العدد 1 - راحلون
 

لم يكن له من العمر سوى بضعة أشهر. كان جميلاً وذكياً، نقبّله، نعضُّه، نداعبه ونلعب معه. عدنا بعد العطلة من بيت لحم إلى الزرقاء، حيث كنا ملتحقين بمدارس داخلية، نتطلع إلى تقبيل الصغير واللعب معه كما دأبنا. وقد صعقنا حين رأيناه أشبه بجثة هامدة. ما الذي حدث لعمر؟ لقد أصيب المسكين بمرض السحايا، بينما قدم له الأطباء علاجاً لمرض التيفوئيد.

ذلك كله وهو في شهره الثامن، ومنذ تلك السن المبكرة بدأت معاناة عمر مع المرض. طاف الوالدان به على أطباء كثر، في الضفتين آنذاك، وحملاه إلى مستشــفى الجامعة الأميركية في بيروت، وكان مايو كلينيك ذلك الزمان، لكن من دون جدوى.. حتى دفعهما اليأس إلى الشعوذة والعلاج «العربي»؛ من إلباسه ثياب الرهبنة سنة كاملة، إلى تغطيسه في حوض مليء بأوراق التوت، إضافة إلى تلاوة آيات من القرآن على رأسه.

خلال ذلك كله، لم يقطع «أبو ضيف الله» الأمل، ولم نقطعه نحن أيضاً.

في المدرسة، دأب سامر الصغير على حمايته، وظل يحرسه و«يدير باله عليه» طيلة فترة الطفولة. وحين شبّ عمر، عملَ مأمورَ مقسم حتى وفاته.

امتاز بالصدق والكرم وعفة القلب واللسان، لم يستغِب أحداً في حياته، وظل يفضّل المواجهة بدلاً من العمل في الخفاء، ورغم ألم ومعاناة استمرا طيلة سبعة وأربعين عاماً عاشها، لم ينقطع عن الضحك ومتابعة الأخبار ومناقشتها معنا.

في أيام العزاء، حانت مني نظرة إلى القاعة الواسعة. هناك حشود الأصدقاء، وهناك سامر ومازن يستقبلان المعزّين، فشعرت فجأة أننا نقصنا واحداً. اختفى عمر عن هذه الأرض، لكنه سيبقى معي في قلبي وأحلامي، سأبقى أحبه.

أخي عُمَر: حبة سقطت من العنقود
 
01-Jul-2009
 
العدد 1