العدد 8 - الملف
 

انتهت مشكلة مكبّ نفايات الرصيفة التي كانت سبباً لشكاوى أهالي الرصيفة والقرى المحيطة بها، بسبب الروائح الكريهة التي تصدر عنه، وقربه من التجمعات السكنية، بإنشاء مكبّ جديد بمواصفات عالمية وصديقة للبيئة في منطقة الغباوي، 35 كم شرق عمان، العام 2003.

تبلغ مساحة المكبّ 2000 دونم، و1000 دونم مخصصة للمشاريع الخاصة المصاحبة له، مثل مشروع الفرز وإعادة التدوير، وطاقته الاستيعابية تسع خلايا، تم إغلاق الأولى، والثانية سيتم إغلاقها بعد تعبئتها بأكثر من مليوني طن من النفايات، ليتم إحالة عطاء الثالثة.

الخلية حفرةٌ بعمق 10 أمتار وعرض أكثر من 100 متر، وارتفاع 37 متراً، يتم تبطينها بمواد بلاستيكية عازلة بعرض مساحة الخلية، وتوضع برابيش لسحب السوائل السامة والمياه العادمة من أسفلها، ونقلها إلى برك صناعية للاستفادة منها في الزراعة بعد معالجتها.

مدير المكبّ ومدير مصنع الغاز الحيوي البيوغاز سامر حتاملة يصف مكبّ الغباوي بأنه «آمن بيئياً، وهو الأول عربياً من الناحية البيئية»، فليس له تأثيرات في المياه الجوفية، ويمكن استثمار الغازات الصادرة عنه بإنتاج الكهرباء، كما يمكنه استقبال النفايات 30 عاماً، وتم تصميمه بحيث لا تكون اتجاه الروائح الصادرة عنه ناحية الشرق أو ناحية المناطق السكنية التي تبعد عنه نحو 15 كم غرباً.

الخبير البيئي ورئيس جمعية الأرض والإنسان لدعم التنمية زياد علاونة، يؤكد أن مكبّ الغباوي من المكبّات التي تستخدم طريقة الطمر الصحي من خلال تغليف باطن الأرض لمنع العصارة السامة من الوصول إلى باطن الأرض والمياه الجوفية، ولمنع وصول تأثيراتها السامة على السكان المجاورين. ويضيف: «بهذه المواصفات فإن المكب يُعدّ من أفضل المكبات التي تستخدم المقاييس العالمية للتخلص من النفايات».

العلاونة يطرح مفارقة أن مكبّ الغباوي شرق عمان يستخدم الطمر الصحي «وهو بالمقاييس العالمية جيد لأنه يعتمد أفضل المنهجيات العلمية»، بينما تستخدم فرنسا طريقة حرق النفايات من خلال «المرمدات» وهي ماكنات وآلات حرق كبيرة يتم فيها حرق النفايات الصلبة لتصبح رماداً، «وهي طريقة لها آثار سلبية ضارة بالبيئة والهواء».

الغباوي يعاني كغيره من مكبات النفايات في الرصيفة والأكيدر ومادبا، من ظاهرة لاقطي القمامة «اللمّيمة»، فلا تكاد ترى ضاغطة أو قلاباً إلا ويتجمهر «اللمّيمة» لتحصيل رزقهم، مما يعيق عمل السائقين والجرافات وحركة القلابات.

«اللمّيمة» مجموعة من الناس الفقراء، يعدّون مكب النفايات مصدر رزقهم وإعالتهم، من خلال جمع علب الألمنيوم والحديد والبلاستيك والكرتون، وفرزها عن النفايات غير الصالحة وإعادة بيعها للمصانع.

من مظاهر الخطورة في مكب الغباوي، أن أحد قلابات النقل الكبيرة أفرغت حمولتها على أحد الشباب الذين يلتقطون النفايات، ولولا انتباه أحد الموظفين في المكبّ، لدفن الشاب تحت النفايات وتوفي من دون أن يعلم أحد عنه، كما يقول السائق أيمن سليمان لـ ے.

تتجاوز المشاكل التي يتعرض لها العاملون في المكبّ، لتصل إلى حد التهديد وإشعال الحرائق المتعمدة في أطراف المكبّ من «اللمّيمة»، بخاصة أن من أهم نواتج تفاعل النفايات صعود غاز الميثان سريع الاشتعال، بحسب الحتاملة.

يقول الحتاملة إنّ أمانة عمان راعت خلال تصميم المكب «عدم تأثيره على المياه الجوفية، وعدم التأثير على المحيط»، يضاف إلى ذلك أنه مدر للدخل من خلال إنتاج غاز الميثان واستخدام ذلك في إنتاج الطاقة الكهربائية التي تقدر بـ6 ميغاواط، بحسب ما أكده الحتاملة.

يُذكر أن إنتاج مصنع الغاز الحيوي «البيوغاز» في ماركا يبلغ 3 ميغاواط، وهي الكمية التي تحتاجها مدينة مثل الرصيفة لإنارتها بالكهرباء.

يستقبل المكبّ يومياً، بحسب المسؤول عنه، 2500 طن من مختلف مناطق الأمانة والزرقاء والرصيفة ومعسكرات القوات المسلحة الأردنية في المنطقة المحيطة به ومن القطاع الخاص كالشركات والمولات والمصانع، مشيراً إلى أنه يتمّ تفتيش وتوزين كل ضاغطة وقلاب من خلال نظام محوسب، لإدخالها بعد ذلك إلى موقع التفريغ والطمر داخل الخلايا، وليتم بعدها دفعها وفردها على الأرض، ومن ثم «الدكّ» لتحقيق معادلة المتر المكعب الواحد للطن المكعب الواحد، ثم أخيراً طمر النفايات بالتراب.

وعن ظاهرة لاقطي القمامة يقول مدير المكبّ إنها «قديمة جديدة، وهي من المظاهر السيئة المرافقة لتشغيل المكبّ منذ تأسيسه»، حيث أنهم يجمعون القمامة كالبلاستيك والحديد والنحاس وعلب الألمنيوم، كما أنهم «يعيثون فساداً في المكبّ ويهددون موظفيه».

لمعالجة الظاهرة، يقول حتاملة إنه لا بد من وجود مفرزة أمنية، مبيناً أن «لاقطي القمامة مصابون بأوبئة عديدة؛ التهاب الكبد الوبائي، الملاريا، أمراض التحسس والرئة والتسمم والالتهابات الجلدية والعصبية وغيرها».

وعن حماية موظفي المكبّ يؤكد الحتاملة أنه يتم إجراء فحص دوري كل 6 أشهر لهم لعدد من الأمراض التي قد يتعرضون إليها، مشيراً إلى علاوة تبلغ 40 ديناراً شهرياً تُصرف لهم «بدل خطورة عمل».

تدوير النفايات من أهم الوسائل البيئية التي يمكن التعامل من خلالها مع النفايات. ويؤكد الحتاملة أن «مشروع إعادة تدوير وفرز النفايات قائم، لكن هناك خلاف مع الشركة المنفذة»، والقضية الآن منظورة في القضاء بين الأمانة والشركة.

ويبين أن موقع فرز النفايات الذي تم بناؤه يستوعب 600 طن يومياً لغايات فرز النفايات وتدريجها، بحيث يتم فصل الزجاج عن البلاستيك والحديد والنحاس والورق والكرتون.

أما بالنسبة لإمكانية وقوع الحرائق بسبب غاز الميثان فيؤكد أنه «حدثت 10 حرائق منذ تأسيس المكبّ وتمت السيطرة عليها»، مشيراً إلى أن حرائق أخرى صغيرة تحدث في فصل الصيف، وذلك من فعل الطبيعة، أما الحرائق الأخرى فإنها تحدث بفعل لاقطي القمامة انتقاماً من منعهم من دخول المكبّ.

غاز الميثان CH4 مركب كيميائي ، يتم استخراجه من الرواسب الجيولوجية، حيث يكون مصاحباً لأنواع الوقود الهيدروكربوني الأخرى، كما يمكن الحصول عليه من المصادر الطبيعية، مثل تحلّل المخلفات العضوية والمصادر الطبيعية، كالمستنقعات بنسبة 23 في المئة، ووقود حفريات بنسبة 20 في المئة، وعملية الهضم في الحيوانات (الماشية) بنسبة 17 في المئة.

المياه الآسنة، أو عصارة النفايات، يتم جمعها وشفطها من قاع الخلية إلى برك خاصة ليتم معالجتها بيئياً وإعادة استخدامها لغايات الزراعة، حيث يوجد 4 برك، كل واحدة قادرة على تخزين المياه بطاقة استيعابية تصل إلى 45 ألف متر مكعب كل عام، يتم نقلها بصهاريج للاستفادة منها في الزراعة.

ويشير حتاملة إلى وجود ظواهر سيئة تصاحب وجود أي مكبّ نفايات في العالم، وأبرزها المنظر السيئ، وخروج العصارة السامة والغازات والروائح الكريهة والحشرات والقوارض وغيرها من المظاهر، كتجمع الكلاب وظهور الأمراض.

لا تكاد قدماك تطآن أرض المكبّ حتّى تهبّ عليك رائحة كريهة تجبرك على وضع كفّيك على أنفك، فالرائحة تزكم الأنف، لكن لاقطي القمامة يتدبرون أمرهم، فهم يغطون وجوههم بالّلثام لمنع استنشاق الرائحة القوية والكريهة.

ے تجولت في مختلف مرافق المكبّ، والتقت عدداً من لاقطي القمامة الذين عرضوا معاناتهم وأوضاعهم المعيشية الصعبة، مطالبين أمين عمان الكبرى عمر المعاني بتأمين وظائف لهم كعمال وطن «عمال نظافة»، مقابل ترك المهنة، غير أن آخرين رفضوا المقترح، ويرون أن عملهم الحالي كلاقطي قمامة أفضل وأكثر جدوى لهم من الناحية المالية، رغم المشقة والتعب.

محمد أبو لبّة، سكان الرصيفة قال لـ ے بحرقة: «والله لو فيه شغل غير هالشغل لأترك اليوم قبل بكرة. ولو فيه شغل ما شفتني بشتغل هيك مع الزبالة. بس فيه وراي عيال وبدي أعيّشهم». ويتابع أبو لبّة: «أنا شخص متزوج وعندي أطفال، كل يوم من الساعة ثمانية وحتى الساعة ثلاثة أجمع علب الألمنيوم والحديد والبلاستيك والنحاس».

وعن مجمل ما يحصل عليه لقاء بيعه ما يجمعه من القمامة يقول: «تتراوح يوميتي بين 15 و40 ديناراً، وفي أحد الأيام ربي فتحها علي ولقيت نحاس، وبعت بـ80 ديناراً. الحمد لله»، ويشير إلى ما تحمله يده قائلاً: «مثلاً هذا الكيس جمعته بـ15 دقيقة بس، وببيعه بـ3 دنانير». وهو يبسط معاناته أمام ے قائلاً: «أنا مريض. كل أمراض الدنيا بجسمي، من الكبد للرئة للتحسس.. ربي اللّي بعين، شو نعمل».

أما الطفل راغب سعيد الذي لا يتجاوز عمره 15 عاماً، فلم يكد يعرّف بنفسه حتى ترَكنا خشيةَ تعقّبه أو مساءلته، وهرب وهو يحمل على كتفه كيساً من القمامة.

محمد عطية، 30 عاماً، فور أن طرحنا السؤال عليه حول عمله أجاب: «شو شايفني بعمل؟ بلقّط بلاستيك وحديد ونحاس وألمنيوم. يا عمي ورانا عيال وبيوت شو نعمل!».

ويقول ما إذا كان مريضاً: «لا، الحمد لله مش مريض، بس لقمة الحلال صعبة، وإلا نروح نسرق أحسن.. لا بلقط زباله ولا بروح أشحد أو أسرق».

وبانفعال شديد وبصوت عالٍ يقول أحد الملثمين، والذي رفض ذكر اسمه، «ما فيه شغل وين أروح؟ أروح أسرق علشان ترضى وأصير حرامي. وراي أولادي وعيلتي، من وين أصرف عليهم، أنا جاي من الرصيفة علشان ألقط رزقي من الزبالة.. قلة شغل، أنا صار لي سنتين مقدم للأمانة حتى أعمل عامل نظافة، ومش ملاقي وظيفة، أنا دخيل عليك خلي الأمين يعيّني وأنا الساعة بترك المكب.. بس ربك بسترها».

ويتابع بالقول: «بتعرف محمد عطية معه موبايل أحدث نوع، وفيه ناس بتيجي على المكبّ لتأمين الأموال لشراء المخدرات.. فيه شباب يا أخي بتكون مكبتة معها، بييجو علشان يتعاطوا الحبوب المخدرة، بس إحنا جايين نترزّق».

السائق أيمن سليمان من موظفي الأمانة في المكبّ، ويعمل سائق جرافة، يؤكد لـ ے أن عمله يشتمل على قدر من الخطورة. ويقول: «الشباب جننونا، اليوم ربك ستر وإلا كان واحد من اللميمة رمى دمه عليّ، تصور! أنا بأفرد بالنفايات بعد تفريغها، وإلا واحد من اللميمة خلف الكوم.. ربك ستر وإلا كان طلعت عليه بالجرافة وراح».

مكبّ الغباوي: مواصفات عالمية لحلّ مشاكل البيئة، فمن يحلّ مشكلة «اللمّيمة»؟
 
01-Feb-2010
 
العدد 8