العدد 10 - الملف
 

يقطع أستاذ الأحياء (ي .أ) ما يزيد على 60 كيلو متراً يومياً للوصول إلى المدرسة التي يدرّس فيها في منطقة الأغوار، ومثلها للعودة إلى مكان سكنه على تخوم العاصمة.

يصف المعلم البالغ من العمر 26 عاماً تلك المسافة برحلة عذاب يومية، لا تعود عليه نهاية الشهر سوى بـ«الحد الأدنى الذي يمكنه من الحياة» وفق ما أكده معلم الأحياء الذي مضى على عمله في وزارة التربية ثلاث سنوات، ويتقاضى الآن 304 دنانير شاملة جميع العلاوات.

يبلغ عدد المعلمين في المملكة قرابة 120 ألف معلم ومعلمة حسب إحصاءات وزارة التربية؛ يتوزعون بين 80 ألفاً في المدارس الحكومية، و40 ألفاً في المدارس الخاصة ووكالة الغوث. ويرزح هؤلاء تحت ظروف عمل صعبة وواقع اجتماعي سيئ، بحسب عضو لجنة متابعة إعادة إحياء نقابة المعلمين عبد الغفور القرعان، الذي يقول «إن المعلمين هم الفئة الأكثر تعرضاً للظلم على صعيد الرواتب والترقيات والعلاوات».

الواقع المتردي للمعلمين، لم يخفه وزير التربية والتعليم إبراهيم بدران، حين صرح لصحيفة العرب اليوم في 14 آذار/ مارس 2010 بأن «الوزارة لا توفر جهداً إزاء الأوضاع المالية للهيئة التدريسية». بدران الذي مثلت تصريحاته اعترافاً ضمنياً بالواقع الاقتصادي الصعب للمعلمين، أفصح عملياً عن عدم اقتراب الحل، حين أشار إلى أن «علاوة الـ 5 في المئة لا زالت قيد الدرس بسبب الأوضاع المالية التي تعاني منها الحكومة».

في 30 آذار/مارس2010، وبعد أيام من تصريح بدران ے، قرّر مجلس الوزراء صرف علاوة الـ 5 في المئة، اعتباراً من بداية العام الحالي.

رئيس الوزراء سمير الرفاعي أكد حرص الحكومة على الارتقاء بأحوال المعلمين وتوفير الأفضل لهم. وأشار الرفاعي في تصريحات لوكالة الأنباء الاردنية بترا نشرت في 23 آذار/مارس 2010 إلى أن خطة الحكومة التنفيذيّة للعام الحالي، وضعت على رأس أولوياتها تحسين مستوى معيشة المواطنين، بكافة قطاعاتهم وشرائحهم، وأن قطاع المعلمين يحظى بكلّ الرعاية والاهتمام من قبل الحكومة، نظراً لدوره الرائد في المجتمع. وقال «كرامة المعلم فوق أيّ اعتبار».

بدران الذي أقر بتغير مكانة المعلم ونظرة المجتمع له، حمّل المعلم مسؤولية ذلك التراجع، في ما يحمل الأستاذ (ي.أ) وزارة التربية، المسؤولية عن تغير نظرة المجتمع تجاه المعلم، متسائلاً في حديثه لـے، «هل على المعلم أن يتحمل وحيداً الأوضاع السيئة التي وضعته وزارة التربية فيها؟» مسلماً بأن نظرة المجتمع تغيرت تجاه المعلم الذي أصبح يضطر تحت وقع الحاجة إلى العمل بأعمال لا تتناسب مع طبيعة مهنته بهدف زيادة دخله. أستاذ الأحياء المشار إليه لا يرى ضيراً من الاعتراف بأنه يعمل خلال المساء في «سوبر ماركت» بمهنة ترتيب البضائع، مقابل أجر شهري يبلغ 225 ديناراً.

العمل في السوبر ماركت يشاركه فيه زميل آخر يعمل معلم صف. معلم الصف الذي طلب الإشارة إليه باسمه الأول «محمد»، يبرر عمله في ترتيب البضائع بعدم وجود فرص لتدريس الخصوصي للأطفال.

الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية التي بات يعاني منها العاملون في مجال التعليم، يرجعها عضو لجنة متابعة إعادة إحياء نقابة المعلمين عبد الغفور القرعان إلى عدم وجود جسم نقابي يدافع عن حقوق المعلمين. ويضيف «عدم وجود نقابة للمعلمين جعلهم فريسة للتهميش».

جهود إعادة إحياء نقابة المعلمين الأردنية التي مضى على إلغائها خمسون عاماً ونيّف في أعقاب حل الأحزاب وإعلان الأحكام العرفية العام 1957، باتت تشكل أملاً لدى المعلمين لتحسين أوضاعهم، والدفاع عن قضاياهم، بحسب مدرس الحاسوب (ص.ع)، الذي يضيف بأن المعلم يحتاج إلى من يمثله ويدافع عنه في وجه «تغوّل» القوانين عليه.

القرعان يؤكد أن إعادة إحياء النقابة، سيحل الكثير من مشاكل المعلمين، لأنها ستكون جهة مخولة بتبني قضاياهم ومشاكلهم ومطالبهم، قائلاً «الإضرابات التي شهدها قطاع التعليم في أعقاب تصريحات وزير التربية عن هندام المعلم ما كانت لتتم لو كانت هناك نقابة تبنت الدفاع عن المعلمين»، ويرى أن المعلم الذي أضرب رداً على تصريحات اعتبرها مسيئة، سيلجأ للإضراب في كل مناسبة يريد فيها إيصال صوته، ما سينعكس بشكل سلبي على واقع العملية التربوية.

وزير التربية يختلف مع هذا الرأي، ويعتبر أن الموافقة على استحداث نقابة للجسم التعليمي سيؤدي إلى «تسييس» هذا الجسم برمته، وأن مضارها ستكون أكثر من حسناتها على العملية التعليمية من خلال الإضرابات والاعتصامات وتقديم «الاشتراطات» التي ستحدث خللاً في موازين المشروع التربوي.

يختم بدران موقفه من النقابة في تصريحاته لوكالة الأنباء الأردنية بترا في 13 آذار/مارس 2010 بقوله «إنشاء نقابة للمعلمين أمر مرفوض تماماً وغير قابل للنقاش نظراً لمخالفته للقانون».

المجلس العالي لتفسير الدستور كان أصدر في 13 كانون الثاني/يناير 1994، قراراً بعدم دستورية إنشاء نقابة للمعلمين. وجاء في القرار أن معلمي وزارة التربية والتعليم موظفون عموميون، ويخضعون لنظام الخدمة المدنية الصادر بموجب أحكام المادة 120 من الدستور، وأن الأحكام الدستورية لا تجيز إصدار قانون لنقابة المعلمين.

المادة 120 من الدستور تحصر التشريعات في الأمور المتعلقة بالموظفين العموميين بمجلس الوزراء، دون إعطاء هذا الحق للسلطة التشريعية.

رئيس تحرير العرب اليوم طاهر العدوان يصف مطالب المعلمين بإنشاء نقابة بـ«الحق»، يقول في مقاله المنشور في 22 آذار/ مارس تحت عنوان « للمعلمين الحق بالنقابة والكرامة» إذا كنّا كدولة وحكومة ومجتمع توافقنا على أن العام الحالي هو عام الإصلاح السياسي فإن «ألف باء هذا الإصلاح السماح بإنشاء نقابة لقطاع يضم 70 ألف معلم».

خشية الوزير من تسييس النقابة، يقابله اتهام من قبل المطالبين بإحيائها بأن الأسباب السياسية وليست القانونية هي التي تقود إلى حرمان المعلمين من حقهم قي التنظيم النقابي، بحسب أمين سر اللجنة التحضيرية «لاتحاد المعلمين» محمود البستنجي.

اللجنة التحضيرية المشار إليها تشكلت مطلع تسعينيات القرن الفائت، من معلمين ينتمون إلى أحزاب يسارية وقومية معارضة، حملت لواء المطالبة بإنشاء اتحاد للمعلمين الأردنيين، أو إعادة النقابة التي ألغيت العام 1957.

وبحسب البستنجي، فإن إنشاء النقابة بات وشيكاً بسبب إحساس المعلم بضرورة وجود جهة تدافع عنه.

شهد شهر آذار/مارس 2010 تعالي الأصوات المطالبة بإعادة إحياء النقابة، من خلال التداعي لعقد اجتماعات موسعة في أندية المعلمين التي أغلقت أبوابها أمامهم.

وحاول أعضاء لجنة إحياء النقابة عقد اجتماع الأول في نادي المعلمين الكائن في منطقة الدوار السابع في 7 آذار/ مارس لكنهم قوبلوا بإغلاق الوزارة مقر النادي أمامهم، ما دفع نحو 70 منهم إلى افتراش رصيف النادي الخارجي للاجتماع.

الوزارة دافعت عن قرارها منع المعلمين من الدخول بعدم تلقيها طلباً لعقد لقاء أو اجتماع لهم في مقر النادي، بحسب تصريحات الأمين العام للوزارة فواز جرادات لصحيفة الغد في 11 آذار/ مارس.

وسبق دعوات لجنة متابعة إحياء النقابة للاجتماع، حملة جمع تواقيع خلال شهر شباط/ فبراير في صفوف المعلمين للمطالبة بإعادة إحياء النقابة.

وفيما تتصاعد احتجاجات المعلمين من أجل إعادة إحياء النقابة لتصل حد الإضرابات والتوقف عن العمل، فإنه لم يسجل حتى إعداد هذه التقرير أي حالة قمع أمني للمحتجين أو المعتصمين، كما لم تقم وزارة التربية بأي إجراء تصعيدي بحق المضربين.

ويحاول المعلمون والداعمون لهم إزاحة المخاوف السياسية التي أشار لها وزير التربية في حال إنشاء نقابة من خلال تأكيد أنّ الهدف من مطالبهم هو تنظيم المهنة من خلال إطار نقابي، دون أن تتعداه لتكون منبراً سياسياً، بحسب القرعان، الذي حّذر من خطورة أنّ «المعلم يعيش حالة احتقان» وهو ما يستدعي «التعامل معها بشكل جدي».

الحكومــة، المصرة على الالتزام بقــرار عدم دستورية نقابة للمعلمين، كلفت ديوان التشريــع والـرأي بدراســة «بـدائل قــانونية» متاحة لإنشاء «روابط» للمعلمين.

بلغ تعدادهم 120 ألفاً - قطاع المعلمين المهمّش يطالب بنقابة
 
01-Apr-2010
 
العدد 10