العدد 1 - محلي
 

تعدّ محطة الخربة السمراء في محافظة الزرقاء، أهم مشاريع الصرف الصحي التي أُنجزت خلال السنوات الأخيرة، لتوفير خدمة الصرف الصحي لـ70 في المئة من سكان العاصمة ومحافظة الزرقاء.

المحطة الواقعة على سيل الزرقاء، تتدفق مياهها المعالجة، عند التقاء وادي الضليل مع وادي سعيدا (15 كم شمال شرق الزرقاء)، وحتى سد الملك طلال على مشارف وادي الأردن.

وتشكل المحاصيل العَلَفية (الذرة والشعير والبرسيم) من أبرز المحاصيل المنتَجة عبر انتشال مياه المحطة المتدفقة في قعر الوادي الممتد بطول 30 كم.

هذا الواقع الجديد على حواف سيل الزرقاء، تشكّلَ بعد أن أنشئت محطة مياه معالجة جديدة على الطريقة الميكانيكية، صيف العام 2006، بدل المحطة القديمة التي كانت تعمل على الطريقة الطبيعية منذ العام 1986.

مزارع الأعلاف عبد الحميد مصلح، 40 عاماً، يقول إن المياه المتدفقة من المحطة الجديدة «مكّنت المزارعين من رفع أسعار الأعلاف على مزارع الأبقار»، حيث كان «الطن يباع بـ20 ديناراً»، إلا أن «تحسن نوعية المياه حسّنَ نوعية البرسيم، ورُفع سعر الطن إلى 50 ديناراً». كما ساهم تطوير المحطة في تحسين الأثر البيئي والدورة الغذائية، ما انعكس على صحة الإنسان.

أما المزارع إبراهيم أبو خالد، 45 عاماً، فقال لـ«السّجل» خلال جولة لها في المنطقة، إن المياه التي كانت تتدفق في الوادي «ذات رائحة منتنة ولا يمكن الاقتراب منها»، أما اليوم فإن المياه تتمتع بـ«صفاء كبير». ويضيف: «بدأت منذ عام ونصف العام في ريّ أشجار الزيتون بهذه المياه، بعد استشارة خبير زراعي أكد لي أن هذه المياه صالحة لري الزيتون وغيره من الأشجارـ باستثناء الخضراوات التي تؤكل نية، مثل البندورة والجزر والخس والبقدونس».

على الجانب الآخر من حقول البرسيم، تنفس السكان المحيطون بالخربة السمراء الصعداءَ بعد ثلاثة عقود من لجوئهم إلى خيام (ناموسيات) في الصيف، هرباً من أسراب حشرات كانت «تُقْلع» بكثافة من المياه الآسنة المعالجة جزئياً في تلك المحطة الحيوية.

التحول الإيجابي والعودة إلى المنازل بدأ مطلع العام 2006، إثر إحداث تعديلات جذرية في آليات تشغيل «الخربة السمراء»، بعد عقدين من خطط مؤجلة وتلكؤ في التنفيذ.

أحد أبناء قرية الخربة السمراء، المحامي حسن مشاقبة، يستذكر تحوُّل قاع وادي الضليل إلى مكرهة صحية عقب إنشاء المحطة العام 1985، الذي أدى إلى تغير مناخ القرية ومزاج سكانها البالغ عددهم 2000 شخص، غالبيتهم من عشائر بني حسن.

أبناء الخربة السمراء ليسوا وحدهم الذين تمكنت وزارة المياه والري وسلطة المياه من تغيير واقعهم البيئي، فقد نُفذ عدد من مشروعات الصرف الصحي أفاد منها 64 في المئة من السكان، بعد أربعة عقود من بناء أول محطة لمعالجة المياه العادمة في الأردن، العام 1970، حيث بُنيت 22 محطة تعالج ما يزيد على 107.3 مليون متر مكعب مياه عادمة.

أمين عام سلطة المياه منير عويس، قال لـ«السّجل»: «إن المحطة الجديدة حسّنت الواقع البيئي في المنطقة، حيث عادت الحياة الطبيعية إلى الوادي الذي انتشرت فيه الضفادع والقوارض التي كادت تنقرض بفعل التلوث».

عويس يضيف: «كنت أعبر بشكل يومي من المنطقة، وكانت الروائح الكريهة في استقبالي، أما اليوم فأقوم بجولات في إقليم الشمال مروراً بمحطة الخربة السمراء، برفقة وفود عربية وأجنبية، وأكاد لا أصدّق أن تلك الروائح اختفت».

كانت المحطة تستقبل المياه العادمة بكميات تفوق قدرتها، حيث من المفترض أن تعالج بالطريقة الطبيعية 68 ألف متر مكعب من المياه العادمة يومياً. إضافة إلى ملوثات المصانع، بما فيها العناصر الثقيلة. وابتداء من العام 1990 أُغرقت المحطة بكميات من المياه تصاعدت إلى أن وصلت إلى 220 ألف متر مكعب في اليوم الواحد، على شكل مياه عادمة، في العام 2004، كما تبين سجلات وزارة المياه، عبر خطَّي نقل، يخرج الأول منهما من محطة «عين غزال» ويصل إلى «الخربة السمرا» مباشرة، ويبلغ قطره 1500 ملم وطوله 34 كم، أما الخط الآخر فيمر بعد خروجه من «عين غزال» بالرصيفة والزرقاء، بقطر 1200 ملم وطول 38 كم، مما اضطر المحطة لاختصار الوقت المطلوب للمعالجة، وإلغاء بعض المراحل لتقوم بمعالجة جزئية، وهو ما أدى بدوره إلى إصابة المنطقة بكارثة بيئية.

الواقع السابق للمحطة، وصرف المياه العادمة غير المعالجة والمخلفات الصناعية في مياه النهر، وتجمُّع المواد الملوثة في سد الملك طلال، كل ذلك أدى إلى تدمير الحياة الطبيعية في المنطقة.

كان السد أقيم لأغراض «الري وتربية الأسماك والاستجمام وتوليد الطاقة الكهربائية»، بحسب مخططات وزارة المياه في حينه، ونظراً لتلوث مياهه، فقد حُظر على المواطنين الاقتراب أو صيد الأسماك منه.

دراسات بيئية أعدتها وزارة البيئة العام 2004 على مياه السد، كشفت عن تزايد نسبة الأمونيا والفسفور، ما «يساهم في نمو الطحالب التي تقلل من نسبة الأكسجين في مياه السد»، مما «يلحق الضرر بحياة الأسماك». كما بينت الدراسات أن مياه السد تحوي «الأملاح غير العضوية والمواد الصلبة الناجمة عن الفوسفات الكيميائية والصناعات الكيميائية وصناعة الورق والكبريت ومصفاة البترول ومصانع الجلود».

إلا أن تشغيل المحطة الميكانيكية صيف العام 2006 ساهم في الحد من ارتفاع نسب التلوث في السد، حيث بيّن تقرير لوزارة المياه والري أُعلن شباط/فبراير الفائت، عودة الحياة الطبيعية في المنطقة، ولوحظ وجود الأسماك. وسيتم في العام 2012 السماح للمواطنين بصيد الأسماك بعد تغيير المياه، وتصريف الرواسب الملوثة.

وزارة المياه أعادت تأهيل المحطة وبناء محطة جديدة قادرة على معالجة 268 ألف متر مكعب في اليوم.

في جنوب الأردن، هناك محطة أخرى ساهمت في تحقيق نقلة نوعية في واقع السكان المحليين، هي محطة وادي موسى لتنقية المياه العادمة التي بدأت العمل 2001 بطاقة تصميمية 3400 متر مكعب يومياً.

تعمل المحطة على نظام «الحمأة المنشطة» (Activated Sludge) التي تعد من الطرق الحديثة في معالجة المياه العادمة. بحسب مدير مشاريع الصرف الصحي في وزارة المياه أحمد الرشايدة، فإن نظام «الحمأة المنشطة» يقوم على «الاعتماد على البكتيريا النشطة في أحواض التهوية لمعالجة المواد الصلبة الموجودة في المياه العادمة». الرشايدة أكد لـ«السّجل» أن هذا النظام يعدّ «الأرقى عالمياً لمعالجة المياه العادمة».

بلغ معدل المياه المعالجة في هذه المحطة العام 2009 ما مقداره 1500 م3/يوم، وتُستخدم مياهها الخارجة لري مشروع تطوير البادية حول المحطة وداخلها.

كما تم الانتهاء من مشروع وادي موسى في منطقة بيضا بالبادية الجنوبية، لزراعة المحاصيل العلفية على مساحة تبلغ 1069 دونماً، بالتعاون مع جمعية السد الأحمر لمستخدمي المياه المستصلحة بتمويل من الوكالة الأميركية للإنماء الدولي. أصبح هذا المشروع تحت مظلة الصندوق الهاشمي لتنمية البادية منذ مطلع العام الجاري، وتبلغ التكاليف التشغيلية نحو 40 ألف دينار، ويستفيد من المشروع 44 مزارعاً، بدخل يقدَّر بحوالي 500 دينار شهرياً لكل مستفيد.

المزارع فالح كريم، 35 عاماً، أب لثلاثة أبناء، قال لـ«السّجل» إن محطة وادي موسى ساهمت في استقراره في منطقة الوادي، بعد أن كان «دائم الترحال».

رغم النجاح الذي «صادف» وزارة المياه في تطوير محطات معالجة المياه، إلا أن الوزارة لم تتمكن بعد من منع عمليات الضخ الجائر للمياه، حيث يمتلك مزارعون أكثر من 6 آلاف بئر تضخ المياه العذبة لأغراض الزراعة المروية، وقد تراكمت عليهم ملايين الدنانير كمستحقات. وربما يكون هذا هو التحدّي الأبرز للوزارة خلال الفترة المقبلة.

التلوث يذهب.. «جفاء»
 
01-Jul-2009
 
العدد 1