العدد 1 - محلي
 

مبنى انتهى «عمره الافتراضي»، وبالكاد يستطيع المرء الاهتداء إليه، لوقوعه بين مبنيَين كبيرَين، بالقرب من جسر معلّق ينتهي بنفق يخترق أحد جبال عمان القديمة. يتكدس أمامه منذ ساعات الصباح الباكر مئات المراجعين ينتظرون في صفوف طويلة دورهم لأخذ عينات مخبرية، بعد إجراءات بيروقراطية طويلة تزيد من علّة المريض.

في مبنى المختبرات المركزية التابعة لوزارة الصحة، الكائن في شارع الملك حسين (السلط) بين محكمة الجنايات الكبرى والبنك المركزي، تطفو مشاهد بؤس مؤلمة تتكرر يومياً، وقد رصدتها «السّجل» أثناء زيارة ميدانية للمختبرات.

مراجعون ينتظرون لساعات، منهم من يحالفه الحظ في العثور على كرسي، ومنهم من يفترش درجات المدخل، يحملون بطاقات زهرية اللون كُتبت عليها بخط اليد أرقام تبدأ بواحد، وقد تصل إلى ثلاثمئة.

إلى يمين المدخل، يتجمهر مراجعون أمام غرفة صغيرة ينتظرون نداء الموظفة على أرقامهم. وبعد تسجيل الفحوصات المطلوبة، يعود المراجع للانتظار في صف آخر أمام شباك المحاسب لدفع المبلغ المستحق، ثم ينتظر مرة ثالثة حتى يُنادى عليه لسحب الدم، أو تحضير العيّنة.

بعد زهاء الساعة من تواجُد «السّجل» في المبنى، تذمرت إحدى المراجعات بصوت مرتفع، فــ«أم محمد» جاءت إلى المختبرات بالمواصلات العامة من منطقة المقابلين، وتبيّن أنها تنتظر دورها منذ أكثر من ساعتين، وتقول: «بدي أرجع على البيت قبل ما يجي الأولاد من المدرسة، المواصلات بتوخذ وقت، وأنا ما بقدر أستنى أكثر من هيك».

آثرت «أم محمد» العودة إلى منزلها، على أن تعود في صباح اليوم التالي أبكر بقليل، علّها تحصل على رقم مكون من خانتين على الأقل، بدلاً من رقم بثلاث خانات.

بعد قليل، توقفت حافلة تابعة للأمن العام أمام الباب الخارجي للمختبرات. كانت تقل متهمين مكبلي الأيدي ومحاطين بحراسة مشددة. فمحكمة الجنايات تقع على طرف الشارع، وليس هناك ساحة خاصة بها لاستقبال المحكومين.

يشتكي السبعيني عبد الرحمن عمر «من وجود المختبرات في موقعها الحالي»، حيث لا يستطيع المجيء بسيارته، لعدم توافر أماكن لوقوف السيارات. ويضيف أن «وقوع المختبرات إلى جانب محكمة الجنايات، ووجود جسر أمامها، إضافة إلى كثافة المرور في المنطقة، لا يتيح للمراجعين الوصول بسهولة إلى المبنى».

ينتقد عبد الرحمن بشدة «الإجراءات البيروقراطية»، كما ينتقد حالة المبنى وضيق المكان: «غرفة سحب العينات ضيقة جداً، وليس هناك مكيفات ولا غرف انتظار، ولا حتى كولر لشرب الماء، فضلاً عن أن الحمامات قذرة جداًَ»، ويضيف: «المريض هنا يزداد مرضاً».

إحدى الفنّيات العاملات في المختبرات، فضّلت عدم نشر اسمها، تحدثت عن مشكلات يواجهونها في عملهم. «كادرنا قليل قياساً لعدد العينات التي ننجزها خلال اليوم».

تستقبل المختبرات المركزية يومياً نحو 300 مراجع، إضافة إلى تحضير آلاف النتائج من العينات التي تصلها من مديريات ومراكز الصحة الحكومية المنتشرة في أنحاء البلاد.

في غرفة سحب العينات، هناك ثلاث فنّيات فقط لسحب عينات الدم، فيما لا يتجاوز عدد الفنيات في قسم المختبرات الطبية السريرية 16 فنية، أما عدد الفنيين في قسم الصحة العامة فلا يتجاوز 5، بحسب موقع وزارة الصحة الإلكتروني.

رغم هذه الصعوبات، فإن نتائج الفحوصات في المختبرات المركزية تتميز بدقتها العالية، وفق شهادة مختبرات طبية خاصة في الأردن.

تقول فنية المختبرات: «نحن فخورون بما ننجزه، لكن التحدّيات التي نواجهها تؤثر في النجاح الذي نحققه على مستوى البلاد». فمع اكتظاظ المختبرات والنقص في أجهزة الكمبيوتر التي تسجل نتائج الفحوصات، ربما تحدث أخطاء. توضح الفنية: «أحياناً، وبسبب الاكتظاظ، تنسى فنية المختبرات التي تسحب عينة الدم تسجيلَ اسم المريض على العينة، ما يضطرنا إلى التخلص منها». وتضيف: «الموظفة التي تسلم نتائج الفحوصات للمراجعين ليست فنية مختبرات، وكثيراً ما يحدث أن تسلَّم نتيجة ما للشخص الخطأ».

مدير المختبرات المركزية أكثم حدادين، يقرّ بوجود مشكلات وتحديات، أبرزها موقع المبنى. «نحن ننتظر أن يفي وزير الصحة بوعده، بنقلنا إلى مكان أفضل للناس».

كان وزير الصحة نايف الفايز، زار المختبرات بشكل مفاجئ، واطلع على سير العمل، ووعد بنقل المختبرات إلى موقع جديد مؤهل لتقديم الخدمة الجيدة للمواطنين.

يقول حدادين: «وزارة الصحة غير مقصّرة في عملها، لكن الأمر يحتاج إلى ميزانية ووقت». ويضيف: «ما نريده الآن على الأقل، نقل قسم المختبر الطبي السريري الذي يستقبل عينات من المراجعين»، كاشفاً أن عمر المبنى يزيد على 60 عاماً. «الشركة الأميركية التي أشرفت على بناء المبنى أعلمتنا أن العمر الافتراضي له قد انتهى».

«هناك مشكلة الإجراءات البيروقراطية أيضاً. فقد طلبنا من وزارة الأشغال استحداث غرفة انتظار للمراجعين، كحل مؤقت إلى أن يتم نقلنا»، لكن الأمر يتطلب وقتاً طويلاً لتنفيذه، على ما يقول حدادين.

من البداهة أن الدولة التي تجني الضرائب من المواطنين، مطالبة بتقديم الخدمة لهم في المجالات المهمة والأساسية، مثل التعليم والصحة، على أن تكون تلك الخدمة على درجة من الجودة والنظافة.

حول الإجراءات البيروقراطية داخل المختبرات، يقول حدادين: «في السابق، كان المحاسب يجلس بجانب فنية المختبرات التي تسجل الفحوصات للمراجعين، لكن تعليمات ديوان المحاسبة الجديدة تنص على وجوب عزل المحاسب في غرفة منفصلة مغلقة، الأمر الذي يتسبب في إطالة وقت الإجراءات وتأخير المراجعين».

حدادين يؤكد عدم تساهل المختبرات في إجراءات الأمن والسلامة في نقل العينات. «منذ فترة قريبة، فرضنا نقل العينات في أكياس (biohazard) حفاظاً على السلامة العامة».

رغم الجهد الذي يبذله العاملون في المختبرات الطبية بوزارة الصحة، إلا أنهم لا ينضوون تحت أيّ مظلة نقابية أو عمالية لضمان حقوقهم. من أبرز مطالبهم: منحهم علاوة مهنة (علاوة فنية) أسوة بزملائهم في المهن الطبية الأخرى بوزارة الصحة، علماً أن نظراءهم العاملين بالقوات المسلحة وفي مستشفى الجامعة الأردنية يتقاضون علاوة المهنة تلك.

المختبرات المركزية: عاملون قُلل ومراجعون كُثر
 
01-Jul-2009
 
العدد 1