العدد 3 - محلي
 

الاستقالة المفاجئة لأحمد عبيدات من رئاسة المركز الوطني لحقوق الإنسان في تموز/ يوليو 2008، أشرعت الباب واسعاً أمام التساؤلات، ليس عن حيثيات الاستقالة فقط، بل عن مستقبل المركز نفسه، وإمكانية حفاظه على مصداقيته التي يقول عاملون في مجال حقوق الإنسان إنها تكرّست في عهد عبيدات الذي ترأس المركز منذ إنشائه بإرادة ملكية العام 2002.

هذه المصداقية جاءت حصيلة مواقف اتخذها المركز حيال ملفات ساخنة، أبرزها الانتخابات النيابية للعام 2007، إذ شكك في دستورية هذه الانتخابات التي أجريت وفق قانون مؤقت صدر العام 2001، في حين تنص المادة 94 من الدستور على وجوب عرض القوانين المؤقتة على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده بعد إصدارها.

المركز واجه الحكومة أيضاً في الانتخابات البلدية التي جرت في العام نفسه، عندما كشف في تقرير له «مخالفات تشكل انتهاكات جسيمة للمعايير الدولية وللتشريعات الوطنية المتعلقة بنزاهة الانتخابات».

هذا ما جعل منه، بحسب المحلل السياسي فهد الخيطان، «مرجعية موثوقة لمنظمات حقوق الإنسان العاملة في الأردن»، وجعله بوصفه مؤسسة وطنية، يقطع الطريق على منظمات أجنبية طرحت نفسها بوصفها الجهات الوحيدة القادرة على توجيه النقد بحرية.

وكان تردَّدَ في الشارع الأردني، أن عبيدات أُقيل من منصبه على خلفية توقيعه على بيان، أصدرته 150 شخصية أردنية، وانتقدت فيه بشدة سياسات الخصخصة التي تنتهجها الحكومة، الأمر الذي شكّل، بحسب الخيطان، مفارقة كبيرة. «أن يكون رئيساً لمنظمة تدافع عن حقوق الإنسان، ثم يُنتهك حقه كفرد في التعبير عن رأيه بهذه الطريقة، فهذه مفارقة فعلاً».

المفارقة الأخرى في رأي الخيطان، هي تعيين رئيس الوزراء الأسبق عدنان بدران خليفةً لعبيدات، نظراً لارتباط اسم بدران بأحداث اليرموك التي جرى فيها انتهاك حقوق الإنسان، عندما قامت قوات الأمن باقتحام الجامعة العام 1986، وقمعت اعتصاماً طلابياً يرفع مطالب أكاديمية بحتة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة طلاب.

هل كانت التخوفات على مستقبل المركز في محلها؟ وهل جاءت إزاحة عبيدات مقدمة لترويض المركز أو لإنهاء دوره كما افترض كثيرون؟

الباحث والناشط في مجال حقوق الإنسان محمد سلامة، يقول إن هناك تباطؤاً فعلاً في أداء المركز، ولكن لا يمكن القول إن دوره قد انتهى، «لأنه تأسس وفق رؤية مفادها أنه يجب أن تكون هناك عين ناقدة من الداخل، وهو يحاول العمل على ذلك في ظل الهامش المتاح له».

وفي الوقت الذي يفسر فيه النائب السابق محمد أرسلان هذا «التباطؤ»، بأن المركز لم يتعرض بعد لـ«الامتحانات» التي تعرّضَ لها في عهد عبيدات، وبخاصة الانتخابات النيابية والبلدية، فإن عماد الشوارب من الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان لا يوافق على ذلك، ويستشهد بموقف المركز من الاعتصام الأخير لعمال الموانئ. «لم يكن موقفه على مستوى الحدث أبداً، حتى إنه لم يُصدر بياناً بالمناسبة».

الشوارب يرى أنه لا اختلاف بين العهدين. «خلال عهد عبيدات كان هناك مدّ وجزر، وحتى في تعاطيه مع الملفات الساخنة التي شكلت نقاطاً مضيئة في تاريخه، جرى استخدام لغة قائمة على التعميم، دون أن تتم تسمية الأشياء بمسمياتها، ولم تُستخدم لغة الأرقام كما تفعل منظمات المجتمع المدني الأخرى».

الناطق الإعلامي في المركز محمد الحلو، يعلّق على موقف المركز من اعتصام عمال الموانئ بقوله إن المركز أرسل لجنة لتقصّي الحقائق، وإنه خاطب رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية بهذا الشأن. يقول الحلو: «القضية هي أننا لم نفعل ذلك على مرأى من الإعلام».

أرسلان، الذي يوافق الشوارب على أن المركز كان يجب أن «يتخذ موقفاً أكثر وضوحاً ومباشرة ممّا تعرض له عمال الموانئ من قمع»، يرى مع ذلك أن التخوفات بشأن تخلّي المركز عن دوره لم تكن في محلها، ذلك أن النشاط الأبرز الذي يشكل مقياساً حقيقياً لأداء المركز، وهو التقرير السنوي، حقق هذا العام «نقلة نوعية»، فقد جاء شاملاً وتفصيلياً في آن، وسمّى الأشياء بمسمياتها في معرض رصده للانتهاكات، كما أن الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة حظيت بحيز واسع.

نائب رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان عبد الكريم الشريدة، يرى أن المركز تحول إلى ما يشبه «مؤسسة إحصائية»، فهو «مجرد راصد للانتهاكات التي تحدث، دون متابعة حقيقية لها».

أرسلان يعلّق بأن الأمر ظل دائماً على هذه الشاكلة، حتى في عهد أحمد عبيدات، ويضيف أن المركز ليس مستقلاً تماماً كمنظمات المجتمع المدني مثلاً، بل هو مؤسسة يُعيَّن رئيسها من مجلس الوزراء، واقتصار دوره على الرصد لا يتعلق بأداء شخص يعينه، وإنما يتعلق بقانون المركز نفسه.

الدور الأوسع الذي يتجاوز الرصد الإحصائي للانتهاكات، يتمثل في رأي الرئيس التنفيذي السابق للمركز الوطني لحقوق الإنسان صالح الزعبي، في تأسيس ثقافة شعبية لحقوق الإنسان. ففي دول العالم المتقدمة حيث يعي الناس حقوقهم، ليست هناك فجوة واسعة بين القرارات الحكومية والإرادة الشعبية. وهو ما يبدو أن المركز يحاول فعله من خلال العدد الكبير من الدورات التي يعقدها في مجال التدريب على حقوق الإنسان.

مرّت سنة واحدة فقط على المركز في عهده الجديد، وهذا يعني أنه ما زال في طور المراقبة، وأنه من المبكر إطلاق الأحكام القطعية على أدائه.

المركز الوطني لحقوق الإنسان رقابة «هادئة» في عهد بدران
 
01-Sep-2009
 
العدد 3