العدد 6 - حريات
 

في المركز الصحي الذي قصدته ميساء، 37 عاماً، لافتةٌ معلّقة على الحائط تحذّر من فتح باب غرفة الفحص حفاظاً على «خصوصية المريض»، لكنّ أحداً لم يكن مضطراً لفتح الباب بعد دخول ميساء كي ينتهك خصوصيتها، لأنها عندما دخلت الغرفة وجدت عند الطبيب اثنَين من أصدقائه في ضيافته.

ميساء التي تعمل معلمة، حاملٌ في أشهرها الأخيرة، وكانت تعاني من ارتفاع شديد في الضغط، وهي تتابع حالتها عند طبيب خاص، إلا أنها ذهبت إلى طبيب المركز الصحّي كي تحصل على إجازة مَرضية ليوم، ذلك أن وزارة التربية والتعليم لا تعترف بغير إجازات أطباء الحكومة.

شرحت ميساء حالتها المرَضية للطبيب أمام ضيفَيه، رغم معرفتها أن من حقها الطلب من الطبيب خروجهما، لكنّها لم تفعل، فقد خشيت من أن «يتعكّر مزاجه»، بحسب تعبيرها، فيستخدم حقّه في تحويلها إلى مستشفى بديعة للنسائية والتوليد، حيث كانت ستُمنح إجازة في ذلك اليوم، لكن بعد أن تكون قضت معظمَهُ في إجراءات بيروقراطية داخل المستشفى.

وجود غير المعنيين أحدُ أشكال انتهاك الخصوصية التي يشكو منها كثيرٌ من مراجعي المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، وقد يكون غير المعنيّ ضيفاً، أو موظفاً إدارياً، أو عاملَ نظافة، أو حتى مريضاً آخرَ، ففي الأوقات التي تشهد كثافةً في مراجعات المرضى يتمّ استقبال مريضين أو أكثر في الوقت نفسه.

سليمان، 39 عاماً، ظهرت بقع بيضاء على وجهه، فراجعَ عيادة الأمراض الجلدية في مستشفى تعليمي، وتمّ استقباله في مكتب الطبيب مع مريضَين آخرَين. بدأ الطبيب بمتابعة حالة المريض الأول، في حين قام طلبة متدرّبون لديه بتوجيه أسئلة إلى سليمان والمريض الآخر وتدوين ملاحظات. «واحد منّا فقط تمّ فحصه في غرفة داخلية، وأنا ومريض آخر، يعاني من وحمة دموية في وجهه، تمّت متابعة حالتنا أمام الجميع».

ليست الخصوصية هي الحق الوحيد الذي يتمّ انتهاكه، فالمرضى يتعرّضون في أحيان كثيرة إلى حجب المعلومات عنهم. عبد الحكيم، 27 عاماً، أُدخل المستشفى لاعتلالٍ في قلبه، لم يتكلّف أحد من القائمين على علاجه بتزويده بمعلومات كافية عن مرضه، ولا طبيعة العلاج المستخدَم، أو مدة العلاج المتوقَّعة، ولا حتى إن كانت هناك بدائل متوفرة أمامه لاختبار رأي طبي آخر. الضبابيةُ التي عاش فيها عبد الحكيم وضعته في حالة نفسية سيئة، وفق ما قاله لـ ے.

حجبُ المعلومات مسألةٌ يؤكّدها أخصائي جراحة الأوعية الدموية والقلب والصدر، والناشط في مجال حقوق المرضى سهيل صويص، الذي يقول إن مستشفيات خاصّة تلجأ إلى حجب المعلومات المتعلقة تحديداً بالتكلفة التقديرية للعلاج، والمدّة المتوقَّعة له، لافتاً إلى ما تقوم به مستشفيات ومختبرات طبية ومستودعات أدوية من تقاضي عمولة من بعضها بعضاً، على حساب صحة المريض ودون علمه.

يجري ذلك في وقت تلزم فيه تشريعات عالمية، مثل وثيقة جمعية المستشفيات الأميركية، كلَّ مستشفى بالكشف عن أيّ ارتباطات تجارية بينه وبين مؤسسات أخرى.

الانتهاكات تُرتكَب في مراكز صحية ومستشفيات حكومية وخاصة على السواء، لكن الأشدَّ وطأة أنها تُرتكَب في مستشفيات تعليمية أيضاً، أي في الأماكن التي يُفترض بها أن تكون أنموذجاً في التعامل الحضاري مع المريض. مرضى يقولون إنهم تحوّلوا في هذه المستشفيات إلى «وسائل تعليمية» عندما يدخل الطبيب ومعه مجموعة طلبة، ويبدأ الشرح على المريض، دون أن يعرّف بنفسه أو بطلبته، ودون أن يحصل على موافقة المريض.

منال، 32 عاماً، عندما ذهبت لتضع مولودها، لم يكن رحمها قد توسّعَ بالقدر المطلوب لتتم عملية الولادة، فنُقلت إلى غرفة ترقد فيها أخريات يعانين مثلها من المخاض، وهناك فوجئت بطبيبة جاءت إليها بصحبة ممرضة، وقاست التوسع عن طريق الفحص الداخلي، الذي يتم بوضع اليد داخل الرحم. في اللحظة نفسها التي انتهت فيها الطبيبة من ذلك، طلبت من الممرضة أن تكرّر الفحص وتخبرها بحجم التوسع. وهكذا أُجري لمنال فحصان داخليان مؤلمان دون فارق زمني بينهما.

بعد أن انتهى الموقف، اكتشفت منال أن من اعتقدت أنهما طبيبة وممرضة، كانتا في الحقيقة معلمة قبالة وطالبة، وأنه تمّ استخدامها في تلك اللحظة كوسيلة تعليمية. تقول: «لا أستطيع وصف حالة الغضب التي انتابتني، لقد جاءتا دون أن تعرّفا بنفسيهما، ودون أن تستأذناني... لقد كنت بالنسبة إليهما مجرد شيء يتم التدرّب عليه».

المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان إيفا أبو حلاوة تشير إلى ما يمارَس أحياناً من «تغييب عنصر التواصل الإنساني، وتهميش لإنسانية المريض، وتحويله إلى مجرد حالة مرَضية». وتورد مثالاً على ذلك، أن الطبيب يشرح لطلبته الحالة الصحية للمريض، دون أن يكون قد شرحه بدايةً للمريض نفسه. وتروي قصة مريض فوجئ بمعرفة تشخيص مرضه عبر شرح الطبيب الموجّه إلى طلبته باللغة الإنجليزية. «كان المريض سيبلَّغ بالتشخيص في النهاية، لكن الموقف كان صعباً عليه، أن يعرف بهذه الطريقة، فقط لأن الأطباء يفترضون أن المرضى لا يعرفون الإنجليزية».

في السياق نفسه، يروي عبد الحكيم بحزنٍ ذلك الموقف الذي تعرّض له عندما كان يستعد لدخول غرفة العمليات لإجراء عملية قلب مفتوح، وكان طلبة متدربون بالقرب من سريره يروون في ما بينهم نكاتاً بالإنجليزية عن مريضٍ مات قبل ثلاثة أيام على السرير نفسه.

عبد الحكيم تعرّض أيضاً للتهميش، فهو كما يقول «فقدَ اسمه» في المستشفى، وتحوّل إلى open heart patient، الاسم الذي كانت الممرضات يستخدمنه في ما بينهن، ويعرّف به الطبيبُ طلبته عليه.

هذه الانتهاكات، يصرّ الرئيس السابق لقسم أمراض الدم في مستشفى البشير محمد الدويري، على أنها «محدودة جداً، ولا تمثّل الجسم الطبّي بكامله»، ويلفت إلى أن معظم المستشفيات في البلاد تسعى إلى رفع سوّية خدماتها في إطار سعيها إلى نيل «الاعتمادية».

و«الاعتمادية» شهادةٌ يمنحها مجلس اعتماد المؤسسات الصحية HCAC، للمؤسسات الصحية بعد نجاحها في تطبيق المعايير التي تضمن جودة الخدمات المقدَّمة وسلامتها. والمجلس مؤسسةٌ وطنية غير ربحيّة، وقد انطلق في تموز/يوليو 2008، ويرأسه وزير الصحة الأسبق سعيد دروزة، وهو حائز على اعتراف من الجمعيّة الدوليّة لجودة الرعاية الصحيّة ISQUA، إحدى الهيئات الدولية المعتمدة في مجال جودة الخدمات الصحية، لكنّ خمس مستشفيات فقط في الأردن، تمكنت من الحصول على الشهادة: مستشفى عمّان، المستشفى التخصصي، مستشفى الاستقلال، مستشفى الملكة علياء العسكري ومركز الحسين للسرطان.

يرى أخصائي الطب الشرعي هاني جهشان، أنّ الخلل ليس في التشريعات بقدر ما هو في تطبيق هذه التشريعات، فحقوق المريض التي ضمنتها التشريعات العالمية وتشمل حقوقه على الدولة وعلى مؤسّسة التأمين الصحّي وعلى الطبيب الذي يشرف على حالته، عالجتها التشريعات الأردنية في مواضع متفرقة، مثل قانون الصحّة العامّة، نظام التأمين الصحّي، الدستور الطبّي، وقوانين النقابات المعنية، وإن لم تذكر هذه التشريعات تعبير «حقوق المريض» صراحةً.

وحدوثُ انتهاكات أمرٌ وارد، وفقاً لجهشان، ويعود في الغالب إلى «ضعف البنية التحتيّة لبعض المستشفيات، وتدنّي الكفاءة والالتزام الأخلاقي لبعض موظفيها، إضافة إلى التراخي في تطبيق نظُم الشكاوى والعقاب».

صويص يوافق جهشان على أن التشريعات الأردنية شملت النقاط الجوهرية بما يتعلق بحقوق المريض، لكنّه يرى مع ذلك أنها «تحتاج إلى تطوير وتحديث». وما نحن بحاجة إليه، بحسب ما يرى، «لائحة حقوق مرضى عصرية منْصفة وحضارية تُصاغ بالاقتداء بالتجارب الحديثة للبلدان المتقدمة».

ما يدعو إليه صويص قامت به قبل عقد من الزمان مجموعة «القانون من أجل حقوق الإنسان» (ميزان). ففي العام 1999 نظمت المجموعة بالتعاون مع المعهد الدبلوماسي الأردني، ورشة عمل حول حقوق المرضى، نَتج عنها «الميثاق الأردني لحقوق المريض»، وهو لائحة بخمس عشرة مادة تناولت بالتفصيل حقوق المرضى من الجوانب المختلفة.

حلاوة وهي ناشطة في المجموعة، قالت

لـ ے إنه كان ثمة أمل بأن «يتمَّ تبني الوثيقة وتحويلها إلى قانون، لكن هذا لم يحدث». وهي في الوقت نفسه، تلفت إلى تطورٍ على صعيد التعاطي مع هذا الموضوع حدث في السنوات الأخيرة. ففي معظم المستشفيات والمراكز الصحية هناك لوائح بحقوق المرضى توضَع في أماكن بارزة، لكن المشكلة أن بنوداً قليلة تحظى بمظلة قانونية ويؤدي الإخلال بها إلى المساءلة، فيما يبدو الكثير منها مجرد قواعد أدبية لا أكثر.

حقوق المرضى: نقص تشريعات وتجاوزات عليها
 
01-Dec-2009
 
العدد 6