العدد 1 - اقتصادي
 

هل تعيد أسعار النفط فرض مشهد الخوف الذي عاشته دول العام المنتجة والمستهلكة، عندما تجاوز سعر النفط 147 دولاراً للبرميل، في 11 تموز/يوليو 2008؟

يبدو أن المشهد نفسه سيتكرر، مع الارتفاع الملحوظ الذي شهدته أسعار النفط خلال أيار/مايو 2009، بالتزامن مع الآمال بعودة النمو للاقتصاد العالمي.

فقد سجل النفط أعلى مستوى له يوم الخميس 11 يونيو/حزيران 2009، عندما وصل إلى مستوى 73.23 دولار، وهو أعلى مستوى لسعر الخام للمرة الثانية منذ 21 تشرين الأول/أكتوبر 2008 حين سجل السعر 75.69 دولار، بينما سجل سعر 33 دولاراً للبرميل في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2008.

لكن الملاحَظ في اتجاهات أسعار النفط، تقلُّص الفجوة بين أسعار النفط الفورية وتلك الآجلة التي غالباً ما تتمتع بهامش ملموس يجده المضاربون فسحة لتحقيق أرباح. تقلُّص هذا الهامش يعني أن النفط يجد دعماً حقيقياً يعززه الطلب ونقص المعروض، لا المضاربة.

فمنذ الربع الثالث من العام 2008، كانت أسعار هذه الخامات في العقود الفورية تُتداول بخصم كبير مقابل أسعار العقود المستقبلية.

بالنسبة لمزيج غرب تكساس، بلغ هذا الخصم ذروته في كانون الثاني/يناير 2009 عند 36 دولاراً للبرميل، حين استقر سعر العقد، تسليم كانون الأول/ ديسمبر 2012، بحدود 70 دولاراً للبرميل، بحسب البيانات الصادرة عن أسواق النفط.

بحلول أيار/مايو 2009، تقلصت تلك الفجوة بين السعرَين إلى نحو 10 دولارات مع ارتفاع أسعار العقود الفورية.

أحد أسباب التقارب بين أسعار العقود الفورية وتلك المستقبلية عند مستويات أسعار أعلى، يتمثل في الاعتقاد المتزايد بأن منظمة الدول المصدّرة للنفط أوبك تتحكم بإمداداتها، بحيث تستقر الأسعار عند المستوى الذي تراه عادلاً، البالغ 75 دولاراً للبرميل.

المنظمة عززت هذا الاعتقاد في اجتماعها الأخير بفيينا في أيار/مايو، حيث أبقت على حصص الإنتاج من دون تغيير، لكنها أوحت إلى أنها ما زالت تميل إلى خفض إضافي في الإنتاج.

أوبك أشارت في اجتماعها إلى أن «حجم معروض النفط في السوق ما زال يفوق الطلب الفعلي»، وأن مخزونات النفط «ما زالت مرتفعة»، رغم انخفاضها مؤخراً.

رغم تحسُّن آفاق الاقتصاد العالمي، ترى أوبك أن تطور الطلب العالمي على النفط في 2009 «ما زال الأضعف منذ فترة طويلة جداً».

وكالة الطاقة الدولية أشارت في تقريرها الصادر في أيار/مايو 2009، إلى إمكانية انخفاض الطلب العالمي على النفط في العام الجاري بنحو 0.2 مليون برميل يومياً، إذ تتوقع تراجعه بمقدار 2.6 مليون برميل يومياً خلال العام الجاري، وبما نسبته 3 في المئة عن العام 2008، وهو ما يمثل في الوقت نفسه تراجعاً بواقع 3.4 مليون برميل عما كان متوقعاً في أيلول/سبتمبر 2008.

هذه التوقعات تعدّ الأكثر تشاؤماً عند المقارنة مع معظم التوقعات الأخرى، ما يعكس نظرة أكثر ضبابية حول نمو الاقتصاد العالمي.

على سبيل المثال، يتوقع مركز دراسات الطاقة الدولية أن يتراجع الطلب في 2009 بواقع 1.4 مليون برميل يومياً، قبل أن يرتفع مجدداً خلال الفترات اللاحقة بشكل ربع سنوي، بينما تتوقع أوبك تراجع الطلب بنحو 1.6 مليون برميل يومياً.

محللون اقتصاديون تحدثوا عن الدور الذي قد تكون لعبته عملية تصريف المخزون في خفض الطلب على النفط في الأجل القصير، مشيرين إلى أن الطلب قد يعاود الارتفاع، وبشكل أسرع من المتوقع، مع ارتفاع المخزون مجدداً.

أما في جانب الإمدادات، فإن أوبك نجحت، بشكل كبير، في الحد من إمدادات النفط إلى السوق منذ أن بدأت في خفض إنتاجها في أيلول/سبتمبر 2008، إلا أن البيانات الأخيرة تُظهر أن الإنتاج قد يكون عاود الارتفاع.

المنظمة أشارت إلى أن إنتاج دول أعضائها، باستثناء العراق، ارتفع إلى 25.8 مليون برميل يومياً في نيسان/أبريل 2009، من 25.6 مليون برميل يومياً في آذار/مارس 2009. بذلك، يشكل ما تم خفضه فعلياً نحو 77 في المئة من إجمالي الخفض المعلن البالغ 4.2 مليون برميل يومياً عن مستويات أيلول/سبتمبر 2008، مقارنةً مع ما نسبته 82 في المئة في آب/أغسطس 2008.

رغم أنه ما زال من المبكر جداً الاستنتاج من ذلك عدم التزام بعض أعضاء أوبك بقرارات المنظمة، إلا أن «تعافي» أسعار النفط مؤخراً، قد يكون دفع ببعض الدول الأعضاء إلى عدم التقيد التام بحصة إنتاجها.

أوبك تقول إن معظم الإنتاج الإضافي في نيسان/أبريل جاء من فنزويلا (إنتاجها ارتفع بواقع 27 ألف برميل يومياً عن مستواه في آذار/مارس 2009)، وإيران (90 ألف برميل يومياً)، وهما الدولتان اللتان تعدّان بأمسّ الحاجة لرفع العائدات النفطية من أجل دعم ميزانيتيهما.

من جهة ثانية، جاء نحو ثلثَي الخفض المسجل في إنتاج أوبك من السعودية والإمارات والكويت، مع أن إجمالي إنتاج هذه الدول الثلاث لا يتجاوز 50 في المئة من إجمالي إنتاج المنظمة.

وفي حال التزمت جميع الدول الأعضاء في أوبك بقرارات المنظمة، وفي ظل التوقع بأن يأتي الإنتاج من خارج المنظمة مستقراً، فإن تعافي النشاط الاقتصادي العالمي يشير إلى أن السوق النفطية قد تشهد، بشكل تدريجي، توازناً أكبر خلال الفترة المتبقية من العام.

ومن شأن ذلك أن يوفر أسباباً لرفع أسعار النفط خلال العام 2009، حتى لو أدت عمليات جني الأرباح إلى الحد في الأجل المتوسط من حجم الضغوط التي رفعت أسعار النفط.

وفي حال تحققت تلك التطلعات المتفائلة، فمن المرجح أن يشهد الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري تراجعاً أقرب إلى 1.4 مليون برميل يومياً المتوقعة من مركز دراسات الطاقة الدولية.

استجابةً لذلك، قد لا تلجأ أوبك إلى تنفيذ بقية الخفض المعلن في إنتاجها، بل ربما ترفع إنتاجها في النصف الثاني من العام الجاري بواقع 0.2 مليون برميل يومياً، مع سعي بعض الدول الأعضاء إلى تحقيق إيرادات نفطية أكبر.

وفي حال قررت أوبك خفض إنتاجها بمقدار نصف مليون برميل يومياً إضافية في العام الجاري -إما عبر التزام أعضائها بحصص الإنتاج الحالية، أو نتيجة أي حدث أمني في نيجيريا مثلاً- فإن أسعار النفط قد ترتفع بوتيرة أسرع بكثير.

حينها، قد يتجاوز سعر برميل النفط الخام مستوى 75 دولاراً بنهاية العام 2009.

لكن مع ارتفاع تكلفة الطاقة، فقد يضع هذا السيناريو المزيد من الضغوط على النشاط الاقتصادي العالمي وتطلعات نمو الاستهلاك النفطي في العام 2010.

أسعار النفط قد تشهد المزيد من تراجع الأسعار في حال ارتفع المعروض، نتيجة زيادة الإنتاج من كلٍّ من أوبك (نتيجة عدم التزام أعضائها بالحصص المقررة)، ومن خارجها - ربما بزيادة المعروض في 2009 بنحو 0.4 مليون برميل إضافية.

أسعار النفط: هل تعيد مشهد خوف عاشه العالم؟
 
01-Jul-2009
 
العدد 1