمة داخلية في حكومته.

الكتلة الثانية في حكومة نتنياهو هي لحزب «يسرائيل بيتينو»، بزعامة العنصري المتطرف وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ولها 15 نائباً. وهذا الحزب يتبنى عملياً موقف رئيسه، صاحب القرار الوحيد في الحزب. وهو لا يعترض على إقامة كيان فلسطيني في مناطق معينة في الضفة الغربية، شرط الحفاظ على جميع المستوطنات، حتى أصغرها، تحت الإدارة الإسرائيلية، وأن يكون هذا الكيان مجرد كانتونات جغرافية غير متصلة وبموجب المواصفات التي أطلقها نتنياهو. بل إن ليبرمان مستعد لإجراء تبادل سكاني مع «الدولة الفلسطينية»، بحيث يتم ضم مناطق يقطنها فلسطينيو 48، محاذية للضفة الغربية، فيها كثافة سكانية عالية، مقابل ضم المستوطنات كافة لإسرائيل رسمياً، وهو الأمر الذي يرفضه الفلسطينيون، بمن فيهم فلسطينيو 48.

أما كتلة حزب العمل بزعامة باراك، وهي الكتلة الثالثة من حيث حجمها في الحكومة، فإنها في السياق المألوف، في الحلبة السياسية الإسرائيلية. ومن المفروض أن تكون هذه الكتلة في خانة «الاعتدال» النسبي، وأن تربط بقاءها في الحكومة بالتقدم في العملية التفاوضية، لكن هذه مجرد انطباعات سائدة عن هذا الحزب، فحزب العمل بزعامة باراك، يستكمل مرحلة ابتعاده عن دائرة التأثير أولًا، إذ بات «العمل» حزباً من الدرجة الثانية، وحزبَ ظِلّ لحكومات اليمين. وثانياً، أنه تخلى حتى عما كان ينادي به لفظياً لأسس الحل الدائم وفق منظوره، ولم يعد لديه برنامج سياسي واضح في هذا المجال.

لذلك، فإن مسألة التقدم في العملية التفاوضية أو عدمه، لن تكون السبب الأول لخروج هذا الحزب من الحكومة، هذا إذا فكر رئيسه أصلاً بالانسحاب من حكومة نتنياهو.

الكتلة الرابعة بعد حزب العمل هي كتلة شاس، والخامسة «هبايت هيهودي»، التي تمثل مستوطني الضفة الغربية، فكتلة «شاس» التي دعمت في سنوات التسعين اتفاقيات أوسلو، باتت لا تكف في السنوات الأخيرة عن الجنوح نحو اليمين المتشدد. وهي تعارض أي وقف للبناء في المستوطنات. ولهذا فهي، بالكاد، تقبل بما جاء في خطاب نتنياهو. وهذا يسري أيضاً على كتلة «هبايت هيهودي»، التي تحفظت على ذكر «الدولة» في خطاب نتنياهو، لكنها رحبت بموقف عدم تجميد الاستيطان.

أما كتلة «هئيحود هليئومي»، التي تمثل المستوطنين أيضاً، وتعدّ الأكثر تطرفاً، فهي من مركبات منظمة «كاخ» الإرهابية المحظورة في الولايات المتحدة. ولهذه الكتلة أربعة نواب، وهي المكملة لقاعدة النواب الـ 65 التي يرتكز عليها نتنياهو، والتي بقيت خارج الائتلاف الحكومي.

بناء على هذا المشهد الحزبي، فإن نتنياهو، خلافاً لكل رؤساء الحكومات الإسرائيلية في السنوات الـ 16 الماضية، يرتكز على أغلبية برلمانية تحفظ خطه السياسي وتتماشى معه. ولهذا فمن دون ضغوط خارجية فعلية على الحكومة الإسرائيلية، تساهم في تغيير الأجواء السائدة في الشارع الإسرائيلي، فإنه لن يكون هناك أي احتمال لتحقيق انطلاقة وتقدم في أي مسار سياسي في ظل الحكومة الحالية.

الأنظار تركز الآن على العلاقات الإسرائيلية الأميركية في ضوء تغير الخطاب الصادر عن البيت الأبيض، مع وصول الرئيس باراك أوباما إلى منصبه مطلع العام الجاري.

حتى الآن، ثمة تضارب خطابات ورسائل قصيرة متبادلة بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي. ورغم كثرة الحديث عن احتمال أن تمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً على حكومة نتنياهو، إلا أن الانطباع السائد حتى الآن في سدة الحكم في إسرائيل هو أن الخلاف السياسي الظاهر من خلال خطاب الطرفين لن يقود إلى صدام فعلي، رغم أن صداماً كهذا حدث في مطلع التسعينيات، حين ضغطت إدارة جورج بوش الأب على حكومة إسحاق شامير، في حينه، ما ساعد على إسقاط تلك الحكومة.

لكن نتنياهو قد يعتقد مرّة أخرى أن في إمكانه ممارسة ضغط مرتدّ على أوباما من خلال الحلبة الأميركية الداخلية، وهذا ما كان فعله في النصف الثاني من سنوات التسعين الماضية ضد إدارة الرئيس بيل كلينتون. لكن السفير الأميركي الأسبق في كل من دمشق وتل أبيب، مارتن إنديك، تنبه لذلك مسبقاً فحذر نتنياهو في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرنوت قبل بضعة أسابيع، من أن يحاول تجنيد الجمهوريين في واشنطن للضغط على أوباما، وقال إن على نتنياهو أن يعلم أن الجمهوريين الآن في وضع صعب، فهم ليسوا أغلبية في الكونغرس ولا في مجلس الشيوخ.

وأضاف إنديك: «إن بيبي يعاني من حقيقة أن كثيرين في الإدارة الأميركية يعرفونه جيداً، بل وأكثر من اللازم، فقد كانوا هناك أيضاً في فترة كلينتون، وهم لا ينسون ما كان. لا علم لي بما إذا كان هذا سيؤثر في أوباما، فهو الشخص الذي يقرر رأيه بنفسه، لهذا فإن في إمكان نتنياهو أن يبني علاقة قائمة على الثقة، والشرط هو أن يفعل ما يقال».

مجال المناورة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية يبقى محدوداً لأي رئيس أميركي، والأسابيع المقبلة ستحدد ما إذا كان أوباما قادراً على كسر بعض قيود هذه العلاقة أم لا.

إسرائيل وأميركا: الاختيار بين الائتلاف والحليف
 
01-Jul-2009
 
العدد 1